في كتاب للباحث الفلسطيني د.سلمان أبو ستة

التأكيد على أنّ حق العودة مقدس وقانوني وممكن

تكمن أهمية كتاب “حق العودة” لكونه يعتبر إحدى الوثائق الهامة التي تحوي معلومات عن الأراضي المحتلة من الصهاينة

2022-11-20

يواصل الفلسطينيون نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من سبعين عاماً من أجل انتزاع حقوقهم في العيش وفي الأرض، ومن أجل حق العودة إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم ومنازلهم منذ أن حصلت النكبة في العام 1948م والتي تمثلت في طرد الشعب الفلسطيني من أرضه واحتلالها، وتدمير قراه، وطمس تراثه.
وإلى جانب نضال المقاومة، التي تشهدها كل المناطق المحتلة فهناك نضال من نوعٍ آخر وهو التوثيق لكل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة في حق الفلسطينيين، والعمل على التأكيد المستمر على حق الفلسطينيين في كامل أراضيهم، وكذا حق العودة إلى تلك الأراضي التي هجر منها آباؤهم وأجدادهم بطريقة منظمة.
يأتي كتاب “حق العودة” للدكتور سلمان أبو ستة إحدى الوثائق الهامة التي سجل فيها بيانات ومعلومات عن الأراضي التي احتلها الصهاينة، وتأتي أهمية الكتاب لسببين الأول: إنّ سجلنا العربي عن النكبة ضعيف جداً، ولا توجد اليوم إلا مذكرات وأوراق هنا وهناك، ربما كانت الهزيمة سبباُ في جزء من ذلك، أما الثاني: أن الحجج الإسرائيلية في مفاوضات اليوم حول الحقوق الفلسطينية تعتمد على أباطيل ثبت كذبها، ذكرها وفندها المؤلف في كتابه، عبر السجلات والوثائق، ولهذا لم تعد تصحيحاً للتاريخ فحسب، بل ضرورة لدحض المقولات الإسرائيلية التي تنكر بها حقوق الفلسطينيين ومنها حق العودة.

توثيق النكبة

أمضى أبوستة أكثر من أربعين عاماً ينقب عن أي معلومة حول فلسطين قبل قيام إسرائيل أو بعد ذلك. ولم تشمل المهمة التي أخذها على عاتقه تاريخ النكبة وتوثيق فلسطين فقط، بل ضمن أن “ذكريات وهوية الوطن لن تضيع أبدا”. بدأ أبوستة بالتوثيق مبكراً عندما عثر على مذكرات القائد التركي لمدينة بئر السبع، التي كانت تحت الحكم العثماني حينذاك، وتعود هذه الوثيقة للسنوات الأولى من القرن التاسع عشر،“من هنا بدا البحث ولم يتوقف أبداً من حينها” ويقول أبوستة “لقد ظللت أجمع كل مادة عن كل شبرٍ من وطني”.
ومن مؤلفاته أيضاً: أطلس فلسطين 1917-1966م، حق العودة مقدس وقانوني وممكن (2001)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طريق العودة، دليل المدن والقرى المهجرة والحالية والأماكن المقدسة في فلسطين (2007)، دار مؤسسة فلسطين للثقافة، سجل النكبة 1948 (2000)، مركز باحث للدراسات.

الاعتماد على المصادر الموثوقة للتأريخ

لقد اعتمد الدكتور سلمان أبوستة على العديد من المصادر والوثائق الموجودة والعديد من الدراسات وأنشأ سجلاً يحتوي على 532 محلة سكانية سواء كانت مدينة أو قرية أو قبيلة، والتي نزح أهلها أو طردوا خلال حرب عامي 1948 /1949م، محتويا على اسم المحلة باللغة العربية والانجليزية ورقمها في دراسة موريس والخالدي وهذه الدراسة، والقضاء الذي تقع فيه، وتاريخ النزوح وملاحظات عليه وإحداثياته الجغرافية وعدد سكانه ومساحة أراضيها والعملية العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بها والمدافعين عنها، إن وجدوا، والمذابح إن وجدت.
ويوضح الدكتور سلمان أبوستة أن السجلات بها معلومات لكل قرية بتسلسل زمني من حيث تاريخ النزوح، عدد سكان القرية، المجموع التراكمي للاجئين، العملية العسكرية الإسرائيلية التي طردتهم، المدن الرئيسية التي احتلت والمذابح التي ارتكبت.

عملية تدمير صهيوني ممنهج
وفي الكتاب يضع الدكتور سلمان أبوستة عدداً من الملاحظات الهامة منها أن الصهيونية بدأت عملية غزو فلسطين حسب خطة موضوعة ساعدهم في ذلك وجود الانتداب البريطاني على فلسطين، وأنّ كل مرحلة من مراحل الغزو الصهيوني كانت تفتتح بمذبحة تليها مذابح أخرى، حتى تم تسجيل 25 مذبحة، والمذبحة تعني القتل الجماعي للمدنيين عن عَمد.
وتم التأكيد من خلال الدراسات والسجلات التوثيقية إنّ عملية الطرد التي أصبح بموجبها الأهالي لاجئين هي عملية عسكرية منظمة، وليست عملية فردية أو عارضة نتيجة للحرب، وهي بذلك مسؤولية إسرائيل المباشرة وتقع تحت طائلة جرائم الحرب.

يقول المؤلف: “لقد احتلت إسرائيل مئات القرى والمدن واحتلت ملايين الدونمات من الحقول والحدائق، فبدأت عملية نهب واسعة النطاق ليس لها مثيل، وباعترافهم فقد تملكت الشعب اليهودي شهوة عارمة للنهب، كان الرجال والنساء، مجموعات وأفراد يهجمون كالطيور الجارحة على كل شيء لينهبوه : ملابس وأبواب وشبابيك وكراس وبلاط..”
ويضيف:” بدأت عملية تمير واسعة للقرى، لكن بقيت المدن العربية وأهملت ومنع إصلاحها أو ترميمها سكن فيها ثلث اليهود المهاجرين الجدد في العشر سنوات الأولى في القرى”.

حق العودة مقدس وقانوني 
تحت هذا العنوان يؤكد الدكتور سلمان أبوستة :: إنّ حق العودة قد أصبح لدى الفلسطينيين مقدساً وقانونياً بل وممكناَ فهو مقدس، لأنّه في وجدان كل فلسطيني، عاش على أمله خلال عقود، وتشرد في أنحاء الأرض وهو متمسك به، ومن أجله بـدأت حركة الفدائيين منذ الخمسينات، وأنشئت منظمة التحرير، وأنشئ المجلس الوطني، وسطر للميثاق الوطني، وأنشأت عشرات النقابات والهيئات للمعلمين والمهندسين والأطباء والمحامين والفنانين، عبر اقطار مختلفة من العالم”.

وهو قانوني فحق العودة مكفول بمواد “الميثاق العالمي لحقوق الإنسان”، ومنها مادة تقضي بحق كل مواطن في العيش في بلاده، أو تركها، أو العودة إليها. حق العـودة مرتبط بحق الملكية والانتفاع بها، والعيش على الأرض المملوكة. وحق الملكية لا يزول بالاحتلال، فلا يجوز انتزاع ملكية شخص من قبل سلطة احتلال.
وحق العودة أيضاً مكفول بحق تقرير المصير، وهو حق اعترفت بـه الأمم المتحدة عام 1946 “كمبدأ” و”كحق”، وقـد اعترفت الأمم المتحدة بتطبيقه صراحة على الشعب الفلسطيني منذ عام 1969م فصاعدا، بل إن الجمعية العامة ذهبت إلى حد الإقـرار بـأن للفلسطينيين الحق في الكفـاح المسلح لتنفيذه، لأنه مشروع، ومستند على مبدأ الدفاع عن النفس.

ختاماً يخاطب الدكتور سلمان أبوستة جميع الفلسطينيين بالقول: “أقول لأهلي وشعبي لا تجلسوا في انتظار الفرج، يكفينا انتظار سبعة عقود من الزمان، ولا تتطلعوا إلى معجزة من السماء وأنتم جالسون، لا تتطلعوا إلى دول العالم كي تنقلكم ولا تتطلعوا إلى قوة عظمى تعطف عليكم، أنظروا إلى أنفسكم أولا قبل الآخرين وانظروا إلى أفئدتكم لتعقدوا العزم على استرجاع الحق، وانظروا إلى عقولكم لكي تضع لكم الخطة والتنظيم لاسترجاع الحق وانظروا إلى أيديكم واجعلوها تعمل لهذا الهدف المقدس وسنعود إلى الوطن، فقط عندما نستحق العودة إليه”.

الثورة