تراث ثمين موحّد وأنموذج للوحدة بين الأعراق  

الموسيقى الإيرانية.. جمال ومعرفة عالمية

الموسيقى أكثر الفنون إثارة للعواطف.

2022-11-16

الوفاق/ الموسيقى هي الفن الوحيد الذي يراد لذاته وليس لما يمثّله، وباتت الموسيقى اليوم جزءاً ملازماً لحياة الإنسان، وهي أكثر الفنون إثارة للعواطف، فعندما تهرب من جحيم الحياة الصاخبة بشرورها المتنامية يوماً بعد يوم، قد ترمي بنفسك في أيّ مهرجان آخر تعلو أصواته فوق ضجيج حياتك البائسة، فلا تعود تسمعها ولا تشعر بها. وحده المهرجان يستولي على وعيك الآني.

نرى أن المفكّر العارف حسين إلهي قمشه اي، هكذا يعبّر عن الموسيقى ويقول: إن في كل مقطوعة موسيقية قطعة من الجنة، وإننا نشعر بهذا الحنين الغريب الآسر، وتحديداً لأننا، قبل هبوطنا إلى هذا العالم، كنا قد سمعنا هذه الألحان. لذا، نحن نعرفها جيداً.

لا شكّ في أن لغة الموسيقى عالمية، ففي المعنى الأعمّ، ثمّة ارتياح معنوي نفسي يصاحب الموسيقى، لا لغة تعبّر عنه، وما أجمل الموسيقى الإيرانية التي تعزف على أوتار الروح وتأخذه إلى عالم الخيال والجمال!

مختلفة هي الألحان التي تسمعها هنا وهناك في أزقّة إيران، بمختلف محافظاتها وشعوبها وفي مطاعمها ومقاهيها، ولكل منها نكهة متمايزة للنوتات التي يبدو أن عزفها يختلف كثيراً عن الألحان الشرقية المتعارفة، اختلافاً تقتضيه الذائقة الإيرانية والأذن الموسيقية، الذي تجرَّع الأصالة على امتداد تاريخه الحضاري، فانعكست في فنونه وأدبه وكل ما ينضوي تحت عنوان “علم الجمال”.

في الحقيقة، لا يمكن القول أن الموسيقى جزء من الشعر أو الأغنية، وإنما الأصحّ القول إنها فن منفصل عن الشعر، وجاء مكمّلاً له، والاختلاف الجوهري واضح بين الموسيقى الإيرانية وغيرها، لا يتعلّق الأمر بلغة الكلمات، بل الحديث عن أصل الموسيقى وروحها، عن الآلات الموسيقية وطريقة توظيفها في المعزوفة، ثم نكهة المقطوعة ووقعها على الأذن، وارتباطها الوثيق بحضارة ايران وذائقتها التي لا تستحسن نمطاً مثلما تستسيغ اللحن الأصيل الذي ألفت سماعه.

الآلات الموسيقية الإيرانية

إن الموسيقى الإيرانية هي ثمرة تاريخ عريق من تعايش الأقوام المختلفة منذ القِدَم حتى الآن، ولها آلات موسيقية تقليدية كثيرة منها آلة تسمّى “سه تار” أو “ذو الأوتار الثلاثة”، وآلة “السنتور”، وهي آلة تشبه القانون الشرقي مع اختلافات طفيفة، والدف، وغيرها التي اختصّت بها الموسيقى الفارسية التقليدية، فتوارثتها الأجيال حتى تماهت مع الأذن الموسيقية الإيرانية وأمست هويّتها الأصلية.

یذکر أن الآلات الموسيقية الإيرانية الأصلية المستخدمة في الموسيقى التقليدية تشمل الآلات الوترية مثل الشانغ (القيثار)، والقانون، والسنطور، والرود (العود، البربات)، والتار، والدوتار، والسه تار، والطنبور، والكمنجة، والأدوات الهوائية مثل السورنا (الزرنة، الكارناي)، والناي والناي أنبان، إلى جانب الآلات الإيقاعية مثل الكاسور، والكوس، والدف (الديريه)، والنقارة والدوهول.

رديف.. جوهر الثقافة الموسيقية الإيرانية التقليدية

إن موسيقى “رديف” الإيرانية هي خيرة التقليدية الكلاسيكية التي تشكل جوهر الثقافة الموسيقية الفارسية. ونشر في 2009 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

العلاقة التاريخية للموسيقى الإيرانية ونشرها في العالم

توجد علاقات ثقافية وحضارية قوية بين إيران والدول المجاورة لها، بالتأكيد هذه الصلات الثقافيَّة بالمقام الأول تؤثر في الموسيقى الإيرانية كما تتأثر بها الموسيقى الإيرانية كذلك. ناهينا عن ذلك فإن الموقع الجغرافيّ لإيران يجعلها ملتقى المشرق والمغرب معًا فمن ناحية تأثرت الموسيقى الإيرانية بدايات القرن الماضي عندما كانت تربطها علاقات قوية بروسيا بالموسيقى العسكرية الروسية، وتتداخل في الموسيقى الإيرانية التقليدية الكثير من الروافد لثقافات وحضارات أخرى.

وعندما ننظر الى الحضور الواسع والنشط للمجموعات الإيرانية المختلفة في انحاء العالم، نرى أنها تواجه اقبالاً كبيراً، وهناك حضور نشط لأساتذة الإيرانيين في مجال الموسيقى، حيث ذاع صيتهم في العالم.

مهرجان الموسيقى المحلي لمناطق ايران المختلفة

قد يكون المهرجان أيّ شيء يحمل دلالة الملاذ الآمن من التعب وصعوبات الحياة. قد يكون مهرجاناً موسيقياً، وهذا الذي يحدث الآن في ايران وهو إقامة المهرجان الوطني الخامس عشر للموسيقى المحلية في مناطق إيران المختلفة، تحت إشراف محمد علي مرآتي، وبدعم من مكتب الموسيقى التابع لشؤون الفنية في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ومن قبل جمعية الموسيقى الإيرانية وبالتعاون مع الإدارة العامة للثقافة والإرشاد الإسلامي في محافظة جلستان في مدينة جرجان في الفترة من 14 إلى 18 نوفمبر.

وفي هذه الفترة من المهرجان، سيقدم فنانون موسيقيون مختارون من جميع أنحاء إيران عرضاً لمدة خمسة أيام بهدف معالجة “المساهمات الموسيقية للجاليات المسلمة في مجال الثقافة الإيرانية القديمة” و “ترتيب قوس قزح الثقافي في المجال الفني”.

الهدف الرئيسي لهذا المهرجان هو معالجة القواسم الموسيقية المشتركة للمجتمعات الإسلامية في مجال الثقافة الإيرانية القديمة ، دون السعي إلى تفوق ثقافة موسيقية على أخرى ، وترتيب قوس قزح الثقافي هذا في مجال فني لإظهار الوحدة الإسلامية العظيمة.

موسيقى المناطق الإيرانية المختلفة تراث موحّد

واعتبر وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي محمدمهدي اسماعيلي في رسالة وجهها الى المهرجان، موسيقى المناطق الإيرانية تراثاً موحداً بين المجموعات العرقية المختلفة في ايران، وقال: إن موسيقى مناطق إيران تراث ثمين، موحد ومليء بالمعرفة والحكمة والكرامة بين الجماعات العرقية في بلدنا، وهو دائماً في إطار تفاعلات دبلوماسية ثقافية نشطة باعتبارها واحدة من سفراء هذه الحدود الغنية والبيئة مع الدول الأخرى.

الآن وفي الخطوة الخامسة عشرة، سيحدد مهرجان الموسيقى في مناطق إيران وحدة الخطاب الموسيقي للعالم الإسلامي مع الفترات السابقة وهذه المرة بآلية علمية فنية.

وبالنظر إلى التقاليد العرقية والخطابات الموسيقية للعالم الإسلامي، نأمل أن يمثل قوس قزح الثقافي هذا الوحدة الإسلامية العظيمة.

يعد هذا المهرجان فرصة للتواصل الاجتماعي والتآزر بين المجموعات العرقية الإيرانية من خلال إنشاء منصة لتقدير هذه الكنوز الإيرانية التي لا يمكن تعويضها والتي كرست حياتها للثقافة والفنون الأصيلة لهذه الأرض لسنوات عديدة.

ومن جهته وجّه محمود سالاري، نائب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، قال في الرسالة التي وجهها للمهرجان:

وقال: إن موسيقى مناطق إيران عبرت عن وحدة الشعوب الإيرانية على الساحة الوطنية والدولية كسفير معبر مع مرور الوقت، مما يحافظ على التقاليد والطقوس الوطنية والمحلية والاهتمام بها يزيل مخاطر أزمة الهوية ويساعد للحفاظ على الاستقلال الثقافي.

كما أنه سكرتير المهرجان كامران مرآتي اعتبر الخطابات الموسيقية للعالم الإسلامي هي أحد مواضيع المهرجان الإقليمي الخامس عشر للموسيقى الإيرانية، وقال: نتوقع رؤية أبحاث جيدة وإنجازات في هذه الفترة.

وصرح في اجتماع بحثي حول موضوع “التحقيق في القواسم الموسيقية المشتركة بين إيران وآسيا الوسطى” في جرجان ، يوم الاثنين: سيتم أيضاً في هذا المهرجان، النظر في كلمتين رئيسيتين هما “إيران الثقافية” و “العالم الإسلامي”. كاستراتيجيات وبرامج.

ومن جهته قال المدير العام لمكتب الموسيقى بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي محمد اله ياري فومني: إن “موسيقى مناطق إيران هي كنز روحي ثمين وأحد المظاهر التعبيرية والغنية لمناطق إيران. التنوع الثقافي والتعددية، وهي قديمة قدم وجود الشعوب الإيرانية القديمة الذي يعطي الهوية”.

حرية الأعراق الإيرانية في الموسيقى

والشيء الملفت للإنتباه في هذا المهرجان، هو أنموذج من نشاطات المجموعات الإيرانية ومن الأعراق المختلفة، بمختلف موسيقاهم، من الموسيقى الكردية، التركمانية، الخراسانية، الآذرية، العربية، وموسيقى سيستان وبلوشستان وغيرها، على طوال العام، بحريّة، وكما ذكرنا، لكل منها نكهته الخاصة، حيث أن موسيقى الدف من الفرق الكردية، والموسيقى المازندرانية من خلال العزف على الآلات الموسيقية المحلية والتقليدية والسورنا، وغيرهم كلهم حاضرون في المهرجان، وكما قال وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي والمسؤولون الآخرون، هذا أنموذج للوحدة بين الأعراق والشعوب المختلف الإيرانية، كما أن رئيس فرقة الموسيقى الكوردستانية يعد مهرجان الموسيقى في المناطق أفضل فرصة لتقديم موسيقى المناطق والجماعات العرقية في إيران.

وتابع مرادي: وضع الاعداء خططا لإحداث فجوة بين الجماعات العرقية والديانات ، فإن تواجد الجماعات العرقية والديانات المختلفة معاً في هذا المهرجان هو علامة على وحدة وتضامن الأمة الإيرانية.