اختصاصية علم النفس د. هدى مسلماني للوفاق:

الهاتف النقّال سبب بازياد الامراض النفسية

الشبكة العنكبوتية قيدت السلوكيات والافكار ضمن مبادئها ومعاييرها، فضعفت الارادة الذاتية، وابتعد الشخص عن المراقبة الاخلاقية، وتجرأ على المحظور،

2023-01-23

الوفاق/ خاص

سهامه مجلسي

أصبح الهاتف النقال امتداداً آخر لنا في السنوات الأخيرة، وهذا أدى إلى تغيرات منها الإيجابي وآخر سلبي، وخاصةً بما يخص الأسرة، حين الحديث عن المشاكل الزوجية يتم توجيه أصابع الاتهام إلى الثلاثي الأزلي: المال والاخلاق والأطفال، أما في عصرنا الحالي فقد دخلت الهواتف النقّالة على الخط، واحتلت بسرعة مخيفة المركز الأول بين مسببات المشاكل الزوجية، وتبين للباحثين أن الموبايل يؤدي دوراً تأجيجياً للخلافات الزوجية والعاطفية والاسرية ويعتبر البعض استخدام الموبايل في مثل هذه الأحوال ازدراءً وتجاهلاً مقصوداً للشريك، للهاتف النقال آثار متعددة على التغييرات التي تحدث في حياتنا- بعضها آثار صحية جيدة وبعضها الآخر سلبية، وهنا لا نتحدث عن الإشعاع من الهاتف النقال وإنما نتحدث عن تأثيره الاجتماعي وخاصةً على الأسرة.

من أبرز الآثار السلبية التي أدى لها الهاتف النقال، هو عدم مشاركة الأهل بالقرارات الحاسمة، حيث يعتمد كثير من الأشخاص بذلك على أخذ آراء الآخرين المتواجدين على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الشيء يُعدّ امرا خاطئاً جداً ، حيث أن الأسرة هي التي يُمكن لها أن تُحدد القرار المناسب لأحد أفرادها، كونها على دراية كافية بشخصيته وبأهدافه وبإمكانيته، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة بعلم النفس هدى مسلماني وفيما يلي نص الحوار:

هل فعلا ان من دمر البيوت هو الهاتف المحمول وكيف؟

منذ تطور استخدام  وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاتف. واصبح الهاتف بين يدي الصغير والكبير، المتزوجه والمتزوج والاعزب والعزباء والعجوز والعجوزة، ومنذ ازدياد حالات الطلاق، والقرصنة الالكترونية، وكثُرت قصص الغرام الفيسبوكية….. ونحن نسمع بجملة واحدة “الهاتف دمر البيوت” .

بسبب سهولة عميلة التواصل الاجتماعي وعدم وجود حدود بين المرسل والمتلقي، سَهُلت عملية الحوارات بين الاشخاص في أي وقت وتحت أي ظرف، مما فسح المجال أمام الناس بالتعبير عن مشاعرهم باللحظة التي تعيشها وتفريغها إما عند المتلقي بلحظتها، وإما عبر عرضها على صفحات الانترنت المختلفة من خلال الكلمات او الصور التعبيرية. مشاعر يتهافت نحو مواساة صاحبها المشتركين ليدعموها بحب وتعاطف، وهذا ما يجعل صاحبها يستلذ بإظهارها وبلعب دور الضحية والمظلوم والخسران، وبدل أن تمر مشاعر الكرب لديه خلال الوقت الطبيعي لتخطي اي مشكلة او حدث مؤلم، نجدها تأخذ وقتا أكبر وتفريغا دراماتيكيا مبالغ به للحصول على كمية أكبر من أعداد الداعمين نفسيا والعطوفين والمحبين الالكترونين. مما يساعد أصحاب  النفوس المريضة بالظهور بغية الاصطياد بالماء العكر، معتبرة كل شكوى الكترونية بمثابة طعم لها، فتدخل البيوت من مشاعرها المحطمة دون استثناء  ذكرا أم انثى، لان الامراض النفسية لا تميز بين الجنسين، والاضطرابات العاطفية أصبحت بوجود هذا التلفون سريعة الظهور مع التعلق الذي يحصل بين المرسل والمتلقي ..

هل أثر التباعد الاسري على النسيج الاجتماعي؟

يتضح في ايامنا هذه التباعد الاسري، وعدم تجمع العائلة الكبيرة ببيت واحد بفترات متقاربة. حيث كان سابقا أهل الزوج يؤثرون على أولادهم في القيام بالعلاقات الاجتماعية وخصوصا العائلية بحيث كان الاولاد أحيانا يلبون طلب الأهل مجبرين إحتراما لهم، خلافا لايامنا هذه حيث أصبحت الزيارات العائلية نادرة جدا، او قصيرة بحجة العمل وضيق الوقت.

كما كانت المرأة تمضي اوقات فراغها مع اسرتها اذا غاب زوجها عن البيت كي لا تبقى وحدها دون تواصل مع أحد، عكس ما يحصل حاليا حيث تكتفي المرأة بالجلوس بالمنزل وحيدة للتواصل مع الآخرين عبر الهاتف والانترنت.

وفي السابق كنا نرى الاسرة تخرج أيام العطل الى الطبيعة او أماكن تمضي فيها اوقات مسلية مع بعضهم البعض، الا انه اصبح الان كل فرد من الاسرة له نشاطاته الخاصة. وظاهرة جديدة نلاحظها بجيل الهاتف الذي لا يملك هوية عمرية وهو دور الزوجة الذي أصبح جل طلبها هو الاهتمام برغباتها الشخصية التي تتباهى بها أمام محيطها وصديقاتها، وهذه الرغبات تراها من خلال مظاهر الحيوات لدى الافراد الذين يعرضونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والدليل على ذلك هي الحالات الاجتماعية المختلفة التي نسمع عنها أو نصادفها في حياتنا او في العمل، ومن خلال سماع القصص من الاشخاص عن تجاربهم.

هل هناك اشخاص يتربصون بالناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟

أصبح من السهل دخول الاشخاص من كل العالم وكل الاعمار الى منازل الاخرين بما يحملون من عقد نفسية واضطرابات شخصية وسلوكية عبر الهاتف، والتواصل مع الصغير والكبير والجاهل والمتعلم، والام والاب ….

فهناك اشخاص يتربصون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالناس، ويعرضون مظاهر المناسبات الخاصة والمنازل والمحلات وعرض الاكل، والملبس، وغرف النوم.. لينقضّون على الفريسة الاسهل والاضعف ويبتزونها ويستغلون مشاعرها، فتدمرها نفسيا ومعنويا وممكن تقضي على حياتها ….

وهناك نوع آخر يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي ويؤثر على الأسرة كافة وسلوكها ومبادئها وأخص بالذكر الاطفال وأصحاب النفوس الضعيفة، هي الناس التي استغلت هذه الوسائل من أجل الربح الوفير والسريع والذي لا يحتاج عناء فكريا او جسدياً، كل ما يحتاجه هو التخلي عن مبادئ الحشمة وعرض يوميات حياتها باسلوب شبه اباحي مع عرض قصص سخيفة وحلول لمشاكلهم بطريقة سوقية غير مهذبة.

أين السلطة وأين الرقابة المنزلية من هذا الامر ؟

السؤال الأهم من هو صاحب السلطة بالبيت على الاولاد هل هو الأب أم الأم ومن هو الرقيب على سلوكيات الزوج والزوجة في استخدام عالم الانترنت؟

ان الشبكة العنقودية، شبكت بشكل عنقودي الحياة الأسرية، وقيدت السلوكيات والافكار ضمن مبادئها ومعاييرها، فضعفت الارادة الذاتية، وابتعد الشخص عن المراقبة الاخلاقية، استسهل الحرام، وتجرأ على المحظور، وتخطى عاداته وتقاليده باسم الحرية، وكسر قيود العفة واستهون دخول البيوت، في عالم الانترنت عاد البعض الى طبيعة الغابة، وظهرت انيابه، فما عاد يرى سوى غاياته التي خلقت بفضل كثرة المشاهدة لنفس المفاهيم المتكررة ولو تغير الشكل.

اخيرا نتساءل دائما ما هو الحل،  ومن ينقذ الاسرة وأفرادها والاجيال القادمة من هذه الشباك؟