رئيسة جميعة تاليا الخيرية في لبنان للوفاق

التكافل الاجتماعي نواة صلبة لمجتمع قوي متكامل

خاص الوفاق: الإسلام شرّع الأبواب لأكثر من وسيلة سواء أكانت عن طريق الأموال الشرعية في الزكاة والخمس والفدية والكفارة، وفي الأبواب المستحبة كالصدقات وغيرها

2023-04-19

الوفاق / خاص

سهامه مجلسي

ان الإسلام دين الإخاء والمودة والتكافل، القوي فيه يتكفل بالضعيف، والغني متكفل بالفقير، والقادر يعين غير القادرإن العطاء من الله وحده، يهب ما يشاء لمن يشاء، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولو شاء لجعل الجميع أغنياء، ولكنه سبحانه جعل في خلقه أغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء؛ ليبلو بعضهم ببعض، والجميع في موضع الاختبار من الله، الفقير في موضع الاختبار من الله أيصبر أم يجزع؟ والغني في موضع الاختبار من الله أيعطي أم يبخل.

ويساهم التكافل الاجتماعي في تنمية المجتمع من خلال تركيزه على تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين بشكلٍ فردي للحفاظ على المصلحة العامة، كما أنه يقرب أفراد المجتمع من بعضهم البعض، ويقلل من النزاعات، ويشجع الأفراد على مشاركة أوقاتهم الخاصة في مساعدة بعضهم البعض عند الحاجة، حتى يستفيدوا جميعاً على اختلاف أعمارهم وأجناسهم لكونهم جزءاً لا يتجزأ من نفس المجتمع، ويقوم التكافل الاجتماعي على مبدأ يؤمن بفردية الفرد وتميزه في شخصيته ولكن يعد كافة الأفراد في الوقت ذاته بشر سواسية في الحقوق الإنسانية وغيرها من الأمور الأخرى، والتكافل الاجتماعي ما هو إلا الوحدة التي تنبت من أساس المجتمعات ومعايره وأهدافه، ويعتمد نوع التكافل الذي يظهر في المجتمعات على نوع المجتمع وفي هذا الصدد لقد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع رانيا نسيب مقدم رئيسة جمعية تاليا الخيرية الإجتماعية في لبنان وفيما يلي نص الحوار:

ما هو مفهوم التكافل الإجتماعي

حرص الإسلام على أن يفتح الأبواب للناس لكي ينشطوا على مختلف المستويات في مساعدة بعضهم بعضاً، فحثَّ على مساعدة الفقير وكفالة اليتيم، وعلى إحتضان ابن السبيل والنظر في حاجاته، وجعل في أموال المستطيعين حقوقاً “للسائل والمحروم”، وأراد للصدقة أن تسير في الناس سيراً طبيعياً، ليكون كل هذا الاندفاع الإنساني أسلوباً من أساليب التفاعل مع أصحاب الحاجة والحالات الإنسانية الضاغطة، وليكون التكافل الإجتماعي منطلقاً من الذات ولا يقتصر على ما فرضه الإسلام من واجبات شرعية في التزامات الفرد المسلم الجماعة المسلمة بل في التطلع إلى ما هو أبعد من ذلك أي في استطلاع كل الحالات الصعبة والعمل لمعالجتها أو التخفيف من وقعها.. وفي الحالات التي يُصبح فيها المجتمع كله في موقع المعاناة أراد لمن هم في مواقع المسؤولية أن “يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ” كما قال الإمام علي(عليه السلام).

ما أهمية التكافل الإجتماعي وخصوصاً في هذه الأيام

يغدو التكافل الإجتماعي في أيام الأزمات وعندما يعم الفقر ويصيب مجتمعاً بأغلبيته أحد أفضل الأساليب في مجال المعالجة ومنع تفاقم المشاكل، فالفقر لا يُخرس الفطن عن حجته فقط كما قال الإمام علي(ع)، بل يفتح الأبواب للجرائم والسرقات والتعديات التي نعيش الكثير منها في هذه الأيام، ولذلك فإن عملية التكافل الإجتماعي وتضافر الجهود لمكافحة الفقر والعوز والمسكنة في أزمة كالتي نعيشها هي بمثابة الترياق للمريض والضوء الساطع في الليالي الحالكات.

هل هناك رسائل لتحقيق التكافل الاجتماعي في الإسلام

صحيح أن الإسلام شرّع الأبواب لأكثر من وسيلة سواء أكانت عن طريق الأموال الشرعية في الزكاة والخمس والفدية والكفارة، وفي الأبواب المستحبة كالصدقات وغيرها، ولكنه أراد للأفراد والجماعات أن ينطلقوا في مبادرات يبتدعون فيها أساليب كثيرة للمساعدة، كما نشهده في هذه الأيام، سواء عن طريق تكفل اليتيم أو الطالب أو تأمين مساعدات عينية سريعة وخاصة في شهر رمضان الكريم، أو ما يتصل بالطبابة والإستشفاء وما إلى ذلك، وعل الملفت أن الإسلام جعل ذلك باباً من أبواب المغفرة ومحو الذنوب كما يقول الإمام علي(ع): “من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب”.

ما هو دور المجتمع في تنمية التكافل الإجتماعي

– كما أشرنا في الجواب على السؤال السابق ثمة مبادرات لها طابعها الفردي، وأخرى تنطلق من كتلة أكبر على مستوى المجتمع، ولكننا نرى أن المجتمع الذي يحث فيه الأفراد الآخرين على اعتبار التكافل الإجتماعي إحدى أفضل الوسائل في ظل غياب الدولة والسلطات المسؤولة، والمجتمع الذي يشعر أفراده بالمسؤولية، والمجتمع الذي تنطلق فيه جمعيات وهيئات اجتماعية لها هذه الميزة في التحرك وفي طرق أبواب الميسورين، بطريقة مباشرة أو من خلال ثقافة الحث على القيام بالمسؤولية عبر وسائل الإعلام وغيرها.. هذا المجتمع يؤدي الدور الأبرز في إبراز هذه الفضيلة وجعلها محمودة ومطلوبة بدلاً من أن يتكاسل أمام ضغط الفقر والعوز..

 كيف يساهم التكافل الإجتماعي في الحاجات والملبس من تقليل الجريمة داخل المجتمع

في المقولة المأثورة أن الفقر إذا ذهب إلى بلد قال للكفر اتبعني.. والكفر هنا ليس بالضرورة في الجانب الديني والإيماني فحسب، بل في التحلل من القيم الحاكمة على مستوى احترام أرزاق الناس وأموالهم وأرواحهم، ولذلك كانت اللمسة الحانية في تأمين ضروريات الناس على مستوى الملبس والمآكل مؤثرة وستبقى كذلك في الحد من الجريمة والحفاظ على توازن العائلة والفرد ومنعها من الشعور بالانهزام النفسي الذي يُصبح مدّمراً وقاتلاً عندما لا يجد أصحاب الحاجة ما يسدون به رمقهم.

ولكننا نرى أن ذلك على أهميته لا يكفي، بل لا بد من تأمين الحاجات الأخرى للناس على مستوى التعليم والإستشفاء ودفع بعض الضرائب.. وهذا قد لا يكون متوفراً، وقد يكون صعب المنال ولكن لا بد من الشعور بالمسؤولية في ذلك شرط ألا ندفع الناس للكسل والابتعاد عن طلب الرزق من خلال العمل، وفي بعض الروايات عن أهل البيت(ع) أنهم كانوا لا يستجيبون فقط للفقير على مستوى سد حاجاته الآنية، بل كانوا يدفعون له حتى يصل إلى درجة الإستغناء عن طلب أية حاجة.

هل نحن الآن بحاجة إلى التكافل الإجتماعي وتعزيز مفهوم التكافل

نحن في مرحلة أحوج ما نكون فيها لتعزيز مفهوم التكافل فمشكلة الغذاء أصبحت عالمية في ظل الحروب وما يحصل من تطاحن المصالح وتضارب المحاور، أما في بلادنا وبخاصة لبنان فقد بات المجتمع بأغلبيته الكبيرة أي أكثر من ثمانين بالمائة منه تحت خط الفقر بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ما يستدعي مضاعفة الجهود وتكثيفها أكثر على هذا الصعيد لأننا فعلاً أمام كارثة اجتماعية كبرى، ولأن الخوف الكبير يكمن في أن تمتد هذه الأزمات وتتواصل في ظل الشلل الذي يصيب الدولة في كل قطاعاتها.

ما هي مظاهر التكافل في الحاجات الضرورية وخاصة في أيام رمضان ودخولنا على العيد

قد تتمثل المظاهر في تأمين حصص غذائية أو في السعي لدى من عنده شيء يمكن أن يستغني عنه في الملبس أو غيره، ولكن الحاجة تكبر في العيد لتقديم بعض الأشياء الضرورية ولا سيما على المستوى النقدي، وقد تنبه الإسلام لذلك على مستوى زكاة الفطرة التي تذهب للفقراء والمحتاجين، ولكن في ظل أزمة كبرى كالتي نعيشها في لبنان فإن من الضروري العمل لإمداد المحتاجين بمساعدات مالية لها قيمتها وقدرتها على مسح دموع الناس وإشاعة أجواء الفرح فيهم.

كيفية التعامل مع الفقراء والمساكين واليتامى

ثمة أساليب متعددة في ذلك، ومعظمها يتم من خلال مؤسسات تقدم الضروريات أو الهدايا العينية والنقدية، ولا بد هنا من الأخذ بالأساليب التي لا تترك خدشاً في نفوس أصحاب الحاجة، وتراعي وضعهم النفسي، وقد تنبه الرسول(ص) وأهل بيته(عليهم السلام) لذلك فكانوا يحدثون السائل من وراء الباب ليطلب حاجته ويقدم عنوانه “حتى لا أرى فيه ذلّة السائل وفي نفسي عزةّ المسؤول”.. كما يروى عن الإمام علي(ع). وهذا ما ينبغي أن يكون مسارنا وطريقنا في مراعاة الناس واحترام شخصياتهم وصون كرامتهم.