يرغب الشباب بشكل طبيعي في التمتّع بالاستقلال والحريّة في شؤونهم الخاصّة، ويعتبرون ذلك من أقصر الطّرق إلى توكيد الذّات، وإثبات الشخصيّة، والشعور بالوصول إلى مرحلة الشباب، وتجاوز حالة الاعتماد والانقياد للعائلة والأسرة.
ومن المظاهر التي تبرز على جيل الشّباب لتحقيق الاستقلال والتحرّر، الخروج على الآداب والعادات والتقاليد الموروثة من الأجيال السابقة، وعدم طاعة الأوامر والنّواهي الصّادرة عن الوالدين أو المربين، والظهور بمظهر الكبار، واستخدام الخشونة والقوّة للحصول على الرغبات والحاجات، وممارسة العناد تجاه الأشياء المختلف عليها… إلى غير ذلك من المظاهر التي تظهر بوضوح على المراهقين والشباب، للتعبير عن الرغبة في الاستقلال والتحرر من كل القيود والضوابط العائلية والاجتماعية.
والرغبة في الاستقلال عن العائلة قد يكون إيجابياً، فيما إذا كان يساعد على اعتماد الشاب على ذاته، وفي تنمية الثقة بنفسه، وتوكيد شخصيّته، وقد يكون سلبياً؛ فيما إذا كان مظهراً من مظاهر الغرور والعُجب الزائد بالذات، وعدم احترام الوالدين أو المربين والمعلمين، وعدم الاهتمام بالآخرين، والتمرّد على كلّ القيم والضوابط الاجتماعيّة والأخلاقيّة. كما أن النزوع إلى التحرّر والحرية قد يكون مفيداً إذا كان منطلقاً من الحريّة الموجّهة وليس المطلقة، بحيث يساهم التحرّر من القيود الخاطئة في تنمية الإبداع والابتكار عند الشّباب الطّموح، وتنمي البناء العلمي والثقافي والفكري؛ كما أنّ الحريّة في إطار الضوابط تساهم في تنمية الشخصية الإنسانية للشباب.
أما إذا كانت الرغبة في التحرر والحرية تعني الحرية المطلقة من دون أية قيود وضوابط، فلا شك أن مثل هذه الحرية لها مخاطر وآثار سلبية وتدميرية للأفراد والمجتمعات.
من الميول الحادة التي تستيقظ بشدّة عند الشباب لدى بلوغهم هذه المرحلة، وتجذبهم وتسلب ألبابهم، هي رغبة الحرية، وأية حرية؟ ليست الحرية المعتدلة المعقولة، بل الحريّة المتطرفة والحادة.
الشاب وبطبعه، يريد الحرية المطلقة بلا أيّ قيد أو شرط، وفي رأيه أنّ الحديث عن العقل والمنطق، وعن القانون والضابطة، وعن المصلحة والحدود، هو أمر لا قيمة له. والشّيء الذي يرغب به الشابّ ويطلبه حثيثاً باندفاع وشوق؛ الإشباع الحرّ، والالتذاذ المطلق في نيل الرغبات النفسيّة، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا بالحريّة اللا محدودة والمطلقة، لهذا قيل إن الشباب مرحلة الإفراط، والكهولة مرحلة الاعتدال، والشيخوخة مرحلة الالتزام”.
وإذا كان الكبت والخشونة والقوة من الأساليب التربوية الخاطئة في التعامل مع الأولاد والأبناء (جيل الشباب)، فإن من الخطأ أيضاً إطلاق العنان للأولاد باسم الحريّة، لأن مثل هذه الحرية المطلقة تعني الفوضى والوقوع في الرّذائل والموبقات، والأنكى أن تقع مثل هذه الأعمال تحت مسمّى الحرية، واستقلال الشخصية، والتعبير عن الذات!
والمطلوب تنمية الرغبة في الاستقلال والتحرر عند جيل الشباب، ولكن ضمن الضوابط والقيود الشرعية والأخلاقية والاجتماعية. كما أن من الضروري ترشيد توجّهات الشباب، بحيث تكون باتجاه الحقّ والخير والصّلاح، وأن يكون مفهوم الاستقلال والتحرّر عند الشّباب يعني الاعتماد على الذات، وبناء الشخصيّة، واستثمار المواهب والقدرات والإمكانات في البناء والعطاء والإنتاج، بما يعود بالنفع والفائدة على الأفراد، وكذلك على المجتمع ومسيرة الأمّة نحو التقدّم والتطوّر والتحضّر.
ومن المهم للآباء تفهم متطلّبات الشباب وفقاً لمتغيرات العصر، وإعطاء المزيد من الاستقلالية والحرية للشباب في شؤونهم الخاصّة والعامّة، وخصوصاً مع ظهور الصلاح والاستقامة في مسيرتهم الحياتية مع الترشيد، والمراقبة الواعية، وتقديم النصح والإرشاد، والبعد عن أساليب الخشونة والمعاملة القاسية معهم.
وكثيراً ما يؤدّي عدم تفهم جيل الآباء إلى متغيّرات الزمان، ومتطلبات الأولاد، وضرورات الحياة المعاصرة، إلى الصّراع والنزاع بين الأولاد والآباء، ولذلك نجد في المجتمع تزايد حالة الصّدام والقطيعة بين أفراد العائلة الواحدة؛ بين الأبناء وآبائهم، والفتيات وأمهاتهنّ.
وغالباً ما يكون السبب هو الخلاف في الرّؤية والنظرة إلى الأمور والأشياء. وقد يكون الخطأ من الأولاد (الشباب) أو الآباء (الشيوخ) أو من كليهما معاً.
ولمعالجة تلك المشكلة، يجب أن يتفهّم كلّ جيل متطلبات ورؤى الجيل الآخر، حتى لا يقع التصادم والتقاطع، وحتى يحلّ الاحترام والتقدير محلّ النزاع والصراع.