في الذكرى الثامنة والأربعين لاستشهاد آية الله غفاري

ذكرى إستشهاد صاحب فتوى “تحريم أدنى علاقة مع الكيان المحتل”

كان الشهيد آية الله غفاري يحب الإمام الخميني (قدس) حباً جماً ولقد اعتبر أي شكل من عدم الاحترام أو إهانة الإمام (قدس) كفراً

2022-12-28

الوفاق

يصادف يوم 27 ديسمبر ذكرى استشهاد العالم والمجاهد الشهيد آية الله حسين غفاري في عام1974، وهو عالم ومجاهد ورع من روّاد الثورة الإسلامية في ايران ومناضل ضد نظام الشاه المقبور. تعرض آية الله حسين غفاري لأقسى أنواع التعذيب إبان ديكتاتورية محمد رضا شاه بهلوي ورفض أن ينطق بكلمة ضد الإمام الخميني (قدس) والثورة حتى على الورق أو بالكلام ولم تمنعه الاعتقالات المتعددة وشتى أنواع التعذيب الذي تعرض لها ​​من السير في الطريق الذي سلكه بثبات، سنناقش في هذا المقال سيرته الشخصية والجهادية والعلمية.

ولادة مجاهد

ولد آية الله حسين غفاري عام 1295 في قرية “دهخوارقان” في مدينة تبريز التي تسمى في يومنا هذا مدينة “آذر شهر”، وهي مدينة العلماء الحكماء أمثال الشيخ عبد الله ممقاني (مؤلف تنقيح المقال في علم الرجال ) وشهيد المحراب آية الله سيد أسد الله مدني. ينتمي إلى عائلة الحاج ملا محسن (حفيده) وهو من الشخصيات العلمية والدينية في المدينة الذي استشهد على يد الروس. عندما كان طفلاً، فقد والده في هجوم لعملاء “رضا شاه” مما اضطره وبسبب الفقر والمشاكل الاقتصادية على العمل بالزراعة برفقة أشقائه لتوفير مقومات الحياة، وهو لرغبته الشديدة في التعلم استغل أوقات الفراغ للدراسة بتشجيع من خاله الأكبر المرحوم آية الله سيد محسن غفاري، فدرس مرحلة المقدمات عند أساتذة قريته وهو في أوائل شبابه، ثم سافر إلى تبريز مع أخيه لتحسين الظروف المادية العصيبة، وبالرغم من أن ظروف تبريز كانت أصعب من قريته ولكن عزيمته اشتدت في دراسة العلوم الحوزوية فدرس كتابي اللمعة والكفاية في الأصول والفقه. ولكن الفقر المدقع منعه من مواصلة الدراسة في تبريز فعاد إلى موطنه الأصلي، وبدأ يتابع دروس المكاسب والرسائل عند خاله، وبما أنه كان يمتلك الذكاء فبلغ المستويات العلمية العليا.

من تبريز إلى قم المقدسة

حينما بلغ الثلاثين من العمر سافر الشهيد إلى الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة والتي كانت تتحول شيئاً فشيئاً إلى مركز علمي وبحثي للفقه الإسلامي والشيعي، ومكث فيها أحد عشر عاماً، حضر فيها دروس بحث الخارج عند آيات الله الفيض القمي والسيد الخونساري والسيد البروجردي والسيد حجت وبالأخص عند الإمام الخميني(قدس) ووصل إلى مراحل عالية من العلم والفضل.

تعرف في فترة الدراسة على عالم الدين المجاهد آية الله ميرزا علي مقدس تبريزي والذي يُعد من العلماء الملتزمين والواعين في تلك الآونة. ترأس في تلك الفترة تحرير أسبوعية الدين والحياة وكانت تنشر بحوث حول الدين الإسلامي والتشيع في الجوانب السياسية والاجتماعية لكن تم إغلاقها بهد ثمانية أشهر.

في عام 1948م سافر إلى مدينة طهران واستقر فيها وبدأ في العمل بالتبليغ والإرشاد في أحد مساجدها، الذي حوله إلى وسيلة دعوية توجه الناس وتؤسس لحركات اجتماعية وسياسية في منطقته. في العام 1963م إثر شروع نهضة الإمام الخميني (قدس) انتهج الشهيد درب أستاذه وقائده وفضح ألاعيب الشاه وجرائمه وارتباط نظامه بالاستعمار، وأبرز أعمال الشاه كانت محاربة رجال الدين وحث الناس وتشجيعهم على التحرر من الدين، وخلع الحجاب، وحرية عمل الطائفة البهائية، أما أهمها فكان قانون الإصلاحات الأرضية الذي أوضح ضرره للناس منبهاً لتأثيراته داعياً الناس إلى معارضته، ولهذا السبب تعرض لهجوم عملاء السافاك في منزله بتهمة مخالفة النظام ودعوة الجماهير للثورة، وبسبب إصراره على مواصلة فضح النظام وتعريته فقد تعرض للاعتقال والتعذيب والسجن عدة مرات . عند اعتقال الإمام الخميني (قدس) انضم آية الله غفاري إلى جمع من العلماء الذين تجمعوا دعماً لإطلاق سراح الإمام، وفي تلك الآونة أرسل آية الله غفاري برقية إلى كل من آية الله سيد محمود طالقاني والمهندس مهدي بازركان والدكتور سحابي، أدت إلى اعتقاله مرةً أخرى بتهمة “العمل ضد الأمن القومي” وإرسال ملفه إلى المدعي العام في الجيش.

رفيق الإمام الخميني (قدس)

كان يحب الإمام الخميني (قدس) حباً جماً فلقد اعتبر أي شكل من عدم الاحترام أو إهانة الإمام (قدس)، كفراً. وذلك بحسب ما جاء في أحد خطبه التي ألقي بسببها لعامين ونصف في السجن تعرض فيها لتعذيب شديد بسبب شدة حبه وتعلقه بالإمام (قدس) وذلك حينما نطق إسمه بالسيد الخميني(قدس) احتراماً له مما أدى إلى كسر أسنانه ويده وحرق رجليه بالزيت الحار.

بعد إطلاق سراحه من السجن، أرسل برقية تهنئة لإمامه العزيز الإمام الخميني(قدس) بمناسبة دخوله إلى مدينة النجف الأشرف، لم يثنه التعذيب والسجن عن متابعة مسيرته النضالية ضد الظلم وظلت خطبه مكرسة بشكلٍ عام لفضح المواقف غير الإسلامية للنظام. ولم يكن  للاعتقالات والاستجوابات والسجن والتعذيب القاسي أدنى تأثير سلبي على روحه العظيمة والمقاومة، بل استمر بعد كل اعتقال وسجن في القتال بروحٍ أقوى وأكثر شجاعة. كان آية الله غفاري شديد الارتباط بأهل البيت(ع)، فقد كان دائم الذكر لهم في السجن وأثناء التعذيب وبالأخص الإمام الكاظم(ع)، يذكر إبنه أنه في زيارته الأخيرة له:”: عندما وصل الحديث بيننا عن الإمام الكاظم(ع) فاضت عينيه دموعاً، ولأن يديه لم تتمكنا من إزالة الدموع بسبب تعرضها للكسر أثناء التعذيب فقط طأطأ برأسه إلى الأسفل وأزال الدمع بواسطة ركبته المتحطمة. كانت السنوات الثلاث عشرة الأخيرة من حياته الكريمة مليئة بالنضال والتضحية من أجل المثل العليا للإمام الخميني(قدس).

الاستشهاد

إثر انكشاف أمر العلاقات بين النظام الطاغوت الفاسد والكيان الإسرائيلي المحتل تصدى آية الله غفاري لمظاهر هذه العلاقات؛ فأعلن عن تحريم اللحوم الإسرائيلية المستوردة فاعتقل إثر توسع رقعة المعارضة الشعبية لذلك، مما أدى إلى اعتقاله وذلك في يوليو/تموز عام 1974 م وكان هذا هو الاعتقال الأخير له واستمر لمدة ستة أشهر قضاها في أسوأ الظروف وأشد انواع التعذيب والتي استشهد على إثرها في يوم27 ديسمبر/كانون أول من العام نفسه.

تحولت مراسيم تشييعه إلى مظاهرات عارمة معارضة للنظام البهلوي وقامت الشرطة والسافاك بقمع علماء الدين والناس. تحولت كافة أنحاء مدينة قم إلى ساحة المظاهرات وتم اعتقال ما يقارب 600 شخص وحكم عليهم في السجن من 3 أشهر إلى 3 سنوات. بعد أيام أقام آية الله كلبايكاني مراسم كبيرة  له في المسجد الأعظم في قم، ولقد كان لاستشهاده صدىً واسعاً في أوساط الطلاب والتنظيمات والجماعات المناضلة وتجاوز التنديد به حدود البلاد وأرسلت شخصيات من لبنان وفلسطين والعراق وكافة الدول الإسلامية وحتى الأوروبية رسائل تعزية والتنديد بهذه الجريمة.

وقد قال الإمام الخميني (قدس) عن استشهاده :” إنّ ألمنا هو أنهم حبسونا وألقوا بنا في السجن،  إن ألمنا هو أنهم قطعوا أرجل العلماء (إشارة إلى آية الله غفاري)، وأحرقوا البعض بالزيت، إن ألمنا هو أن علماءنا حبسوا لعشرة سنوات و15 سنة و8 سنوات و7 سنوات”.