قمر «طلوع 3» الاستشعاري على أهبّة الإطلاق

جيل جديد من العيون الإيرانية فائقة الدقة في الفضاء

الوفاق/ بدأ العدّ التنازلي لإطلاق أحدث الإنجازات الفضائية الإيرانية إلى المدار، ويتصدّر القائمة اسم القمر الاستشعاري عالي الدقة «طلوع 3» المعروف أيضاً باسم "بايا"، والذي يجذب اهتمام الخبراء أكثر من غيره. وفيما يتسارع العدّ التنازلي لسلسلة الإطلاقات الفضائية الإيرانية المقبلة، تتردد أسماء ثلاثة أقمار صناعية بشكل لافت: «ظفر 2» و«كوثر» و«طلوع 3».

ويبرز «طلوع 3» كأثقل وأكثر الأقمار تقدماً في هذه المجموعة، ليُشكّل رمزاً جديداً لنضج التكنولوجيا الفضائية في صناعات الإلكترونيك الإيرانية “صا إيران”، ودليلاً قاطعاً على قدرة إيران على تصميم وتصنيع أقمار استشعار فائقة الدقة محلياً بالكامل.

 

 «طلوع 3» نقلة نوعية في برنامج الأقمار الإيرانية

 

يُعدّ القمر الصناعي «بايا» أو «طلوع 3» أول قمر استشعاري إيراني كامل الجاهزية التشغيلية، صُمِّم وبُني بالكامل من قِبل صناعات الإلكترونيك الإيرانية “صا إيران” بتكليف من منظمة الفضاء الإيرانية، وقد أنهى بنجاح جميع الاختبارات الأرضية والمختبرية.

 

وبوزن يقارب 150 كيلوغراماً، يتربّع «طلوع 3» على عرش أثقل قمر استشعاري وطني إيراني حتى اليوم، وسيُوضَع في مدار أرضي منخفض LEO على ارتفاع 500 كيلومتر، مما يجعله قادراً على تقديم صور بدقة فائقة وتغطية واسعة تخدم الأغراض المدنية والتنموية والبيئية بمستوى غير مسبوق في تاريخ البرنامج الفضائي الإيراني.

 

 دقة تصوير تقلب الموازين

 

– تصوير أحادي الطيف (أبيض وأسود): دقة 5 أمتار

 

– تصوير متعدد الأطياف (ملون): دقة 10 أمتار

 

هذه الأرقام تمثل قفزة نوعية هائلة مقارنة بالأجيال السابقة، وتُدخل إيران رسمياً نادي الدول التي تمتلك أقماراً صناعية قادرة على توفير صور فضائية بمستوى دقة تجاري عالٍ.

 

 الميزة الاستراتيجية لـ«طلوع 3»

 

أبرز نقاط القوة في القمر «طلوع 3» هو تجهيزه بمنظومات دفع فضائية وطنية بالكامل، تتيح له:

 

– تصحيح المدار تلقائياً عند الحاجة

 

– تنفيذ مناورات مدارية دقيقة لتصوير أهداف محددة

 

– إطالة العمر التشغيلي لسنوات إضافية

 

– ضمان توجيه الكاميرات نحو الأرض بدقة متناهية

 

أكثر من 80% من مكونات القمر وأنظمته الفرعية، بما في ذلك الحساسات ومنظومات الدفع، صُنعت وطُورت محلياً داخل إيران، مما يؤكد الاكتفاء الذاتي التكنولوجي العالي لهذا المشروع الوطني.

 

 «طلوع 3» عيون إيران اليقظة في الفضاء

 

الصور التي سيرسلها القمر «طلوع 3» ليست مجرد إنجاز تقني، بل تمثل رافداً معلوماتياً حيوياً لإدارة البلاد بكفاءة عالية، ومن أبرز تطبيقاته:

 

-الزراعة الدقيقة: تقدير مساحات المحاصيل الاستراتيجية (القمح والأرز) ورصد صحة الحقول بدقة.

 

-إدارة الموارد المائية: مراقبة التغيرات في الأهوار والبحيرات ومكافحة الجفاف.

 

-إدارة الأزمات: توفير صور فورية عالية الدقة للمناطق المتضررة من الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات لتسريع عمليات الإغاثة الذكية.

 

-رسم الخرائط: تحديث الخرائط الحضرية والطوبوغرافية باستمرار.

 

باختصار، «طلوع 3» هو العين الفضائية الإيرانية التي ستعمل على مدار الساعة لحماية الأمن الغذائي والبيئي والتنموي للوطن.

 

 رحلة «طلوع».. من حلم 25 متراً إلى واقع 5 أمتار

 

لنستوعب حجم الإنجاز في «طلوع 3»، لابد من استعراض المسار الملحمي لعائلة أقمار «طلوع»:

 

– «طلوع 1» وبداية الحلم (2015-2017)

 

انطلق مشروع «طلوع» مطلع العقد الماضي. وفي عام 2015 أعلن الدكتور منوجهر منطقي، رئيس المركز الوطني للفضاء آنذاك، توقيع عقد تصنيع «طلوع 1» بدقة تصوير مستهدفة 25 متراً. وتم إطلاقه في أغسطس 2017 عبر الصاروخ الحامل «سيمرغ»، لكنه لم يصل إلى المدار المطلوب. ورغم ذلك، شكّلت الدروس المستفادة من تلك التجربة وتطوير البنى التحتية أساساً متيناً للأجيال اللاحقة.

 

– «طلوع 3» ولادة العنقاء من الرماد

 

لم يستسلم متخصصو صناعات الإلكترونيك الإيرانية “صا إيران”، بل حققوا قفزة تكنولوجية مذهلة، فتجاوزوا هدف الـ25 متراً ووصلوا إلى دقة 5 أمتار فقط في «طلوع 3». وتم الكشف عن النموذج الطائر في يوم تكنولوجيا الفضاء الوطني عام 2023، وتسلّم رسمياً إلى منظمة الفضاء الإيرانية في سبتمبر 2023.

 

– «طلوع 4» المستقبل بدأ الآن

 

أعلن الدكتور حسن سالاريه، رئيس منظمة الفضاء الإيرانية، أن تصميم وبناء «طلوع 4» بات في جدول الأعمال، ومن المتوقع أن يحمل الجيل الرابع دقة تصوير أعلى وإمكانيات اتصال وتحكم أكثر تطوراً من سابقه.

 

 هل يحمل «طلوع» المستقبلي رادار SAR؟

 

من أكثر المواضيع إثارة حول سلسلة أقمار «طلوع/ بايا» هو إمكانية تزويدها برادار الفتحة الاصطناعية SAR. بينما تعتمد الكاميرات البصرية على ضوء الشمس وسماء صافية، يعمل رادار SAR بإرسال موجات راديوية، فيصوّر الأرض ليلاً ونهاراً، ومن خلف الغيوم والغبار والدخان بدقة عالية.

 

رغم أن المهمة الرئيسية لـ«طلوع 3» هي التصوير البصري فائق الدقة، فإن منصته المعيارية وأجياله اللاحقة خاصة “طلوع 4” تمتلك القدرة الكاملة على حمل حمولة رادار SAR، مما سيمنح إيران قدرة مراقبة في كل الأحوال الجوية وفي كل الأوقات، وقد أثبتت إيران جاهزيتها لهذه الخطوة بالفعل.

 

معهد ميكانيكا معهد أبحاث الفضاء الإيراني صمّم وصنع أول رادار SAR محمول جواً محلياً بالكامل، ونجح في تصوير مناطق محددة بدقة عالية، وهو الآن في الخدمة التشغيلية.

 

ومع وضع «طلوع 3» إلى جانب «ظفر 2» و«كوثر» في المدار، ستكتمل حلقة البيانات المكانية الإيرانية، وستخطو إيران خطوة عملاقة نحو امتلاك كوكبة أقمار صناعية متكاملة (بصرية، زراعية، أمنية وإغاثية) وفق أهداف وثيقة الفضاء الوطنية.

 

المصدر: الوفاق