تعود جذور اللوبي السعودي إلى أواسط الثمانينيات...

اللوبي السعودي: إنفاق بمئات الملايين لتلميع سمعة النظام

تعزيز دور اللوبي السعودي للحفاظ على مصالح السعودية عند المشرع الأمريكي

2022-11-14

تمتلك حكومة السعودية وسائل نفوذ جيدة لدى المشرع الأمريكي، وهو ما مكنها من القدرة على تشكيل السياسات والتصورات العامة في واشنطن عقوداً من الزمن والعمل لتلميع سمعة النظام.

إذ تمكنت المملكة من تجنب عدد من الإجراءات الموجهة ضدها من خلال التعامل مع كبريات جماعات الضغط، وشركات المحاماة الكبرى، ومراكز الفكر البارزة والكبيرة، ومقاولي الدفاع المؤمنين بضرورة الحفاظ على المملكة في صف الولايات المتحدة.

بحسب مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، تعود جذور اللوبي السعودي إلى أواسط الثمانينيات، عندما عُيِّن الأمير بندر بن سلطان سفيراً للسعودية في واشنطن.

واستمر بندر بن سلطان في هذا المنصب أكثر من عشرين عاماً (1983-2005)، وكان له دور كبير في الحفاظ على العلاقات الأمريكية-السعودية، وتعزيز دور اللوبي السعودي للحفاظ على مصالح السعودية عند المشرع الأمريكي، فلم يكن هناك أي وجود للوبي قبل قدوم الأمير، بل كانت العلاقات الثنائية قائمة على النفط مقابل الأمن والسلاح.

يذكر بندر أنه بمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة أتقن لعبة جماعات الضغط، وقد استطاع في أعوام وجوده الطويلة في واشنطن أن يعقد عِدّة صفقات سلاح مهمة للسعودية، ومنها بيع طائرات إف-15 في عهد الرئيس كارتر، وأسهم مع غيره في مفاوضات إنهاء الحرب العراقية الإيرانية.

ومع أحداث 11 سبتمبر/أيلول ركز الأمير بندر جل نشاطه على تخفيف وطأة الاتهامات الأمريكية ضد حكومة المملكة العربية السعودية بتمويل منفذي الهجمات، ويمكن القول إنه تمكن من إدارة هذا الملف بفاعلية جيدة.

وبعد استقالته في بدايات 2005، وعودته إلى المملكة، بدأت مرحلة مختلفة في أنشطة التأثير والضغط، وذلك عن طريق المؤسسات النظامية ومكاتب شركات العلاقات العامة، وكانت المملكة قد بدأت التعامل معها من قبل.

فبعد أحداث سبتمبر/أيلول تعاقدت السعودية مع شركة كورفيز (Qorvis)، إحدى أكبر شركات العلاقات العامة، وكانت حديثة النشأة آنذاك، وكانت السعودية أول زبون أجنبي لها، وبلغت مدفوعات السعودية بين 2001-2010 للشركة قرابة 75 مليوناً و944 ألف دولار أمريكي.

وقدمت الشركة منذ 2001 إلى الآن خدمات مختلفة للسعودية؛ من ضغط سياسي، وتنسيق إعلامي للظهور أمام وسائل الإعلام الأمريكية، وإقامة مؤتمرات ولقاءات إعلامية لمسؤولين سعوديين كبار، وإدارة حملات إعلامية في ملفات مختلفة مثل: حرب اليمن، وقانون جاستا، وصفقات التسليح، وملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

كذلك تعد شركة إد نيوبري (Ed Newberry)، العاملة ضمن مجموعة سكوير باتون بوغز(SPB) وهي من أكبر شركات العلاقات في واشنطن العاصمة، إحدى أذرع الضغط للمملكة العربية السعودية.

حيث سُجلت الشركة عام ٢٠١٦ بصفتها وكيلاً أجنبياً للمركز السعودي للدراسات والشؤون الإعلامية (Saudi Center for Studies and Media Affairs ).

ووقعت الشركة اتفاقية مشاركة مع المركز السعودي في سبتمبر/أيلول 2016 مقابل رسوم سنوية قدرها 1.2 مليون دولار للدفاع عن مصالح السعودية نيابة عن المركز أمام مسؤولي الحكومة الأمريكية، ولا تزال الشركة تواصل تمثيل المركز السعودي، كما تم الكشف عنه في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بتاريخ ٢٩ يوليو/تموز ٢٠٢١.

ومن الشركات التي وردت أسماؤها أيضاً في الكشوفات الرسمية الأمريكية بشأن الدعم المالي السعودي لها: مجموعة BGR، وهي شركة أسسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور، ومجموعة جلوفر بارك (Glover Park Group)، التي أطلقها عدد من الاستراتيجيين السياسيين الديمقراطيين، من بينهم جو لوكهارت وكارتر إسكيو؛ ومجموعةبوديستا(Podesta Group)، التي كان يديرها الديمقراطي توني بوديستا.

والقائمة تطول بشأن أسماء المكاتب التي تعاقدت معها السعودية من أجل قضية أو عدة قضايا للحصول على تأكيد المشرع الأمريكي بشأنها.

وربما اقترن التحول السعودي من التأثير القائم على العلاقات الشخصية إلى المنهجية المؤسساتية عبر مكاتب وقنوات خاصة بتبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي فرضت على حكومة المملكة العربية السعودية استثمار القنوات المتبعة داخل دوائر الحكم الأمريكي.

بالإضافة إلى ما تملكه المملكة من وسائل نفوذ من خلال ثروتها النفطية، وما يرافقه من بناء شبكة علاقات شخصية تؤمن بضرورة الحفاظ على المكاسب النفطية للمملكة في علاقاتها مع واشنطن.

إلا أن دور هذه المكاتب لا يعدو كونه خدمة مقابل أجر تتقاضاه، وهو ما يؤثر في درجة الإيمان بالقضايا التي تمارس التأثير بشأنها، فضلاً عن تركيز هذه المكاتب على الجانب الرسمي على حساب المكونات المجتمعية.

وهو ما يجعل الموقف السعودي وقضاياه مغيباً عن الرأي العام الأمريكي، الذي تنشط فيه جماعات ضغط أخرى ربما حملت أجندة مخالفة للحقائق وتنصب على مهاجمة السعودية داخل أروقة السياسة الأمريكية.

وما يثبت صحة هذا الرأي عدم نجاح المملكة في منع تمرير قانون جاستا “للدول الراعية للإرهاب”، الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين المتضررين من أحداث 11 سبتمبر/أيلول بملاحقة المسؤولين السعوديين ورفع الدعاوى عليهم.

وقد أنفقت حكومة السعودية الأموال الطائلة على مكاتب العلاقات العامة، ووقعت عقوداً عدة مع شركة هوجان لوفيلز (Hogan Lovells)، وشركة فلاي وييل (Flywheel Government Solutions)، وشركة براونستين هيات فاربر شكريك (Brownstein Hyatt Fafber Schreck)، ومجموعة جلوفر بارك (Glover Park)، وغيرها، لتحقيق إنجاز يذكر بشأن هذا القانون.

لا سيما أن إقرار القانون يعد انتكاسة في تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية، ويلحق الضرر بكبار مسؤولي الدولة السعودية، ويعرض المصالح المشتركة للبلدين للخطر في حال رفعت قضايا بالفعل ضد المسؤولين السعوديين.

صحيح أن القانون الذي أقره الكونجرس عام 2016 لا يتهم السعودية مباشرة بالإرهاب، ولكنه يجعلها في دائرة الاتهام والمساءلة، فقد رُفعت مئات من الدعاوى القضائية من الناجين وأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول ضد السعودية بمجرد إقرار القانون، وتنوعت بين المطالبات بالتعويض وقضايا كشف الوثائق الخاصة بالسعودية المتعلقة بالهجمات، وغيرها من القضايا.

الجدل الدائر حول قانون “جاستا” فرض على حكومة المملكة العربية السعودية واقعاً جديداً، استوجب تجديد قنوات تأثيرها في المشرع الأمريكي، وعدم الاكتفاء فقط بمكاتب العلاقات العامة.

ففي مارس/آذار 2016 أُسست لجنة شؤون العلاقات العامة الأمريكية السعودية (SAPRAC) من قبل سلمان الأنصاري، المحلل السياسي المختص في الشؤون السعودية.

تنشط اللجنة في تنفيذ الأنشطة التطوعية بالشراكة مع منظمات أمريكية محليَّة، وتُرسل متطوعين للمشاركة في الأعمال الإنسانية، فضلاً عن ترويجها للسياحة في السعودية، وتعريفها بالثقافة السعودية للمجتمعات الأمريكية.

بناء على ذلك، يبدو أن الجانب السعودي أدرك ضرورة الاضطلاع بنفسه بعملية الضغط والتأثير من خلال مؤسسات خاصة يُنشئها وفقاً للتشريع الأمريكي، وأهمية كسب رأي الجمهور والتأثير خارج دوائر الإدارة الأمريكية.

لم يكتف اللوبي السعودي بذلك فحسب، فقد توسع مجاله ليصل إلى تمويل عدد من مراكز الأبحاث المؤثرة داخل الولايات المتحدة.

وأبرزها: معهد الشرق الأوسط، ومجلس سياسة الشرق الأوسط، ومؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون، وغيرها من المؤسسات البحثية.

يعد مركز الشرق الأوسط أحد أهم المراكز التي تتلقى تمويلاً سعودياً، فما بين عامي 2016 و2017، تلقى المركز تمويلاً يتراوح بين 1.25 و4 ملايين دولار من المصالح السعودية، وفقاً لإفصاحاتها العامة.

وذات المركز يرتبط بعلاقات مع مؤسسات ضغط أخرى من خلال شبكة علاقاته، إذ يتصل المركز مع شركة (Qorvis Communication)، الناطقة باسم العلاقات العامة للسعوديين منذ مدة طويلة، عن طريق مايكل بتروزيلو، أحد أعضاء مجلس الإدارة، ومع شركة النفط السعودية فرع أمريكا الشمالية عن طريق جاك مور، العضو في مجلس إدارة المركز ومدير مكتب شركة النفط في واشنطن.