مريم السبلاني
تجاوز عدد ضحايا الزلزال في سوريا الـ 810، فيما وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 2200، في حصيلة مرشّحة للارتفاع خلال الساعات القليلة القادمة. اذ ان الناجين الذين لم يبلغهم الموت، إما عالقون تحت الأنقاض، دون أن تصل إليهم فرق الإنقاذ، بعد مضي أكثر من 32 ساعة، أو جرحى قد استطاعوا الإفلات من وابل الصخور، ليجدوا “قيْصر” جاثماً على صدورهم، قد هيّأ لهم أسباب الموت، مانعاً مختلف المساعدات الدولية من الوصول إلى دمشق، ومُعمّقاً حجم الكارثة التي أتت بعد أكثر من 11 عاماً من الحرب.
كشف الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا، بقوة 7.8 درجات، حجم المأساة التي تستوطن مختلف المحافظات السورية، التي وان تخلّصت من سطوة تنظيم داعش الإرهابي، إلا انها لا تزال ترزح تحت نير الحصار المفروض عليها، والذي يجعل من الأزمات التي خلّفتها الحرب، أكثر عمقاً وتعقيداً.
ويقول الدكتور والمحلل السياسي، أحمد الدرزي، في حديث خاص لموقع “الخنـادق”، ان “العقوبات الجائرة المفروضة على سوريا، أنتجت أزمة على مختلف المستويات، وجعلت من عمليات الإنقاذ أكثر صعوبة”. ويضيف بأن “الموضوع لا يتعلق فقط بقانون “قيصر”، بل يتعلق أيضاً بـ “قانون الكابتاغون” الذي يعمل على حصار سوريا بشكل مباشر عبر دول الحدود. حيث تم رصد 400 مليون دولار سنوياً، أقرت ضمن ملحق تشريعي لقانون موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2023، تصرف على خنق الحدود السورية ومنع تنفسها بأي شكل من الاشكال، تحت ذريعة ضبط التهريب”.
وعمّا تحتاجه عمليات الإنقاذ بشكل فوري، يؤكد، د. الدرزي، ان دمشق بحاجة لمختلف أنواع الدعم، فهناك احتياجات طاقاوية -التغذية الكهربائية لا تتعدّى الساعتين يومياً-، ما تبقى من آليات الحفر والرافعات هي إما متهالكة او قليلة العدد، فرق انقاذ خبيرة بالتعاطي مع هذا النوع من الكوارث، المستلزمات الطبية الأساسية والأدوية، المساعدات الغذائية ومراكز الايواء للعائلات التي نجت وفقدت منازلها.
“قانون قيصر”: سمسار الموت الأميركي
دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو عام 2020. ويفرض بموجب هذا القانون، عقوبات جديدة على أي جهة تتعامل مع الدولة السورية أو تقدّم لها التمويل، أيّاً كانت أشكاله، وفي مجالات عدة، خاصة تلك التي تتعلق بمشاريع البناء والهندسة، وصناعة الطاقة، وقطاع النقل الجوي. وهذا يعني أن هناك 3 قطاعات اقتصادية أساسية ستكون تحت تهديد عقوبات البنك الفيدرالي الأميركي، وهي التجارة الخارجية عبر منع توريد ما تحتاج إليه المؤسسات السورية، من تجهيزات وقطع غيار. إضافة للاستثمار المحلي أو الأجنبي المشترك أو الداعم لسوريا خاصة مجالات البناء والهندسة والطاقة والقطاعات المتعلقة بالتمويل والذي يشمل القروض والمساعدات والحوالات المالية.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن هذه العقوبات المالية هي بمستوى عال من الخطورة. فبالتوازي مع محاولات تجفيف كل الحوالات المالية الخارجية، تسعى الإدارة الأميركية إلى منع وصول أي مساعدات مالية أو قروض، وإلى تقييد عمل المؤسسات المصرفية الرسمية، بما في ذلك قدرتها على تمويل المستوردات ومنح التسهيلات الائتمانية.
وفي الوقت الذي يرقد فيه المئات تحت الأنقاض، مع عدم القدرة على تأمين الفرق والمعدات الكافية لعمليات الإنقاذ، وآلاف من الجرحى على أبواب المستشفيات السورية، تعرب واشنطن عن “تضامنها” مع الشعب السوري، دون ان تقدم على أي خطوة جدية لرفع الحصار.
ويقول د. الدرزي، في هذا الصدد، ان الدول الغربية “ليست جمعيات وهي تتعاطى مع الملف السوري ضمن الأجندة السياسية الموضوعة ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد لضمان أمن إسرائيل. وما لم يحصل على هذا الأمر، فكل ما ترسله من مساعدات لا ينسجم مع احتياجات السوريين وهنا الفرق بين تعاطي هذه الدول مع سوريا وتركيا”. ويضيف ان “هذه الدول تراهن على استمرار تركيا ضمن حلف الناتو وينتظرون الانتخابات الرئاسية القادمة لتثبت الوضع التركي ضمن التحالف الغربي”.