الأب مطانيوس سطوف للوفاق:

الحاج قاسم سليماني ضحى بدمه للحفاظ على الوجود المسيحي

الشهيد قاسم سليماني شهيدا لكل المسيحيين في سوريا

2023-01-03

خاص الوفاق/ أمل محمد شبيب

بين بلدة صدد والمقاومة بندقية، بين بلدة صدد في محافظة حمص والمقاومة قصة صمود تجاوزت كل الحدود، فبلدة صدد تحكي عن مقاومتها بكل شرف، فبينها وبين مقاومة الإرهاب التكفيري دماء وشهداء، من يدخل بلدة صدد يستعيد الكثير من ذاكرة الصمود والكثير من الإنتصارات، فقصص المواجهات مكتوبة على الحيطان، إذا رفعت رأسك الى نحو السماء ستجد أقماراً أقماراً وشموساً وشموخاً، يزينها قائد شهدت يداه كل مواسم الإنتصارات، فحيث يجب ان يكون كان، وحيث يجب أن يكون استشهد، وحيث كان واستشهد كان هو الحدود والوطن.

في شوارع بلدة صدد يعيش الحاج قاسم سليماني، يخبروننا كيف قاوم حتى أهدى أهلها فرحة الإنتصار، هي معادلة صعبة جداً على الذين لا يتقنون حسابات المقاومة.

في ذكرى استشهاده الثالثة، لقاء خاص لجريدة الوفاق مع كاهن كنيسة بلدة صدد السورية الأب مطانيوس سطوف.

 شهدت بلدة صدد إرهاب لا يوصف من قبل الدواعش

بدأنا لقاءنا حول مجيء الإرهاب الى بلدة صدد، البلدة المسيحية السورية، وهنا استرجع الأب مطانيوس ذكريات أليمة مرّت على البلدة قائلاً: “صدد بلدة مسيحية مسالمة آمنة لم نكن نتوقع دخول الإرهاب الى صدد، بل آخر ما كنا نتوقعه دخول الإرهاب الى بلدتنا، صدد ملاصقة لبلدة مهين التي تربطنا مع أهلها علاقات جيرة واهل عمرها آلاف السنوات، وتبعد بلدة مهين فقط عن صدد 14 كيلومتر، علاقتنا معهم لم تكن علاقات عابرة، بل علاقات متينة تخطت علاقات الجيرة العادية، فنحن الذين درّسنا اولادهم، كنا 67 معلم ومدرّس نذهب الى مهين وندرس في المدارس والثانويات داخل البلدة، نذهب بسيارات نقل لنقوم بواجبنا التعليمية، كانت تلك العلاقت طيبة وطيدة، لكن للأسف أقولها بانهم باعوا ضمائرهم وأفكارهم، وبايعوا الدواعش، ودخلوا معهم وغدروا فينا، إذ كانوا يعرفون كم شخص في كل دار، لكن خانوا العشرة والخبز للأسف…

صباح 21 تشرين الأول 2013، استيقظت البلدة على اصوات تكبير ودخول مجموعات بشرية كبيرة، يهتفون بأصوات عالية في شوارع البلدة ” الله أكبر الله أكبر”، لم نكن نعلم ماذا يجري في تلك اللحظات، ظلّ جميع أهل البلدة داخل منازلهم ينظرون من الشبابيك فقط، هجموا على البلدة والدوائر الرسمية، المستوصف، البريد، والأمن السياسي. قاوم الأمن السياسي والمخفر والعناصر الموجودة، كان هناك مقاومة شديدة بين عناصر المخفر وبين الدواعش، ودفاع مستميت وقوي، حتى جاءت الدعم والمعونة والجيش من مطار شعيرات، شهدت البلدة في تلك الأيام ارهاب لا يوصف من قبل الدواعش، كنا شباباً ورجالاً نعمل على تأمين متطلبات البلدة والدعم والمعونات.

كان القتل وإطلاق النار على الرؤوس هو الأساس

من يدخل هذه البلدة لا بد وأن يستذكر كل المجازر والإرهاب الذي ارتكبه التكفيريين والدواعش بحق أهل البلدة، وهنا يعود بنا الأب مطانيوس سطوف بالذاكرة الى الوراء، يقول: “يؤسفني أن أقول بأن المجازر التي ارتكبت كانت من شباب بلدة مهين بالتعاون مع الدواعش، إذ كانوا يعرفون الصغيرة والكبيرة عن كل بيت نتيجة عشرة الخبز والملح، وآخر ما كنا نتوقعه أن يقوم أهل هذه البلدة بإرتكاب المجازر بحق أهل بلدتنا صدد ويغدروا فينا، دخلوا الى البيوت وقتلوا أهلها، وسرقوا المجوهرات والأموال، دخلوا ملثمين وفور دخولهم كانوا يطلقون النار على الرأس، شهدت بلدة صدد المجازر والسرقات وكان القتل هو الأساس كي لا ينكشف القاتل، قتلوا في يوم واحد 47 شخص، وشيّعنا في يوم واحد 47 ضحية…لكن رغم ما شهدناه من ايام أليمة ومجازر وإرهاب وقتل، إلاّ أن بلدة صدد تحررت من جديد بتعاون الجيش السوري والقوات الرديفة من حزب الله والروس والإيرانيين والحزب القومي السوري وغيرهم من الشرفاء والأصدقاء الذين ساعدونا في دحر هذه المجموعات الإرهابية وفتحوا لهم طريق بعد معارك مختلفة واستقروا في بلدة مهين.

الشهيد قاسم سليماني شهيد المسيحية في سوريا ورجال حزب الله لا يهابون الموت

بعد الحديث عن المجازر، استحضرنا رجل الميدان، قائد الظل، الشهيد الذي ترك بصمته في كل مدينة سورية وحارة وشارع، بصماته التي تركت ولا زالت آثارها حتى اليوم على الشعب السوري وعند المسيحيين، الرجل الذي قاتل على اكثر من جبهة، في الخطوط الأمامية وفي كل مكان، وهنا تطرق الأب مطانيوس سطوف الى الشهيد الحاج قاسم سليماني قائلاً: “الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي تم اغتياله  بضربة من الرئيس الأميركي ترامب كان انساناً شريفاً، وقاتل على أكثر من جبهة لأنه عاشر هذه الفئة وتعامل مع المسيحيين ويعرف أن المسيحيين هم الحضارة وفيهم التطور والعلم والأخلاق والإنسانية، وأنا لا أقول هذا الكلام لأنني مسيحي، بل لأن الحاج قاسم سليماني تعايش مع هذه الفئة في المجتمع السوري، لذلك الحاج قاسم سليماني كان يعرف أن الحفاظ على المسيحية هو الحفاظ على البلد وعلى تطوره وإزدهاره.

لا شك إذا أردنا أن نتحدث عن الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي نعيناه شهيداً نحن في سوريا والمسيحيين بشكل خاص، نتحدث عن رجل شهم، بطل، قدّم لنا دون مقابل، وقف معنا حتى التحرير، ومن الواجب علينا أن نذكر ونشكر حزب الله على وقوفهم ودفاعهم عنا، ما شاهدناه من خلال تعاونهم ومشاهداتنا لحزب الله في صدد نقول بانهم الحزب الباسل والشجاع والبطل، وما أقوله في هذا اللقاء أقوله عن قناعة بعد ان تعرّفنا على النبل والأخلاق والشجاعة الذين يتميزون به رجال حزب الله، فهم ابطال شجعان لا يهابون الموت ونحن نرفع رأسنا بهم وشاهدنا كيف قدّم حزب الله الشهداء دفاعاً عن سوريا وعن وجود المسيحية في سوريا، لتبقى سوريا حرّة مستقلة ولا يستطيع أحد يطول منها شعرة.

الدور مشترك ومهم بين الشهيد قاسم سليماني وبين رجال حزب الله في الحفاظ على سوريا

وفي كلامه عن دور الشهيد قاسم سليماني في حماية الوجود المسيحي في سوريا، يضيف الأب مطانيوس سطوف كاهن كنيسة بلدة صدد: ” للحاج قاسم سليماني وجماعة حزب الله دور مهم وكبير جداً في حماية سوريا، فالأمانة التي حملها حزب الله في الدفاع ايضاً عن سوريا هي وصية من السيد حسن نصر الله حماه الله، الذي كان يؤكد دائماً على حماية سوريا، فهو كان يرى أنه إذا سقطت سوريا بيد الدواعش سينكعس هذا على لبنان، وخط حمص ايضاً، يعني المعابر سهلة جداَ على لبنان، إذاً الدور مشترك ومهم بين الشهيد قاسم سليماني وبين رجال حزب الله في الحفاظ على سوريا.

الشهيد قاسم سليماني هذا الإنسان الجميل دافع عن سوريا الوطن والهوية

عندما علمنا بإستشهاد الحاج قاسم سليماني لم نصدّق، تأثرنا كثيراً، تحسرنا عليه، جميع المسيحين في حمص والكنيسة في حمص نعت الحاج الشهيد قاسم سليماني، والكنيسة اعتبرته شهيداً من شهدائها، بالشهيد قاسم سليماني لم يأت ليدافع فقط عن المسيحيين، لكنه دافع عن سوريا الوطن والهوية، وكان مشروعه حماية كل سوريا وحدودها من الإرهاب والتكفيريين، واستطيع القول بأن  دفاعه عن سوريا اقتضى بشكل أو بآخر أن يدافع عن الوجود المسيحي الذي بطبيعة الأحوال كان يحترمه ويجّله.

وهنا لا بد من القول بكل قوة، أن للحاج قاسم سليماني هذا الأثر الجميل والوجود الكبير، نحمله داخل نفوسنا لكل ما فعله من أجل المسيحية في هذا البلد، هذا الإنسان الجميل وهذه الشخصية الجميل الذي له باع طويل في المقاومة والنضال والدفاع عن الآخر، وهو من يحمل اسماً جميلاً “الشهيد الحاج قاسم سليماني”، لا يمكن أن ننساه، ونعتز به وباثر الطيب في نفوس الجميع.  الرب يرحمه ويعطيه الملكوت الأبدي في الأحضان الإبراهيمي ويعطيه صحبة الملائكة والقديسين والأبرار الصالحين.

كلمة تُقال بحق الشهيد قاسم سليماني

ما عملناه للشهيد سليماني من فتح عزاء كان واجد علينا، ويكفي أنه حصل على صفة شهيد، نحن كمسيحيين سمينا الحاج قاسم سليماني شهيد، واصبح عندنا في السماء شهيد، اصبح عندنا في السماء شفيع وأعلى مرتبة عند المسيحيين هي “الشهيد”

الشهيد قاسم سليماني اعطى دمائه للحفاظ على الوجود المسيحي في سوريا

وختم الأب مطانيوس سطوف اللقاء بقول: ” في ذكرى اتستشهاد الشهيد قاسم سليماني… اتضرع الى الله أن يرحمه برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنانه لما له من دور فعّال ومحبة وأثار ايجابية في نفوس المسيحيين كافة، وهو الذي اعطى دمائه للحفاظ على الوجود المسيحي في هذا البلد، ويرحم امثاله من الشهداء الأبطال الذين ضحوا بانفسهم ولولاهم لما كنا موجويدن حتى اليوم”.

 

المصدر: خاص الوفاق