الدكتور جواد محمد أمين للوفاق:

معركة حلب بمثابة رصاصة الرحمة على المشاريع الرجعية

كان التصدي عظيماً للجماعات التكفيرية، وهنا لابد أن نذكر الحاج قاسم سليماني في ذكرى سنويته وما قام به في قيادة معركة حلب برفقة الجيش العربي السوري ومحور المقاومة

2022-12-27

عبير شمص

عند الحديث عن أهم المعارك، التي خيضت خلال الحرب على سوريا. فإنَ معركة حلب تعد الأولى بينها جميعاً، حتى شبهها البعض بمعركة “ستالينغراد”. فهذه المعركة كانت مفصلية بالنسبة لمحور المقاومة من جهة، وفي المقابل للمحور الأمريكي والدول التابعة له، والتي أدارت التنظيمات الارهابية من جهةٍ أخرى.

حيث كان لتداعيات الانتصار فيها، والذي حصل في 21 كانون الأول 2012 تشبه الى حد كبير ما حصل في ستالينغراد. ففي ستالينغراد سقط المشروع النازي، بينما أسقط انتصار حلب المشروع الأمريكي بضرب سوريا ورئيسها اللذين يشكلان عمق محور المقاومة، وكان قائد المعركة في حلب هو الشهيد الفريق قاسم سليماني.

ومن أجل التعرف على حلب ومنطقتها ومقاومتها لمشاريع الاستعمار والاحتلال بدءاً من الاستعمار الفرنسي وانتهاءاً بالحرب مع الجماعات التكفيرية، أجرت جريدة الوفاق مقابلةً مع الدكتور الجامعي السوري محمد جواد أمين، وكان هذا الحوار:

 لو سمحتم التعريف بمدينة حلب وقراها تاريخياً؟

بدايةً أتوجه بالشكر لكم ولإدارة هذه الجريدة الرائدة في عملها ومجالاتها المتخصصة بها، والتي تملك مصداقية كبيرة في عالمٍ بات اليوم يبحث فيه عن منابر إعلامية تعمل في إطار ما تقدمونه في جهاد التبيين خدمةً لكل المستضعفين على إمتداد الآفاق.

كما تعلمون تُعد حلب مدينةً مهمةً في الشمال السوري، فهي تقع في الشمال الغربي للبلاد، وتبعُد 50 كم تقريباً عن الحدود التركية جنوبًا، وترتفع أهميتها عن غيرها من المناطق والمدن أنها تقع على مفترق العديد من الطرق التجارية الهامة، وتبعُد نحو 100 كلم عن البحر الأبيض المتوسط غربًا ونهر الفرات شرقًا، وتقريباً اليوم ربما يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين نسمة.

طبعاً عندما نتحدث عن حلب لابد أن نُفرق بين حلب الكبرى والتي تصل للبحر ومنها لواء اسكندرون والذي كان يعتبر ميناءً لحلب، ونتحدث عن محافظة إدلب والتي كانت قضاءً يتبع لمدينة حلب وبما أننا نتحدث عن المساحة لابد أن نتحدث عن أربع مناطق في ريفها عاشت صبراً ومقاومةً من طرازٍ عظيم، هنا نتحدث عن نبل والزهراء والفوعة وكفريا …هذه المناطق اليوم ثبتت وأثبتت أنها من مدينة عظيمة وقادرة على رسم معالم عظيمة في شتى الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية.

ما هي أهم المحطات التاريخية التي واجهت بها حلب الاحتلال والاستعمار؟

عند الحديث عن حلب يكون الحديث عن تاريخ المقاومة، إذا ما أردنا أن نستعرض سرداً تاريخياً لهذه المدينة الطيبة، إنما نسطر ملامح حملها التاريخ لنا يتحدث بها عن ملامح بطولية عاشتها هذه الأراضي وإلى يومنا هذا، فعندما أقرأ عن حلب حقيقة إنما أقرأ عن تاريخ عظيم الأحداث..

بطبيعة الحال الكلام هنا طويل ويحتاج لوقفات للتأمل والتمعن في كثرة الحوادث التي مرت على هذه المدينة فمنذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد كانت حلب عاصمة مملكة العموريين، وخضعت فيّما بعد منذ القرن الرابع عشر وحتى السابع عشر لحكم الحثيين ثم المصريين ثم الميتانيين، إلى أن عادت تحت حكم الحثيين مرةً أخرى وحصلت على الاستقلال بوصفها إمارة حثية في القرون التالية، بعد ذلك غزاها الآشوريون ثم سيطر عليها الفرس الأخمينيون، إلى أن سقطت في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد في أيدي السلوقيين الذين أسسوا مستعمرة مقدونية في الموقع وأطلقوا عليها إسم بيريه، والتي أصبحت أنذاك مدينة مهمة في الفترة الهلنستية ومركزًا تجاريًا كبيرًا بين منطقة البحر المتوسط والأراضي الواقعة في أقصى الشرق، ثم ضُمت المدينة إلى مقاطعة سوريا في القرن الأول قبل الميلاد.

هنا فقط للإشارة الهامة والتي لا بد أن تتوضح للقراء الكرام أن بعض المؤرخين يتحدثون عن الاستيطان اليهودي في المنطقة قد بدأ خلال هذه الفترة، وتأسس فيها مجتمع مسيحي وازدهرت المدينة بوصفها مركزًا لحركة مرور القوافل في ظل الحكم البيزنطي، وفي هذه الفترات تعرضت لهجمات وطالها الحرق والنهب وغير ذلك..

بعد ذلك قدم العرب إلى المدينة عام 637 وأعادوا إليها اسمها القديم “حلب”. وفي القرن العاشر أثبتت سلالة الحمدانيين وجودها في حلب وازدهرت الحياة الثقافية والفكرية للمدينة في عصرهم، ومن مظاهرها محكمة “سيف الدولة” مؤسس السلالة في حلب، وظهور شخصيات نخبوية بارزة مثل الشاعر المتنبي والفيلسوف الفارابي، لكن الجيش البيزنطي حاصرها ونهبها سنة 962، وأعقب ذلك فترة من الحرب والاضطراب أججها صراع محلي على السلطة للسيطرة على الشمال السوري وهذا يبين لنا حقيقة الصراع اليوم على حلب ولماذا تُستهدف هذه المدينة العظيمة.

طبعاً في القرن الثاني عشر أصبحت حلب مركزًا لمقاومة المسلمين ضد الصليبيين الذين حاصروها دون جدوى عام 1124، فالتاريخ ينقل لنا عن التهديد الصليبي لـ”عماد الدين الزنكي” الذي أصبح ملكًا على حلب عام 1129، ثّم خلفه إبنه نور الدين. وشهدت حلب في هذه الفترة ازدهارًا استثنائيًا، واستعادت دورها كمركز تجاري بين أوروبا وآسيا، وأُعيد بناء القلعة وتوسعت الأسواق والضواحي وأُنشئت العديد من المدارس وغيرها من المرافق الخدمية وماشابه.

بعد ذلك تعددت الحملات إلى أن خضعت المدينة لحكم العثمانين الذين مازالوا لليوم ينظرون لحلب بأنها تُشكل بعداً استراتيجياً لهم وهنا أتحدث عن العثمانية الجديدة الإردوغانية.

مارس العثمانيون مذابح عظيمة لاسيّما بحق الشيعة وبقية الطوائف الأخرى، لكن تحديداً الشيعة تعرضوا لويلات الحكام العثمانيين ومن قبلهم الأيوبيين إلى أن انتهى الأمر بهذه المدينة أن وقعت تحت حكم الانتداب الفرنسي والذي كان مثل قبله في إجرامه وظلمه، والذي لاقى حركات مقاومة متعددة كبرى منها حركة الثائر البطل إبراهيم هنانو والذي أسس لمقاومة عظيمة في الشمال السوري عموماً وحلب خصوصاً.

كيف كان الوضع الإجتماعي والإقتصادي والثقافي لمدينة حلب قبل مجيء الجماعات التكفيرية؟

قبل بداية الأحداث التي عصفت في بلدي الحبيب كان واقع حلب المدينة التي اجتمع فيها كل شيء، هنا نتحدث عن أخلاقيات الناس وكرمهم وحسن مواساتهم لبعضهم البعض ووقوفهم كعائلة واحدة، وأيضاً حالات المصاهرة بين الطوائف الإسلامية، أمّا الحالة الفنية والفكرية والأدبية فيها، فهي تملك قامات عالمية في الفن والأدب والفكر والصناعة والتجارة..

في الجانب الصناعي والتجاري كانت حلب وما تزال هي الرئة التجارية والصناعية ليس فقط لسورية بل لكل الدول المجاورة وحتى البعيدة، نظراً لتنوع الصناعات الموجودة لاسيّما في النسيج والخيوط وغيرها .

كيف أثّر وجود الجماعات التكفيرية على النسيج الإجتماعي والثقافي لمدينة حلب ؟

بخصوص الجماعات الإرهابية طبعاً كما تعلمون كانت مدينة حلب آخر المناطق التي سقطت بيد هذه الجماعات ولم تسقط بشكلٍ كامل لبسالة أهلها وشبابها، بالرغم من أن هذه الجماعات أثرت على هذه المدينة من الجهة العمرانية نتيجة التهديم والتخريب لكنها على مستوى النفوس والعقول لم يكن لها تأثير بالمعنى الذي أرادوه، وبالتالي المدينة كانت طيلة الفترة الماضية صابرة ومقاومة ونتيجة تماسك الناس والعقلاء تم بناء جدار عظيم في جهات التصدي المتعددة..

في أقصى ظروف الهجمة على حلب كان الناس في تآخٍ كبير وتكافل وهذا مؤشر عظيم للعمق التربوي والاجتماعي والإيماني عند أهالي حلب الشرفاء.

كيف واجهت حلب هذه الجماعات وتحررت منها، وكيف عادت لها الحياة بعد التحرير وما هو الوضع الآن؟

عندما نطالع حلب في الحرب السورية نلحظ ماقام به أهلها مع الجيش والقوى الرديفة والصديقة فقد كان التصدي عظيماً للجماعات التكفيرية، وهنا لابد أن نذكر الحاج قاسم سليماني في ذكرى سنويته وما قام به في حلب برفقة ضباط الجيش العربي السوري في عمليات التصدى على كل المحاور.

كما إنّ معركة حلب لم تكن كغيرها من المعارك ضد الإرهاب نظراً لتحصن التنظيمات الإرهابية في مناطق عمرانية وسكنية وفي أحياء المدينة القديمة الأمر الذي زاد من صعوبة العمل العسكري الواسع من جهة وكذلك انفتاح خطوط الإمداد على الداعم التركي في الشمال الذي شارك التنظيمات الإرهابية في معظم المعارك لوجستياً وتسليحياً.

وأهم مراحل عمليات تحرير المدينة ومنطقتها كانت بدايةً في شهر آذار/ مارس من العام 2016 عندما أطلق الجيش السوري وحلفاؤه في محور المقاومة، عمليةً عسكرية كبرى لتحرير حلب، وفي  آخر عام  2016 استطاعت الدولة السورية فرض وقف إطلاق النار من أجل حقن الدماء، وحماية المدنيين الذين اتخذتهم الجماعات الإرهابية دروعاً بشرية، وأخيراً في 21 كانون الأول / ديسمبر من العام نفسه، أعلن الجيش السوري تحرير مدينة حلب، وذلك بعد خروج آخر دفعة من مسلحي الجماعات الإرهابية.

لا يخفى على أحد إنّ الهدف الرئيس للحروب بالوكالة كان إضعاف محور المقاومة لكن هذه الجماعات الإرهابية وداعميها أخفقوا في تحقيق أهدافهم بعد الهزيمة في العراق وسوريا، ولذلك يمكن القول إن المنتصرین الرئيسيین في الحرب هم دول محور المقاومة التي تقودها إيران، بالإضافة الى روسيا، واليوم هناك من يعتبر معركة حلب بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على مشاريع الدول الرجعية والعميلة بشهادة وسائل الاعلام التابعة لهذه الدول والتي اعترفت بالهزيمة.

ومع خروج آخر إرهابي من المدينة بدأ الأهالي يستعيدون حياتهم وبدأت عاصمة الصناعة السورية تنهض وتحركت الآلات في المعامل وما هي إلا أشهر قليلة حتى عادت مئات المنشآت إلى الإنتاج في مدينة الشيخ نجار الصناعية والقطاعات الخدمية والاقتصادية كالاتصالات والتعليم والسياحة والنقل وغيرها الكثير.

فمدينة حلب اليوم مازالت تواجه المخططات التركية والأمريكية وغيرها وحقيقةً حلب مدهشة، ففي الوقت نفسه تواجه وتبني، في مشاريع البناء والإعمار العمراني والثقافي والعلمي والتجاري والصناعي.

واقعاً من يزور حلب يرى أن الحركة فيها مستمرة وأن التطور يتصاعد لتعود أفضل مما كانت عليه سابقاً واليوم الحياة في حلب في ظل التحديات التي تواجهها قلعة المقاومة حقيقةً وأهلها يتنفسون العز ورائحة دماء الشهداء، حيث هي بلد الفخر .

في نهاية الكلام الثقة كبيرة بهذه المدينة وبأهلها الشرفاء وإن شاء الله يعود لهذه المدينة ألقها الكامل بفضل سواعد أبنائها الكرام، وأخيراً الشكر الجزيل لكم على هذه الفرصة ولكم أطيب التحايا وأعظم الأمنيات.