المدينة التي قدمت التضحيات الكبرى...

نابلس معقل المقاومة وعرينها

أعلنت تجربة "عرين الأسود"، أنها نواة المقاومة الموحدة، بعد أن أُسقطت كل الرايات، لمصلحة راية واحدة.

2022-10-31

احتلت مدينة نابلس على امتداد تاريخها مكانةً هامة ومركزاً متقدماً للحركة السياسية الوطنية الفلسطينية، حيث لعبت المدينة دوراً قيادياً رائداً على امتداد سنوات النضال الوطني الفلسطيني. فهي نابلس(جبل النار)- المدينة الكنعانية العربية التي تعود تاريخياً إلى 5600 سنة والتي تستحق هذا الوصف بجدارة تقديراً لتضحياتها الكبيرة التي قدمتها على مدى التاريخ الفلسطيني. وهي المدينة الفلسطينية التي قدمت التضحيات الأكبر من بين المدن الفلسطينية في أعداد الشهداء الجرحى والأسرى.

نابلس… الموقع والتاريخ

=================

تقع مدينة نابلس على بعد 63 كم شمال مدينة القدس وتتربع بين أحضان جبلي عيبال وجرزيم وتعتبر بلدتها القديمة من أقدم وأعرق البلدات في بلاد الشام فهي إحدى البلدات التاريخية المهمة والتي تعود في تاريخها إلى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد حيث أسستها القبائل الكنعانية فوق تلٍ كبير يدعى تل بلاطة إلى الشرق من مركز نابلس الحالية وقد دعيت في ذلك الوقت بإسم “شكيم” وهي تسمية كنعانية تعني المكان المرتفع في سنة 1550 قبل الميلاد.

وهي تُعد من أقدم بلدات ومدن التاريخ، ووريثة الحضارات الكنعانية، واليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية ومعقل الثورات والثائرين ضد الغزاة والمستعمرين، وآخرهم الانتداب البريطاني ومن بعده الاحتلال الاسرائيلي، الذي لا يزال جاثماً فوق تراب البلدة وفلسطين حتى اليوم.

بدايات المقاومة

=====================

بعد احتلال نابلس عام 1967، تحولت البلدة القديمة إلى مركز للأنشطة المناهضة للإحتلال، ومنها خرجت خلايا مقاومة، وفيها ارتقى شهداء، أولهّم الشهيدة شادية أبو غزالة (19 عاماً) بعد انفجار عبوة ناسفة بمنزلها، حيث كانت تعدها لتفجيرها بمدينة تل أبيب بتاريخ 27 تشرين ثاني من العام 1968 لتكون أول شهيدة في فلسطين بعد احتلال عام 1967.

أمّا العام 1974  فقد شهد هبّة فلسطينية بالضفة الغربية تخللتها مظاهرات انطلقت رفضاً لإقامة مستوطنات شمال نابلس، وتلتها انتفاضة عام 1976 واستشهاد لينا النابلسي وآخرين. وتميّزت نابلس حينها بعنفوانها وكسر أهلها للعزل الذي فرضه الاحتلال على بلدتها القديمة عبر بوابات حديدية وإسمنتية.

ومع بداية اندلاع الانتفاضة الأولى بتاريخ 12 ايلول 1987، أصبحت بلدة نابلس القديمة، بؤرة النضال والنشاط الوطني المقاوم، فمنها تنطلق المسيرات وإليها تعود، وفيها تُعقد الاجتماعات وتُتخذ القرارات، وفي مراكزها الطبية يداوى الجرحى ويُطبب المرضى، وفي وقتٍ لاحق أيضاً تشكلت وانطلقت فيها، مجموعات المقاومة التي أخذت على عاتقها مواجهة الاحتلال وملاحقة عملائه وتصفيتهم، مما أدى إلى تعرضها للإغلاق بأوامر الاحتلال وفرض منع التجول لعدة أسابيع.

واستمر النضال في المدينة وذلك بسبب استمرار ممارسات العدو القمعية في حق أبناء الشعب الفلسطيني، فاندلعت الانتفاضة الثانية في عام 2000 وفيها تحولت بلدة نابلس إلى كابوس حقيقي للاحتلال وباتت مرة أخرى الحاضنة الرئيسية للمجموعات المقاومة ككتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة “فتح”، وكتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة ” حماس”، وسرايا القدس الجناح المسلح “للجهاد الإسلامي” وغيرها من مجموعات المقاومة، وبدأت هذه المجموعات بتنفيذ الهجمات المسلحة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين وتم تنفيذ عمليات نوعية داخل المستوطنات، التي هجرها سكانها خوفاً من رصاص المقاومة، وشكّلت نابلس بين عامي 2001 و2002 تحديداً منبعا” للعمليات الاستشهادية وحاضنةً لقيادات المقاومة السياسية والعسكرية، وهو ما عرَّضها وبلدتها القديمة لاجتياحٍ كبير وحصار شديد كلّفها العشرات من الشهداء. إذ قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بيوت ومختلف مباني البلدة القديمة في اجتياح نيسان 2002 بصواريخ طائراتها الحربية الأف16 والأباتشي، واستخدمت الجرافات الضخمة في هدم المنازل للدخول إلى الأحواش وكذلك استخدمت المتفجرات لنسف المنازل أو اقتحامها إما بتفجير الأبواب أو باختراق الجدران للانتقال من منزلٍ إلى آخر وقد تكررت عمليات دخول الجرافات وهدم المنازل واستخدام المتفجرات واختراق الجدران في عشرات الاجتياحات اللاحقة.

بعد انتهاء انتفاضة الأقصى، بدأ المستوطنون بمهاجمة المدينة وسكانها، ومضايقة السكان بشتى الطرق عبر منعهم من حصد محاصيلهم  الزراعية من قمحٍ وزيتون وغيره، أو حرق منازلهم كما حصل مع شهداء عائلة الدوابشة، فيّما بات اقتحام “قبر يوسف” في عمق مدينة نابلس أمراً يومياً بهدف استفزاز أهل المدينة.

هذا الظلم والاستفزاز، قاد مجوعة من الشبان اليافعين في بلدة نابلس القديمة، إلى ميدان المقاومة مجدداً، فظهرت مجموعة “عرين الأسود” التي نفذت عمليات نوعية ضد الإحتلال واكتسبت دعماً شعبياً جارفاً كونها شكلت حالة وحدوية فريدة في النضال الوطني الفلسطيني، وكانت رسالتها الوحدة الطريق الوحيد للانتصار.

من هي “عرين الأسود” ؟

=============================

اختار ثلة من شبان مدينة نابلس لأنفسهم طريقًا مغايرًا تمامًا، امتشقوا فيه السلاح وشقّوا طريقاً يهابه كثيرون. فرغم صغر سنّهم، وقلة خبرتهم في العمل العسكري والتنظيمي المحكم إلى جانب معضلات الواقع المحاصر من الاحتلال، أصرّ شباب نابلس على مواصلة الدرب. وتعاهدوا على تصويب أسلحتهم ضد الاحتلال فقط، لتنصهر بينهم انقسامات الواقع السياسي، مشكلين حالة ثورية قلّ مثيلها في الواقع الفلسطيني، كما تقول وكالة “سند” الفلسطينية للأنباء.

وتتكون المجموعة من شريحة الشباب الذين كانوا أطفالاً أو ولدوا قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وعايشوا في صغرهم إعادة احتلال الدبابات الإسرائيلية مدن الضفة الغربية وعمليات الاغتيال والاعتقال، وذلك بالتزامن مع ضعف الأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية، وعدم قدرتها على تحصيل أي من الحقوق الفلسطينية، ما زاد من قناعتهم بفكرة مقاومة الاحتلال والالتفاف حول المقاومين.

أهداف العرين ونهجه

===================

تتلخص أهدافه بتأكيده السير قدماً على نهج المقاومة وعدم ترك البندقية تحت أي ظرف وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط، وأنّ هذه البندقية لن تطلق رصاصةً بالهواء، وغير ذلك يُعد خروجاً عن الصف ولا يُمثله، كما أنه يرفع الغطاء ويدين كل من يستخدم إسمهم لمطالبة التجار بالمال بحجة دعم المقاومة. عسكرياً، عكست العمليات التي نفذها “العرين” نهجها الموحد الذي اعتمد على عناصر المبادرة والمباغتة للإحتلال بمواقعه العسكرية عند الحواجز ونقاط التماس المحيطة بمدينة نابلس، متخذاً من الليل ستراً له ولعمله المقاوم والمنظم، إضافةً للسرية التامة وعدم الظهور والاستعراض المتكرر بين الناس.

التفاف جماهيري حول “العرين”

=========================

تحظى “العرين” التي لا يوجد فيها أي تنظيم هرمي، بتأييد شعبي منقطع النظير، حيث باتت فكرة أكثر منها مجموعة أشخاص، لا سيّما أنها وحدت كل الأحزاب والانتماءات السياسية الفلسطينية وتشكل هي و”كتيبة جنين” تهديداً واستفزازاً للاحتلال الذي لا يستطيع اقتحام نابلس وجنين في الضفة الغربية، دون مواجهته بإطلاق النار، بل إنّ الأمر تعدى انتظار المواجهة، للمبادرة بمهاجمة حواجز الاحتلال والمستوطنات المحيطة بالمدينتين بإطلاق النار بشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ انتفاضة الأقصى الثانية.

ولأول مرة منذ أكثر من ستة عشر عاماً، تخرج مجموعة مقاومة في مدينة نابلس بشكلٍ جماعي وليس فردياً، تؤرق الاحتلال، وتمنع المستوطنين من الصلاة في “قبر يوسف”، وهي صلاة تتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وعادةً ما يقوم جنود الاحتلال بتأمينها وسط إطلاق نار يوقع شهداء وجرحى في صفوف الفلسطينيين.

ختاماً أهم ما أعلنت عنه تجربة “عرين الأسود”، أنها نواة المقاومة الموحدة، بعد أن أُسقطت كل الرايات، لمصلحة راية واحدة، وأسقطت كل الأيديولوجيات، لمصلحة رؤية موحدة، فمعظم من في المجموعة أعضاء سابقون في الفصائل الفلسطينية، اختاروا العمل الموحد، وحددوا الهدف، وشخصوا العدو، فكان لهم حاضنة شعبية في عموم البلاد، وفي المنافي والشتات.

الوفاق/ خاص

 

الاخبار ذات الصلة