ولا تقتصر أهمية هرمزغان على موقعها الجغرافي فقط، بل تمتد إلى تاريخ طويل من التفاعلات الاقتصادية والبحرية والثقافية. فالوثائق التاريخية تؤكد أن ازدهار هذه المنطقة بدأ منذ عهد الإمبراطورية الأخمينية، وكان وصولها إلى المياه المفتوحة سبباً رئيسياً في رخائها وأهميتها عبر كل العصور.
تبلغ مساحة هرمزغان أكثر من 68 ألف كيلومتر مربع، مما يجعلها ثامن أوسع محافظة في إيران. تحدّها من الشمال محافظة كرمان، ومن الغرب فارس وبوشهر، ومن الشرق سيستان وبلوشستان، بينما يمتد شريطها الساحلي في الجنوب لأكثر من ألف كيلومتر مطلاً على بحر عُمان والخليج الفارسي.
ويعود جزء كبير من الأهمية الجغرافية للمحافظة إلى مضيق هرمز؛ ذلك الممر المائي الذي يبلغ طوله 187 كيلومتراً وعمقُه بين 26 و180 متراً، ويُعدّ أحد أهم ممرات نقل النفط والبضائع في العالم.
ودور هذا المضيق في أمن الطاقة العالمي بالغ الحيوية لدرجة أن كثيراً من الدول تربط نموها الاقتصادي، بل وحتى أمنها السياسي، باستقرار هذا الشريان الحيوي.
جزر هرمزغان.. محركات صغيرة؛ لكنها استراتيجية للاقتصاد
تُعدّ هرمزغان محافظة غنية بالجزر؛ فمن بين جزرها قشم، كيش، هنغام، هرمز، لارك، أبوموسى، لافان، هندورابي، فارور الصغرى والكبرى، وتنب الصغرى والكبرى، وهذه ليست سوى جزء من جزر المحافظة.
وتمتلك كل جزيرة من هذه الجزر إمكانات مميزة في مجالات السياحة، والتجارة، والنقل البحري، والاقتصاد الوطني.
وتلعب جزيرتا كيش وقشم، بوصفهما منطقتين حرتين تجاريتين وسياحيتين، دوراً محورياً في جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص العمل.
أما جزيرة هنغام فتتميز بمقوماتها الطبيعية الخلابة، ولافان بإمكاناتها النفطية الهائلة، وهرمز بجمالها الجيولوجي الفريد الذي لا مثيل له، وكلها نماذج لتنوع الفرص الاقتصادية التي تزخر بها المحافظة.
الثروة السمكية وتربية الأحياء المائية.. كنز ثمين لاقتصاد المحافظة
رغم أن هرمزغان تُعرف بمناخها الحار والرطب وشبه الصحراوي في معظمه، إلا أن هذه الظروف بالذات توفر بيئة مثالية لإنتاج محاصيل استوائية مميزة. فمتوسط درجة الحرارة السنوية في المحافظة يبلغ نحو 27 درجة مئوية، وتبقى نسبة الرطوبة مرتفعة معظم أيام السنة، مع صيف طويل وأمطار محدودة جداً.
في مثل هذه الظروف، تنمو بنجاح محاصيل خاصة مثل اليوسفي الأسود، والتمور، وأنواع الخضروات، والأعلاف، وبعض الحمضيات.
ورغم التحديات التي يواجهها المزارعون مثل شح المياه والجفاف والآفات، فإن تطوير الزراعة الحديثة، واستخدام تقنيات الري الذكي، والتركيز على الصناعات التحويلية يمكن أن يحول الزراعة في هرمزغان إلى أحد مصادر الدخل المستدامة الرئيسية.
أما الشواطئ الطويلة والمياه الغنية في الخليج الفارسي وبحر عُمان فقد جعلت من هرمزغان واحدة من أهم مراكز صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية في إيران. فتربية الجمبري (الروبيان)، وأسماك الحفش، والأسماك البحرية، والمحار والأصداف تُعدّ من القطاعات الأكثر ازدهاراً في المحافظة.
وتُشكّل موانئ لنغة وجاسك وقشم أبرز مناطق الصيد وتربية الأحياء المائية، ويعمل في هذا القطاع آلاف الأشخاص. ويمكن أن يرفع إنشاء بنى تحتية مثل سلسلة التبريد، وصناعات التنظيف والتغليف، وتوسيع الأسواق التصديرية مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد الوطني إلى مستويات أعلى بكثير.
النقل البحري.. القلب النابض لاقتصاد هرمزغان
وفقاً لتقرير مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، يتم أكثر من 5/56% من إجمالي النقل المائي في إيران عبر موانئ محافظة هرمزغان، وهو رقم يرسخ مكانة المحافظة كمركز التجارة البحرية الأول في البلاد.
وتوجد في المحافظة موانئ رئيسية مثل ميناء الشهيد رجائي، ميناء الشهيد باهنر، ميناء لنغة، جاسك، وهرمز، حيث تشكّل معاً شبكة مستمرة ودون توقف لدخول وخروج البضائع.
وترتبط هذه الموانئ مباشرة بعشرات الخطوط الملاحية الدولية، وتلعب دوراً حيوياً في التصدير والاستيراد وعمليات الترانزيت.
إلى جانب النقل البحري، يشهد النقل البري في هرمزغان ازدهاراً كبيراً أيضاً؛ فكل يوم تنطلق مئات الشاحنات الحاويات والمقطورات والمركبات الثقيلة وشبه الثقيلة لنقل أحمال تتراوح بين 2 و32 طناً، بل وحتى الأحمال الاستثنائية التي تصل إلى 50 طناً. وهذا الحجم الهائل من الحركة يؤكد أن هرمزغان أحد الشرايين اللوجستية الرئيسية لإيران.
الصناعات البحرية.. الحلقة الأساسية في سلسلة التجارة
بما أن النقل البحري يشكّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فإن تطوير صناعة بناء السفن، وإصلاح الوحدات البحرية، وإنتاج المعدات والتجهيزات البحرية يأتي في صدارة الأولويات.
وتمتلك محافظة هرمزغان كل المقومات لتحول نفسها إلى القطب الرئيسي للصناعات البحرية في إيران، وهذا الهدف قابل للتحقيق تماماً عبر استثمارات القطاع الخاص مدعومة بسياسات حكومية تشجيعية.
إنتاج السفن السياحية والسفن التجارية وسفن الصيد، إلى جانب تقديم خدمات صيانة وإصلاح السفن، لا يسهم فقط في خلق آلاف فرص العمل المباشرة والمستدامة، بل يمنع أيضاً تسرب مئات الملايين من العملة الصعبة إلى الخارج، ويضمن تلبية احتياجات الموانئ الإيرانية من المنتج المحلي عالي الجودة.
بفضل موقعها الاستراتيجي، وشواطئها الطويلة، وجزرها العديدة، وإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، تستطيع هرمزغان أن تلعب دوراً محورياً في مستقبل الاقتصاد الإيراني. فهي ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل بوابة إيران نحو التجارة العالمية، ومركز إنتاج المنتجات الاستوائية المميزة، وقلب الصناعات البحرية، وشريان النقل المائي للبلاد.
إذا وُضِع الاستثمار الموجّه والدعم الحقيقي للقطاع الخاص وتطوير البنى التحتية في صدارة الأولويات، فإن هرمزغان قادرة على أن تصبح أحد أقوى وأكثر الأقطاب الاقتصادية تأثيراً في إيران، وهو المكان الذي تستحقه تماماً، وستكون النتيجة مستقبلاً أكثر إشراقاً وازدهاراً لأهلها.