الوفاق / خاص

ممثل الولي الفقيه: الدين الإسلامي يُشجّعنا على التطور والنموّ

كان العالم الإسلامي في فترة من الفترات يزخر بالنخب العلمية، الأمر الذي لم يتحمله الآخرون، فعمدوا لسرقة كل تلك المُدَخرات العلمية، وتوريط العالم الإسلامي

2023-01-02

الوفاق خاص/ خرم آبادي

أقامت المعاونية للشؤون الدولية لممثلية الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة بمشاركة أمانة الحضارة الإسلامية في جامعة طهران الحكومية وجامعة كربلاء المقدس والتي حضرها شخصيات أكاديمية من جامعات إيرانية وعراقية تحت عنوان”دور التعاون العلمي والثقافي لجامعات العالم إسلامي في التمهيد لحضارة إسلامية حديثة” وألقى ممثل الولي الفقيه حجة الإسلام والمسلمين السيد عبدالفتاح نواب كلمته حول الموضوع كما يلي نص الخطاب:

موضوع الندوة يشير إلى المواهب والأرضية اللازمة للتطور والنمو العلمي للعالم الإسلامي، فمنذ القدم، كان العالم الإسلامي في تطور وتنام مشهودَين، وخلفيات التطور الإسلامي مشهودة، حتى أن العديد من الأجانب جاءوا الى العالم الإسلامي ونهبوا ثرواته العلمية وعلومه القيمة، واستثمروا مدخرات العلماء المسلمين، وتمكنوا من توفير الأرضية اللازمة للتطور والتقدم.

عمدوا لسرقة المدخرات العلمية للعالم الإسلامي

كان العالم الإسلامي في فترة من الفترات يزخر بالنخب العلمية، الأمر الذي لم يتحمله الآخرون، فعمدوا لسرقة كل تلك المُدَخرات العلمية، وتوريط العالم الإسلامي بالقضايا الهامشية والخلافات الداخلية والإقليمية، وإلى غير ذلك من توريط الشعوب، بقضايا اللهو واللعب، والأمور التافهة، متذرعين بأنهم يعملون ويقدمون كل شيئ لهم، حتى أن البعض مازال يعتقد خطأ، بأن شعوب الشرق هي سيدة الغرب، لأن الغربيين يعملون ويصنعون، والشعوب الشرقية تستلم الجاهز من تقنياتهم وصناعاتهم. لكن هذا، لايليق بالمجتمع الإسلامي وتعليماته، فهناك مقولة مأثورة للإمام أميرالمؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام حيث يقول “من إعتدل يوماه، فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همه، سيكون من المُحسَّرين يوم القيامة، ومن كان غده أسوأ من اليوم، فهو محروم وقد خسر الآخِرة”. إذا فالدين وتعليماته القيمة يُشجعنا على النمو والتطور، وأن نتطلع لغد أفضل، لا للعالم الاسلامي فحسب، بل لكل الإنسانية. فما السبيل للوصول إلى ذلك؟ في بداية الأمر علينا التعرُّف على الإبداعات، والقدرات الخلاَّقة، وأن نعرِف قُدُرات وامكانيات طاقاتنا، ونعمل على تطويرها، كي تزدهر الإبداعات وعمليات التحديث، وترتفع نسبة الثقة بين النخب والمبدعين. كل التطور والنمو المشهود في الجمهورية الإسلامية منذ انتصار ثورتها حتى الساعة، هو نتيجة هذه النشاطات، حيث كان الإمام الخميني الراحل كان يؤكد، أننا نتمكن من ذلك، أي بتفعيل النشاطات والإبداعات يمكن تحقيق التنمية. فعند تنشيط ودعم المبدعين، تعمد النخب العلمية للعمل الدؤوب للتعرف أكثر على المشاكل وتُفكِّر بحلحلتها. فعلى سبيل المثال لن يمر اسبوعا واحدا، إلا وكانت هنالك نشاطات للنخب وتقديم إبداعات لتوفير فرصٍ للعمل.

الإبتدائية والمتوسطة أهمّ مراحل الحياة العلمية

أن فرص الإبداع ثمينة وقليلة جدا وعلينا أن لانهدرها، وأن نعمل على توعية الأجيال الناشئة، للمحافظة عليها أيضا. فأصول الإبداعات عادة ما تبتني على المعلومات السابقة، والأفكار الحديثة جذورها في التطورات السابقة، وعلينا أن نُعرِّف الناشئين عليها، ونسعى أن تكون الأفكار الحديثة متنامية بالنسبة لسابقاتها. وتتضاعف أهمية ذلك لدى الأطفال، حيث علينا تنشيط أفكارهم، وننظمها لتكون دائمات تسير باتجاه التطور والتنمية والكمال والتحديث، وهذا لايمكن إلا من خلال الإهتمام بإصول تنمية الأطفال، ولاننسى أن دور المعلمين في تنمية الإبداعات والمواهب مهم جدا، فكما يقول قائد الثورة الإسلامية، إن أي فترة في حياة الإنسان، لم تكن بأهمية فترة مرحلتي الإبتدائية والمتوسطة من ناحية التعليم والتعلُّم، فمن السادسة وحتى الثامنة عشرة من العمر، يكون دور التربية والتعليم والمعلمين، لامثيل له في حياة الإنسان. أي ان المعلمين يمكن أن يرسموا مستقبل اليافعين بشكل جيد في هذه السنوات الإثنتي عشرة. ويجب التعرف على العقبات التي تعيق عملية التطور والتنمية، وتحذير التلاميذ “بُناة المستقبل” من الوقوع في شراكها، وإن تشجيعهم مهم جدا، كي يهتموا بالأمر.

الثقة بالنفس من أهمّ الأمور

كما أن الإهتمام بالتنمية والإزدهار الذاتي مهم جدا بالنسبة للمتعلمين، أضف إلى ذلك، بناء الثقة بالنفس، للإبداع والتنمية، يعتبرأمرا في غاية الأهمية، والإرتياح النفسي أيضا هو من العوامل المؤثرة في التنمية والإزدهار. ومن الطبيعي أن هناك بعض التحديات التي تحد من التطور والإزدهار، فأول وأهم عقبة للتطور في كل مجتمع، حيث بإمكانها أن توقف أي تطور وتقدم للمجتمع، هي القبول بالأوضاع السائدة. فمن الناحية التطبيقية يقال أن كل شخص عليه أن يُغير الترتيبات الموجودة في محيط عمله باستمرار، كي لايُصاب بالروتين والجمود، فحتى لو كان التغيير جزئيا، فسيترك أثرا جيدا على عمله، ويدفعه للتطور والإزدهار، كذلك الحال بالنسبة للشخص الذي يكتفي بوثيقة اولية لمدارجه العلمية، في حين أنه لو واصل دراساته ولم يكتف بالوثيقة الأولى، لكان يحصل على مدارج علمية أعلى حتى يصبح من النخب العلمية. على صعيد آخر من يفتقر للثقة بالنفس، أو متحفظا أكثر من اللازم، أو لم يكن منضبطا، ولا يتطلع للتطور، ويرضى بالوضع الموجود، فمن الطبيعي أنه يبقى بعيدا عن التطور، إذا الشخص الذي يعاني من الجمود الفكري، عليه ان يتحرك ويسعى ويقارع الصعاب والغموض، كي تتسنى له فرصة التعلم والمعرفة. ومن العوامل التي تساعد على التطور، البساطة وعدم تعقيد الأمور، فعلى الباحث أن لايستسلم للعقبات، بل يصمد ويواصل نشاطه لساعات بل وأيام، ولطالما فكر الباحثون لفترات امتدت لعدة أسابيع، وحتى لو كانوا يواجهون الفشل، كانوا يواصلون السعي للحصول على النتائج المرجوة. ومن أهم النقاط المؤثرة في تحقيق نجاح الجهود المبذولة، إستثمار طاقات جانبي المخ، وكذلك عدم التركيز في البحوث، والتأمل والصمود أمام مشاكل العمل، والخجل أو عدم التعاطي مع الصعاب، وعدم الإستقرار النفسي، الكبت وإنغلاق الأجواء المجتمعية، كل ذلك من العوامل التي تؤثر سلبا على عملية التطور والإزدهار.

التحقير والإستصغار من موانع بناء الحضارة الإسلامية

كما أن التحقير والإستصغار لايمكن أن يؤدي لظهور نخب فكرية في المجتمع، مثل القبول بمقولة “إننا من دول العالم الثالث، ولايمكن أن نتطور”، هذه أفكارٌ تمنع من تحقيق التقدم، خاصة وأن الإنسان بإمكانه أن يفكر ويُنظِّم أفكاره ويُحسن أوضاعه، وعليه أن لايكون خائفا ومضطربا، فبعض النخب والمفكرين لايسمحون بتشويش أفكارهم، فالإنسان المستقر نفسيا، بالتأكيد ستكون الأرضية ممهدة لتطوره. ومن أهم الحالات التي تساعد على نجاح الإنسان، تعاطفه مع ظروف محيطه، خاصة وأن الإنسان قد يخطأ أحيانا، وعليه الإعتراف بخطأه، ولا يصر على ذلك. فعلى سبيل المثال العلامة الراحل والخاتم لدرجات الإجتهاد، سماحة الشيخ مرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه، عندما كانت تُطرح عليه قضية، ولم يُحط بجوابها بشكل تام، كان يقول وبكل صراحة، لا أعرف، ولا علم لي بذلك. هذه هي الشجاعة العلمية، كما أنني كنت ذات يوم في محضر آية الله العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي طيب الله ثراه، وقد طَرح عليه احد الحضور سؤالا، فكان أحد الحاضرين، أجابه على سؤاله، لكن العلامة الطباطائي قال: لا علم لي بذلك، نعم العلامة الطباطبائي وبكل صراحة قال: لا أعلم. فهذه هي الحيوية والتعاطي مع القضايا وتعد نقطة حيوية للباحث. ومن أهم ميزات المبدعين والنخب، الإبداع ومتابعة الأمور المُعقدة دون البسيطة، وأن يكون لهم استقلال في الرأي عند إتخاذ القرار، والتركيز بشكل دقيق على الهدف الذي يتابعه الباحث، كما كان الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يركز على الإنتصار، حتى نال ذلك. الفطنة والثقة بالنفس، وتحديد الهدف والسعي لتحقيقة، وأن يعيش الفرد واقعه الحالي في الحياة، وأن لايبقى في المثاليات، كلها من أسباب النجاح، فإن عرف الباحث أنه قد حقق هدفه، هذا يكفيه ولايبقى رهينة تحسين الآخرين. فهذه كلها امور تشحن طاقات الباحث الذي تتوفر فيه شروط التطور والتقدم. إذاً نحن في العالم الإسلامي نحتاج للتنمية المستديمة والتطور والتكامل، والله سبحانه وتعالى قد وفر الأرضية لنا، فالمهم هو إبداع النخب، وتنشيطها في طريق التنمية والسمو. أعتذر لإطالة الكلام، وأتمنى لكل السادة المشاركين والمتابعين التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.