تواصل الفنانة المصرية أماني فهمي مسيرتها، من خلال طرح التساؤل الدائم عن معنى الجمال، بخامات وتكوينات مختلفة تبحث عن هذا الجمال، بواسطة علاقات بين مكونات الطبيعة، أو العالم الذي يحيط بالإنسان، ومنه يغيب الإنسان أو فكرة التشخيص في شكلها المباشر، لتصبح انعكاساً للكون كله على روحه ومدى إحساسه بما يحيطه أو بمعنى أدق بما يحتويه.
الأرض ومكوناتها والأجرام السماوية، حياة وعدم وثنائية تتواتر دوماً، ومنها يشعر الإنسان بوجوده. ربما تبدو الأفكار فلسفية ومعقدة بعض الشيء، لكن اللوحات تبدو أكثر بساطة وتعبيراً عن هذه الأفكار، من خلال إحساس المُتلقي بالألوان والتكوينات وتقنية تنفيذها. جاء المعرض بعنوان (يوم آخر) وأقيم في قاعة الباب، في دار الأوبرا المصرية.
ومن العنوان يبدو التساؤل عن الأيام أو الحياة السابقة، وهنا يصبح اليوم الآخر هو ناتج هذه الأيام والمختلف عنها أيضاً في الوقت نفسه، هذا الاختلاف هو الذي يجمع المتناقضات بين السماوات/الفضاء والأرض، لكن هذا التناقض الظاهر تنفيه حالة التواصل والتناغم بين العالمين، ومنه يصبح الإنسان أو المتأمل لهذا الكون هو نفسه محصلة كل شيء، وهو ما ينفي في الوقت نفسه، وهم سيطرة الإنسان أو أنه مركز الكون، فهو جزء من كل، لن يكتمل الكون دونه، لكنه ليس أساساً لهذا الكون، فهو مجرد عنصر، وعليه أن يتسم بالتواضع، وأن يتأمل ذاته وفق هذا المنطق. ربما يكون هناك يوم آخر، ليرى الإنسان نفسه على صورتها الصحيحة من وجهة النظر الفنية والجمالية.
الأسود والرمادي هو المسيطر على أغلب اللوحات، وهي ألوان تجسد حالة الكون الأولى إن جاز التعبير قبل انفصال الأرض عن السماء، وفق الأساطير أو القصص الديني، سديم وغبار، لكن في الوقت نفسه ـ حالة التضاد أو المفارقة المزمنة ـ هناك لمحات من ضوء ساطع، أو لون مختلف على صغره مقارنة بألوان اللوحة المسيطرة، يبدو تفرده وتأكيد وجوده، ربما تجسيد لحالة المعرفة، لكنها بما أنها (معرفة) فهي متواضعة وتعرف وجودها جيداً، ومن هنا تكمن قيمتها، أو تحقق ذاتها. وفي الأخير تصبح اللوحات عبارة عن حالات شعورية متناغمة تنفي التشخيص وتؤكد وجوده في آن معًا ما يجعلها قابلة للعديد من التأويلات، كحالة فلسفية في المقام الأول.