الوفاق/ ما هي الحياة الدنيا؟ يوم نأتي الى هذا العالم وفي يوم من الأيام نذهب عند الله تعالى، فهذه الفترة بين الميلاد والوفاة، فرصة قصيرة لكي نسجّل بصمتنا على هذه الأرض ونترك بين الآخرين أثرا ايجابيا .. هل نترك الباقيات الصالحات؟
نرى أن هناك بعض من البشر كأنهم ملائكة ولا يتعلقون بالأرض! عندما تنظر إليهم وإلى سلوكهم وأعمالهم، تحس بهدوء وإطمئنان عجيب كأنه ينبع من ذاتهم الإلهية الطيبة، والعجيب أن هؤلاء نفتقدهم بسرعة! كأنهم لا يستوعبون الأرض ويريدون الذهاب الى السماء بسرعة! ولكن خلال حياتهم يتركون آثاراً قيمة كثيرة، فمنهم الشهيد السيد مرتضى آويني، الذي سماه قائد الثورة الإسلامية “سيد شهداء أهل القلم”.
يصادف اليوم الأحد ذكرى استشهاد هذا الشهيد الكبير الذي له آثار وأعمال قيّمة كثيرة في مختلف المجالات السينما الوثائقية والكتب والبودكاست والجمل القصيرة، كان للشهيد آويني قلم وصوت رائع حيث كان يروي قصة الشهداء والحرب في وثائقية “رواية الفتح”، لا أنسى صوته الرائع الهادئ الذي منذ طفولتي خُلّد في روحي، حيث كان يقول: “ليس الموت نهاية الحياة”.
ترك الشهيد سيد مرتضى آويني آثارا قيّمة للمجتمع وبصماته وكتاباته أصبحت خالدة، ليس فقط في ايران، بل في جميع العالم، حتى تُرجمت كثير من آثاره إلى العربية، من الوثائقيات والبودكاست وكتبه، فاليوم كأنموذج نقدّم لكم نبذة عن الشهيد والكتب المترجمة الى العربية.
الشهيد سيد مرتضى آويني
ولد سيد مرتضى آويني في 23 سبتمبر 1947 في مدينة ري. وقد عرف بسيد شهداء أهل القلم فقد كان مخرج أفلام وثائقية و صحفي ثقافي. عُرفت مجموعته من الأفلام الوثائقية التلفزيونية عن الحرب الصدامية الإيرانية باسم “رواية فتح”.
أكمل آويني تعليمه الابتدائي والثانوي في مدن زنجان وكرمان وطهران. وتعلق بالشعر والفن منذ طفولته حيث كان يرسم ويكتب الشعر ويؤلف القصص والمقالات. تخرّج بدرجة الماجستير في الهندسة المعمارية من كلية الفنون الجميلة من جامعة طهران.
بدأ آويني بصناعة الأفلام في بداية انتصار الثورة الاسلامية في ايران من خلال إنتاج عدة مسلسلات، كما أنتج آويني ومساعدوه (مجموعة فتح الروائية) أفلام وثائقية عن الحرب، مثل: غزو الدم، الحقيقة، مدينة في السماء، وكانت مجموعة الأفلام الوثائقية التي تحمل عنوان “رواية الفتح” هي الأهم والتي استمرت دون انقطاع تقريبا حتى نهاية الحرب عام 1988.
كتبه
غلب على كتاباته موضوع الشهداء والجهاد. وإذا قسمنا انتاجه المكتوب بما فيه نصوص الأفلام والوثائقية فسيكون 20 % تقريباً للإمام الخميني (قدس) ونقْد الغرب ورواية عاشوراء والباقي في الجهاد والجبهة.
فقد نشر آويني كتب مثل غزوة الدم، بداية النهاية، الكنز السماوي، المرآة السحرية. كما أن لديه مجموعة مقالات سينمائية تحت عنوان المرآة السحرية وكتاب لمجموعة مقالات عن الثقافة والفن، ومقال شرح النور في تفسير قصائد الإمام الخميني (قدس). كما تعرّف على الفكر والأفكار الفلسفية الغربية، ونظريات المفكرين الغربيين، بالإضافة إلى كتابته مقالات نظرية حول طبيعة السينما ونقد السينما الإيرانية والعالمية، فقد نشر العديد من المقالات حول حقيقة الفن، الفن و التصوف، الفن الجديد بما في ذلك الروايات واللوحات والرسومات والمسرح والفن الديني والتقليدي والفن الثوري والأسس السياسية ومعتقدات النظام الإسلامي وولاية الفقيه وثقافة الثورة في مواجهة ثقافة عالمية واحدة و الغزو الثقافي الغربي والتغريب والتنوير والفكر والبحث في الحداثة وقضايا أخرى ومقالات عديدة، فنتطرق الى بعضها فيما يلي.
المعلم
كتاب “المعلم” للشهيد آويني نشرته دار المودة للترجمة والتحقيق والنشر في لبنان عام 2021 م، ويتضمن الكتاب أهم محطات حياة الشهيد السيد مرتضى آويني كما ويضم مقالات بقلم سيد شهداء أهل القلم، وهو اللّقب الذي أطلقه السيد القائد الخامنئي (حفظه الله) على الشهيد مرتضى آويني، بالإضافة إلى شهادات لشخصيات عايشته أو درست تجربته.
ذكر الجنة، ونوح الانسان في الفراق، الفن لغة غربة الإنسان، في فراق دار القرار. من هنا ترى الجميع يأنسون به، أكان ظهوره في الكلام، أم في اللحن، أم في الرّسم، أنس من قدم العالم. الفن لغة تخطي اللغات، ولغة اتحادها.
قصة الفتح
كتاب “قصة الفتح” للشهيد آويني من نشر دار المودة للترجمة والتحقيق والنشر بلبنان في عام 2018 م.
قصة الفتح نص يجمع بين القراءة التاريخية والفلسفة، وبين درامية الإنسان وطلائع العرفان الإسلامي، بين العبرة والعظة، والتأمل والتحليل، ويقف على حد هاوية بين دورة الأكوان ويوميات الأزمان.
أيهاً الأصحاب!
أسرِعوا فالقافلة في الطريق.
يقولون إن القافلة
لا تستقبل المذنِبين؟
نعم،
ليس للمذنِبين إلى القافلة
من طريق،
ولكنها تستقبل النادمين.
هذا الكتاب يصف قصة عاشوراء في جزءين أحداث عاشوراء من رجب 60 إلى محرم 61 موصوفة بإيجاز في الجزء الأول من هذا الكتاب. الغرض من وصف أحداث عاشوراء في هذا الجزء من الكتاب هو إلقاء نظرة على شخصيات حادثة كربلاء المقدسة والتغيرات والتطورات التي تحدث في ظروف كل منها.
في الجزء الثاني من الكتاب من وجهة نظر الراوي تمت مناقشة التحليل الروحي والروحي لهذه المغامرات. الراوي الذي يمثل بطريقة ما طريقة تفكير آويني، ينظر إلى حادثة كربلاء بنظرة صوفية ويحاول أن ينظر إلى ما وراء مظاهر القصة بعيون داخلية وبهذه الطريقة يأخذ القارئ معه ويظهر له مظهر من مظاهر الجنة على الأرض.
هذا الكتاب في عشرة فصول: “بداية الهجرة الكبرى” ، “الكوفة” ، “جدل العقل والمحبة” ، “قافلة الحب في رحلة التاريخ”، “كربلاء” ، “ناشئة الليل”، ” باب تمييز الشر من الخير ( كمال الحجة)”، و” غربال الدهر “، و” كوكب المعاناة”، و”منظار السر”. وسبق أن نشر آويني الفصلين السادس والتاسع من الكتاب في مجلتي “سورة” و “كتاب المقاومة”. يحتوي الفصل العاشر أيضاً على عدد من الملاحظات والمخطوطات المتناثرة للشهيد آويني.
في نص الكتاب، استخدم آويني العديد من الأحاديث والآيات القرآنية وذكر أحداثاً تاريخية مثل “يوم التروية”.
أن تحيا رجلا
كتاب “أن تحيا رجلا: مختارات من كتابات الشهيد السيد مرتضى آويني” كتاب آخر من إصدارات دار “لبيك” للنشر والتوزيع. الكتاب هو سرد دافئ عن الجبهة والحق والثورة بأسلوب وجداني كالهمس في أذن القارئ، قصير لكنه ممتع ومؤثر.
اعتمد الشهيد السيد مرتضى، تكرار بعض الجمل داخل النص نفسه، أو بين النصوص لغاية التأكيد، أو استخدام المعنى نفسه مع الحفاظ على العبارة نفسها. هذه العبارات تحولت إلى أقوال وجمل قصيرة تنتشر الآن في إيران في مناسبات كثيرة.
هذه الصفحات من كتاباته تعريفٌ بسيطٌ بجزء من أعماله التي يظهر فيها أسلوبه وفكره الخاصين؛ بحيث يعتبر أتباعه أنّه يصنع تغييراً حقيقياً في عالم أهل الإعلام والفن، وكذلك العاملين في أيٍّ من مجالات التبليغ والتأثير. “سَعِدَ أُوْلَٰئِكَ الَّذِينَ مَاتُوا رِجَالاً.إِعْلَمْ أَيُّها العَزِيزُ أنَّ الَّذينَ يَموتونَ رِجالاً هُمْ فَقَط الَّذينَ عاشوا رِجالاً”.
فهناك اقتباسات جميلة من الكتاب:
– المعاناة ساحة ظهور حقيقة الإنسان، أي تلك الذخائر المستورة التي تحول دون انصهاره في تنّور البلايا.
– إن البكاء تجلٍّ لشوقٍ لا متناهٍ يربط الروح بديار الخلد ولقاء الله. والدمع ماء الرحمة الذي يغسل كل الهموم من الصدور ويصل القلوب بعين الصفاء، فطرة العالم التوحيدية.
– جنود صاحب الزمان لا يُرعبهم شيء سوى ذنوبهم.
– إذا أفنى الإنسان نفسه في سبيل الله، سيظهر الله جليّاً في أعماله.
أين الكتّاب والأدباء والشّعراء من قلمٍ كهذا!؟ لا عجب في أنّ قائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي قد منح الشهيد آويني لقب “سيّد شهداء أهل القلم”.
هذا الكتاب، أنموذج عن أعمال الشهيد مرتضى آويني، كلمات مُزج فيها الإبداع مع نيّة الخلوص لوجه الله تعالى فصارت من نوع ملكوتيّ يخلّص قارءَه من بعض ثقله الترابي ويعرج به الهنيهة إلى عالم سماويّ، عالم أولئك الذين عاشوا رجالا فماتوا رجالاً.
التنمية وأسس الحضارة الغربية
كتاب “التنمية وأسس الحضارة الغربية؛ التقدم الاقتصادي أم التكامل الثقافي؟” للشهيد آويني من اصدار دار نشر مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في عام 2016 م.
يحاول هذا الكتاب نقد الأسس الفكرية التي تقوم عليها الحضارة الغربية المعاصرة، وبيان مواطن الاختلاف بين النموذج الإسلامي والنموذج الغربي، ومواطن الاختلاف بين النموذجين كثيرة، بحسب الكاتب مرتضى أويني، ولكنه يركز نقاشه على مستوى الأسس والمبادئ.
ويختار مجموعة من الموضوعات منها: الحضارة، التنمية، النظرة إلى الإنسان، ومحورية الإقتصاد.
الفنان الملتزم واستشهاده
إن الشهيد آويني كان من جملة الفنانين الملتزمين والقلائل الذين كانوا يتمتعون بقدرات علمية ومن ذوي التقوى، جاهد اعواماً طويلة في ترويج ونشر ثقافة الايثار والشهادة وقد خلـّد آثاراً ثقافية ذات قيمة كمجموعة ” رواية الفتح” التلفزيونية.
استشهد أويني في 9 ابريل من عام 1993 في قاطع فكة أثناء قيامه بفحص موقع لتصوير مجموعة جديدة من “رواية الفتح” والتي كانت تحمل عنوان “مدينة في السماء” و ذلك أثر انفجار لغم أرضي.
