تحتفل ايران في الثامن عشر من شهر ايلول/ سبتمبر 2020 باليوم الوطني للشعر والأدب الفارسي والذي يصادف الذكرى السنوية لوفاة الشاعر الايراني الكبير محمد حسين شهريار.
محمد حسين بهجت تبريزي المعروف بـ (شهريار)، شاعر ايراني شهير من مواليد قرية (خوشكناب) التابعة لناحية قرة جمن (بمحافظة أذربايجان الشرقية شمال غربي إيران) في 18 ايلول / سبتمبر عام 1906 م (1325 هـ.ق). وقد تزامنت ولادته مع أحداث الحركة الدستورية (المعروفة بالمشروطة) حيث كانت أذربايجان تعيش في وقتها حالة مواجهة بين مؤيدي هذه الحركة وبين مؤيدي الديكتاتورية.
كان والده رجلاً عارفاً ويمتاز بمهارته الكبيرة في فن الخط وإسمه آقا سيد اسماعيل موسوي المعروف بحاجي مير آقاي خوشكنابي، ويعمل محامياً في دائرة العدل بمدينة تبريز.
وأمضى شهريار طفولته في قريته التي تقع بجوار جبل جميل يعرف بإسم (حيدر بابا)، حيث إقترنت ذكريات طفولة شهريار بسفوح هذا الجبل الخلابة الجميلة، كما إستلهم من إسم هذا الجبل أحد روائعه الشعرية وهي قصيدة (حيدر بابايه سلام).
وتفتحت قريحة شهريار الشعرية عندما كان في الرابعة من عمره عندما بدأ ينظم قصائد شعرية باللغة التركية الآذرية.
ولم يكن يتجاوز الثالثة عشرة عندما إختار لنفسه لقباً شعرياً هو (بهجت) وبدأ في نشر قصائده في مجلة الادب. أنهى دراسته بمدرستي (متحدة) و(فيوضات) وإتجه إلى تعلم مبادىء اللغتين الفارسية والعربية تحت إشراف والده، كما أفصح في تلك المرحلة من حياته عن رغبته في تعلم فن الخط كما إتجه لفترة ما الى تعلم اللغة الفرنسية.
في العام 1921 غادر الى طهران لمتابعة دروسه في مدرسة (دار الفنون)، ثم إتجه إلى تعلم العزف على العود عند الاستاذ أبو الحسن صبا حيث إستحسن الأخير عزفه الى حد كبير وتأثر به. وفضلا عن العزف تمرن شهريار فترة من الزمن على الإنشاد على يد إقبال السلطان.
وبالتزامن مع كل ذلك بادر إلى دراسة علم الطب وتقدم في دراسته إلى أن بلغ السنة الأخيرة وكان طوال تلك الأعوام يحظى بدعم الجراح لقمان الملك. لكنه ترك الدراسة إثر خوضه مغامرة عاطفية كان لها كبير الأثر في نفسه إلى درجة إضطر معها الى ترك الدراسة رغم أن الفترة المتبقية لإنهائه دراسة الطب لم تكن تتجاوز الستة أشهر.
إن فشل المغامرة العاطفية أثرت في نفسية شهريار بحيث جعلته طريح فراش المرض. وفور سماعها بمرضه بادرت الفتاة التي أحبها إلى المجىء للقائه. وقد ألهمه هذا اللقاء نظم قصيدة غزلية رائعة أنشدها الاستاذ الفنان غلام حسين بنان بصوت عذب شجي.
بعد ذلك توجه شهريار الى خراسان لكي يتمكن من التغلب على ما عاناه من إحباط، وهناك إلتحق بوظيفة حكومية حيث عمل سنوات طويلة في دائرة تسجيل الوثائق بمدينة نيشابور ومن ثم في مدينة مشهد.
وكان في مدينة مشهد أن إلتقى بالرسام الايراني الكبير الاستاذ كمال الملك ونظم شعراً في وصفه. في عام 1936 إنتقل إلى طهران إثر وفاة والده، حيث عمل في المصرف الزراعي هناك.
وفي عام 1952 توفيت والدته، والذي إعتبره شهريار الحدث الأكثر مرارة في حياته حيث نظم قصيدة (واي أمي) مستلهماً كلماته من ذلك الحدث المؤلم.
كان شهريار من أوائل من أشادوا بشعر (نيما يوشيج) وذهب للقائه. وقد تبلور اللقاء فيما بعد على شكل علاقة صداقة متينة بين الاثنين.
من جهة أخرى جلبت قصيدة (حيدر باباية) التي كان قد نظمها باللغة الآذرية شهرة واسعة تجاوزت حدود ايران. وكان شهريار قبل ذلك قد أصدر أول كتاب شعري له في عام 1929، والذي قدم له كل من ملك الشعراء بهار وسعيد نفيسي وبجمان بختياري مشيدين به.
شهريار الذي كان قد اختار لنفسه في البداية الاسم الشعري (بهجت)، غيرّه فيما بعد الى (شهريار) بعد التفأل بديوان الشاعر حافظ.
كان في تلك الفترة يسكن في محافظة أذربايجان وعندما جاء إلى طهران عام 1971 حظي بإطراء وتكريم كبيرين من قبل الأدباء والأساتذة ليتبوأ مكانة رفيعة في عالم الأدب. في عام 1975 رحلت زوجته عن الدنيا.
وبعد فترة اعتبرته جامعة تبريز أحد حراس الشعر والادب الفارسي مانحة إياه شهادة دكتوراه فخرية. وفي عام 1984 أقيمت مراسم تكريم رائعة على شرفه في مدينة تبريز.
كان شهريار يكتب الشعر بالأسلوب الكلاسيكي إلا أن أسلوبه في البيان ونمطه الشعري يعد دليلاً على حالة من التجدد في طبعه، كما أن صور الخيال الأخرى التي يتميز بها شعره تضفي عليه مظهراً لامعاً.
وتتسم قصائده باللغة الآذرية بمميزات خاصة وتحمل أفكاراً متجددة قلما يشاهد نظير لها عند الاخرين. لقد خلف شهريار ديواناُ يضم 15000 بيت شعري تشتمل على الغزل والقصيدة والقطعة والمثنوي كما إن شعره الآذري بلغ أكثر من3000 بيت.
توفي شهريار في 18 ايلول /سبتمبر عام 1987 بطهران بعد أن أدخل المستشفى بسبب المرض، ووري جثمانه الثرى في مقبرة الشعراء بتبريز الى جانب شعراء معروفين اخرين وذلك حسب وصيته.
وتكريماً لمكانته الرفيعة بادر المجلس الاعلى للثورة الثقافية إلى إطلاق اسم (اليوم الوطني للشعر والادب) على يوم وفاته رحمه الله.
الادب الفارسي
يعتبر الادب الفارسي من اعظم المدارس الادبية في العالم ويعد الشعراء الايرانيون كفردوسي وسعدي وحافظ وجلال الدين الرومي والخيام من اعظم الشعراء على مر التاريخ وقد امتزج هذا الادب بالادب العربي فأثر به وتأثّر منه …اليوم وبمناسبة اليوم الوطني للادب والشعر الفارسي سيكون لنا اطلالة على هذا الموضوع فتابعونا
الأدب الفارسي ظهر إلى الوجود في القرن التاسع الميلادي، وبخاصة في الجزء الشمالي الشرقي من إيران، بظهور اللغة الفارسية الحديثة.
وأقدم الأسماء التي يطالعنا بها هذا الأدب هي أسماء الرُّودَكي الذي يُلقَّب بـ”أبي الشعر الفارسي”، ودقيقي الذي نظم ملحمةً تغنّى فيها بمآثر أبطال الفرس الأسطوريين، والفردوسي صاحب “الشاهنامه” (أو كتاب الملوك).
وبعد هذه الطبقة من الشعراء ظهرت طبقة أخرى لاتقلّ عنها شأناً وأثراً. ومن نجوم هذه الطبقة فريد الدين العطار، وكان شاعراً صوفياً، ومولانا جلال الدين المولوي الذي يُعتبر أعظم شعراء الحب الإلهي عند الايرانيين لقد حددت منظمة الأمم المتحدة يوم 30 سبتمبر/ ایلول يوماً عالمياً للاحتفال بالذكري السنوية لتكريم الشاعر والأديب والفقيه الايراني الكبير وأبياته المستلهمة من المصحف الشريف والأحاديث النبوية، ودورها في تحقيق التعايش السلمي بين الأمم. وسعدي الشيرازي صاحب “البستان” و”كلستان” وهو من أكثر الشعراء الایراني شعبية،وهو ملك الكلام وافصح المتكلمين الذي أنشد الشعر بالفارسیة والعربیة، وقدم نموذجا رائعا للوحدة الحضاریة بین الایرانیین والعرب.
وحافظ شيرازي الذي يُعدّ أعظم شعراء الفرس الغنائيين غير مُنازَع، وعمر الخيام الذي اشتهر برباعياته التي ترجمت إلى معظم لغات العالم، ونظامي الذي يُعتبر أعظم الشعراء الرومانتيكيين في الأدب الفارسي.
وتراث الفرس الأدبيّ، كما هو واضح، شعريّ في المقام الأول، وأثر الأدب العربي فيه عظيم إلى أبعد الحدود.