فلسطين حيّة في الذاكرة...

علينا تعزيز ثقافة المقاومة ورفض كل أشكال التطبيع الثقافي

لفلسطين تاريخ عظيم جداً تفتخر كل الإنسانية به، وهو ملك إنساني وبشري وثروة إنسانية وبشرية مهمة جداً.

2022-11-12

الوفاق/ خاص/ موناسادات خواسته

فلسطين حيّة في الذاكرة وهي متواجدة في كل لحظة، وفي كل مجال، منها المجال الثقافي والفني، والأدبي، فلم تمضى أيام من إقامة الحفل الإختتامي لجائزة فلسطين العالمية للآداب، الذي أقيم في بيروت بمشاركة حوالي 50 شخصية سياسية وثقافية وإعلامية من دول عدّة. ومن ضمن الضيوف كان الكاتب التونسي “زياد بومخلة”، الذي هو من أبرز الناشطين في دعم القضية الفلسطينية، وهو ناشط في دعم القضية الفلسطينية، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع الأستاذ “بومخلة”، وسألناه عن آرائه بالنسبة لفلسطين وثقافة المقاومة، وفيما يلي نص الحوار:

تشرّبنا حب فلسطين منذ نعومة أظافرنا

بداية طلبنا من الأستاذ “بومخلة” لكي يتحدث لنا كيف اصبحت قضية فلسطين عنده هامة وفي كتاباته ونشاطاته، فقال: الأمر حقيقة يعود الى صغري وقد تربيت في عائلة محبة للقضية الفلسطينية وفرضت فينا حب هذه القضية منذ نعومة أظافرنا وبالتالي تشرّبناها وأصبحنا نعيشها في كل أوقاتنا ونحرص في كل أعمالنا ونشاطاتنا أن نظهر هذه القضية باعتبارها قضية عادلة في أبعادها الشاملة وعن بعدها الإنساني المتعلق بحق الإنسان، أي إنسان في العيش الكريم وفي استقلال قراره وفي سلطته على أرضه الى ابعادها العقائدية المتعلقة بنا كمسلمين باعتبار ان ارض القدس وارض فلسطين ارض وقف اسلامي وأن الدفاع عنه هو واجب كل مسلم في هذه الأرض وبالتالي، في كل نشاطاتي وفعالياتي وكتاباتي حرصت أن أبرز هذه القضية وأن أُذكّر بالحق الفلسطيني المسلوب.

جائزة فلسطين العالمية للآداب

وعندما سألناه عن رأيه بالنسبة لمهرجان جائزة فلسطين العالمية للآداب وتقييمه لتأثير اقامة هكذا مهرجانات في دعم القضية الفلسطينية، أجاب “بومخلة”: لا شك أن هذا المهرجان وهذه الجائزة هي سبق مهم في خدمة القضية الفلسطينية من بوابة الثقافة والمثقفين والأدباء والشعراء، نحن نعلم جيداً أهمية القلم وأهمية الكلمة في ترسيخ وعي الشعوب ووعي الأمم، لأن ما تُخترق، هي العقول، وإذا حصّنّا هذه العقول فلا شك أننا قادرون بعد ذلك على حماية المبادئ والقيم والدفاع عن قضية بحجم القضية الفلسطينية، ولاشك أن هذا المهرجان وهذه المسابقة كانت مهمة وهي رائدة ولا شك أن الإشتغال على تطويرها وتعزيز أنصارها في المرحلة القادمة سيكون له أهمية بالغة. وإقامة مثل هذه المهرجانات فيه دعم مباشر لأهلنا في فلسطين وتعزيز صمودهم بالكلمة ولا شك أن مثل هذه المهرجانات التي تجمع الأدباء والشعراء والمثقفين الذين يصوغون وعي الشعوب، أمر مهم جداً وتوحيدهم في مقابل أشباه المثقفين والشعراء والأدباء الذين انتصروا للإستبداد وللتطبيع مع الكيان الغاصب. لا شك أن لهذا أيضا دور مهم ومقاومة هذا الفكر الذي يقبل التطبيع مع الإحتلال والذي يصوّغ كأنه قضية فلسطين، قضية للفسطينيين فقط وأن الفلسطينيين يتخلوا عن أرضهم وعن قدسهم. وجود مثل هذه المهرجانات يعزز مناعة العقل العربي والإسلامي من أي إختراق ممكن من مثل هذه الأفكار الهدّامة.

مكانة القضية الفلسطينية في الأدب

وعن مكانة القضية الفلسطينية في الأدب والطرق المؤثرة لدعمها، قال الكاتب التونسي: لا شك أن فلسطين في الأدب حاضرة بأقدارها ولكن حضورها مازال غامض، أزمتنا في الأمة الإسلامية هي أن حضور الأدب والمثقفين والشعراء والأدباء حضور محدود ومازال على هامش الفعل، وبالتالي تتهمش كل القضايا ذات الأولوية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لا شك أن ما يُنتج من أعمال أدبية وثقافية وفنية تحكي السردية الفلسطينية التي مازالت ضامرة ومحدودة وتحتاج تعزيزنا الحقيقي في المرحلة القادمة وبالتالي هناك مسؤولية جماعية علينا كمثقفين وأدباء وشعراء في أن نعزز حضور هذه القضية الفلسطينية في كتاباتنا وفي كل الفضاءات التي يمكن أن نصل إليها وأن نصل الى كل الشرائح من الأطفال والشباب والكبار والصغار، نصل للجميع، حتى نصنع وعياً  كاملاً عند كل الأجيال في قيمة وأهمية هذه القضية. والكلمة تأثيرها سحري، أحيانا ً أكثر من أي شيء آخر، وبالتالي لابد من أن نحرص وأن نستثمر في الكلمة وفي بوابة الثقافة والأدب بتعزيز حضور القضية الفلسطينية.

نشر ثقافة المقاومة

وفيما يتعلق بتوحّد صفوف المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني ونشر ثقافة المقاومة عن طريق الادب، قال “بومخلة”:

عن حضور ثقافة المقاومة في الأعمال الثقافية، فلا شك أنه هذا هو بيت القصيد، اليوم هناك مشروعان لهما العلاقة بالقضية الفلسطينية، مشروع المقاومة ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومشروع المقابل هو مشروع الإستسلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني، هذا المشروع له ما يؤيده على الأرض مقاومة باسلة في أرض فلسطين ومحاولات لبنان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، ولكنه يحتاج الى مَن يدوّن هذا في شكل أعمال ثقافية وأدبية وفنية، هذه ما يُسمى بالقوة الناعمة المؤثرة التي تصنع وعياً متيناً لقيمة خيار المقاومة، وبالتالي خيار المقاومة يجب أن يتعزز. للأسف هناك محاولة لتصوير المقاومة على أنها ارهاب وبالتالي نحن كمثقفين علينا مسؤولية كبيرة، كيف نبدّد هذه التهمة بأن مقاومة هذا العدو هي من صميم المبادئ والقيم الإسلامية وهي حق مشروع للأمة العربية والإسلامية وخاصة للمقاومين على أرض فلسطين وما حولها، وأن كل الشعوب الحرّة في هذا العالم اختارت أن تقاوم محتليها وأن تدحر الإحتلال. اليوم علينا مسؤولية لتبليغ هذه للأجيال القادمة وأن هذه المقاومة حتى وإن كانت نظرياً لا تمتلك إمكانيات العدو، لكن هذا لا يعني سقوطها ولا يعني التخلي عنها، لم يهزم أي مقاوم جلّاده ومحتلّه بكثرة سلاح او بقوة خارقة، كل التاريخ يخبرنا أن المقاومة في ذاتها الأدبية وفي الوعي والفكر، والقتال أمر أساسي لدحر الإحتلال وأن المقاربة تتعلق هنا بالجانب المعنوي، نحن نهزم عدونا بتمسكنا بمبادئنا وقيمنا وفكرنا المقاوم، ونحن قادرون على أن نسترد كل حقوقنا المسلوبة وبالتالي لا شك أن الرهان على تعزيز ثقافة المقاومة بالأدب والأعمال الثقافية العربية والإسلامية امر مهم وأساسي في معركتنا مع هذا الكيان الغاصب.

ذكرى خالدة عن القضية الفلسطينية

وعندما سألناه ان خلال نشاطاته ودعمه للقضيه الفلسطينية هل واجه مشهد او موضوع أصبح ذكرى خالدة له، فردّ علينا بالجواب: كثيرة هي حقيقة الذكريات والمشاهد والموضوعات التي يمكن أن تتحول الى ذكرى خالدة ولكن لعل أكثرها أثراً في نفسي وقلبي هو زيارتي قبل سنوات لقطاع غزة وخاصة مشاركتي آنذاك عزاء أم نضال فرحات، خنساء فلسطين التي قدّمت ثلاثة من الشهداء من أعز فلذات أكبادها، من أبنائها، لهذه القضية وللجهاد الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الصهيوني، هذه المرأة العظيمة فعلا هي ذكرى خالدة للقضية، هي أم كل الفلسطينيين، هي أم هذه القضية بنضالها وجهادها وتضحيتها، وأمثالها كثيرون في أمتنا الإسلامية، هذه الذكرى التي لا تُمحى من نفسي وخاصة أنني شاركت باسم وفود نعيها يومها على أرض غزة الطاهرة، أرض المقاومة، والتي اليوم تُسطر الصور والنضال بمقاومتها مع العدو الغاصب.

فلسطين تعطي قيمة كبيرة للأعمال

بعد ذلك سألنا “بومخلة” لماذا لفلسطين مكانة مرموقة في الأدب منذ اعوام، فقال: لا شك أن فلسطين قضية عادلة وهي قضية العالم ومدار الصراع العالمي اليوم، وبالتالي تأخذ قيمتها، ويأخذ كل عمل أدبي قيمته من قيمة هذه القضية، كل من يكتب عن فلسطين حتى وإن كانت كلماته محدودة، حتى لو خانته متانة العبارات وحسن الكلام فكونه أن يكتب عن فلسطين وأن يتغنى بفلسطين، وأن يروي عن فلسطين، وأن يكتب مقالاً ثقافياً عن فلسطين، عن آثار فلسطين وقيمتها الإعتبارية في العالم، هذا كله يعطي قيمة كبيرة لهذه الأعمال، وبالتالي يحرص الكثيرون على أن تكون فلسطين حاضرة وبالتالي تأخذ فلسطين موقعاً مرموقاً وأساسياً ومتقدماً في الأعمال الأدبية وباعتبار الإهتمام العالمي، هي القضية الأولى التي يتم تداولها في وسائل الإعلام، هي القضية الأولى في المنابر الدولية والحقوقية والإقليمية، وبالتالي لا شك أن حضورها في كل المحافل، وخاصة على المستوى الأدبي والفني والثقافي، يحظى بهذا الإعتبار، فقط عن ما تحتويه فلسطين كفلسطين وأرض فلسطين، من مقدسات وآثار، ومن تاريخ عظيم جداً تفتخر كل الإنسانية به، وهو ملك إنساني وبشري وثروة إنسانية وبشرية مهمة جداً، إبرازها ثقافياً وأدبياً لا شك أنه له أهمية بالغة.

مواجهة الحرب الناعمة

وعندما سألناه کیف یمکن دعم فلسطين ومواجهة الحرب الناعمة من خلال الفن والأدب، قال: اليوم هناك أشكال كثيرة لدعم قضية فلسطين أدبياً وثقافياً وفنياً من خلال الرواية المكتوبة والكاريكاتير وقصص الأطفال، ومن خلال الشعر الهادف والمقال الأدبي، ومن خلال إظهار وإبراز الثروة الإنسانية الهائلة في المعمار والتراث، خاصة لمدينة القدس باعتبارها مدينة تاريخية عظيمة، فيها من الآثار والمعمار ما لا يمكن وصفه وكل فلسطين في الحقيقة ، وبالتالي اليوم الرهان على القضية الفلسطينية في الأدب والفن في دعم هذه القضية رهان ناجح، والرهان الرابح بالتالي لابد من تكريسه ولابد من تحريض الأدباء والمثقفين والفنانيين في عالمنا الإسلامي أن تحظى فلسطين والقدس خاصة لديهم بحضور مميز في كتاباتهم وأعمالهم، فضلاً عن وجود مادة غزيرة يمكن الإستفادة منها، وهناك كذلك واجب أخلاقي وإنساني وإسلامي يجعلنا أمام حتمية أن نبرز فلسطين في كل أعمالنا الثقافية والأدبية.

مواجهة التطبيع الثقافي

وهكذا ختم كلامه الأستاذ “بومخلة”: وكلمتي الأخيرة في اتجاهين، الإتجاه الأول أننا إذا أردنا أن نخدم هذه القضية فلا يجب أن نستكثر عليها بعض كلمات نؤرخها ونكتبها ضمن أعمالنا. ورسالتي لكل المثقفين والأدباء أن يكون لهم ورد لفلسطين يومي، سواء في مقالاتهم او في أعمالهم أو حتى في ما يكتبونه على وسائط التواصل الإجتماعي، فنجعل فلسطين حاضرة باستمرار، فنتغنى بها، فنرسل الشعر في خصوصها ونكتب عنها ولو سطرا بسيطا في أمر يتعلق بالقضية الفلسطينية وبتاريخها وأن ننشر الوعي الواسع والعميق بأهمية وقيمة ومركزية فلسطين.

والرسالة الثانية تتعلق بأن الرهان اليوم ليس فقط أن نكتب عن فلسطين، بل نعزز ثقافة المقاومة والجهاد في مقاومة هذا الإحتلال وأن نرفض كل أشكال اختراق الوعي، وكل أشكال التطبيع الثقافي المتعفن مع هذا الكيان. أحيانا ما لا يمكن الكيان أن يحصله بالقوة، قد يحصله لا يقدّره الله بالتطبيع الثقافي والرسمي والعلمي وبالتالي رسالتي أن نكون كمثقفين وأدباء ونشطاء سداً منيعاً ضد أي محاولة اختراق لبنيان الأمة الإسلامية ورفض كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان، مهما كانت المسميات التي تحملها.