الولايات المتحدة وغزوها لليبيا

مجزرة لوكربي كانت مسرحيّة أمريكيّة

كُلّ الدّلائل تُشير إلى أن مجزرة لوكربي كانت مسرحيّة أمريكيّة مُفبركة لإسقاط النظام الليبي بعد تجريده من أسلحة الدّمار الشّامل

2022-12-17

عبدالباري عطوان

إقدام المُخابرات الأمريكيّة على خطف المُواطن الليبي محمد سعود أبو عجيلة وتهريبه من سجنه إلى الولايات المتحدة بتُهمة تورّطه في الهُجوم على ملهى ليلي في برلين كان يتردّد عليه الجُنود الأمريكيين عام 1986، وتصنيع، وتسليم القنبلة، التي جرى زرعها في طائرة بان أمريكان قبيل تفجيرها فوق مُقاطعة لوكربي الأسكتلنديّة عام 1988، هذا الخطف يُعتبر أبشع أنواع القرصنة، والنّكث بالعُهود والاتّفاقات، وإعادة فتح ملف جرى إغلاقه باتّفاقٍ دوليٍّ مُوثّق في مجلس الأمن، لأسبابٍ ما زالت غامضة، ويسود اعتقادٌ بأنّها مُحاولة ابتِزازٍ جديدةٍ لليبيا لم تتّضح معالمها بعد.

السيّد أبو عجيلة الذي كان مَسؤولًا في جهاز المُخابرات الليبي زمن حُكم العقيد معمر القذافي، جرى اعتِقاله عام 2011 وإيداعه في السّجن بتحريضٍ أمريكيّ.

قضيّة لوكربي جرى إغلاقها كُلِّيًّا في 14 أب (أغسطس) عام 2008 بعد اتّفاقٍ نهائيٍّ مع الولايات المتحدة وليبيا، تخلّت بمُقتضاه عن برامجها ومعاملها النوويّة والكيماويّة وتسليمهما ومعدّاتهما إلى أمريكا، واعترف النظام الليبي في حينها بمسؤوليّته عن الحادث ودفع 2.7 مِليار دولار تعويضات لأُسَر الضّحايا بمُعدّل 10 ملايين دولار لكُل ضحيّة، أيّ أكثر عشر مرّات من التّعويض المُتّفق عليه دوليًّا، وسلّم النظام مُذكّرة رسميّة إلى مجلس الأمن الدّولي تتضمّن هذا الاعتِراف، وكان من أبرز شُروط التّسوية النهائيّة عدم التعرّض الأمريكي للنظام الليبي أو رُموزه، وخاصَّةً العقيد القذافي، ولكن بعد أن اطمأنّت القيادة الأمريكيّة في حينها إلى تفكيك المعامل النوويّة والكيماويّة والبيولوجيّة الليبيّة، ونقلها إلى الولايات المتحدة، نكثَتْ هذه القيادة الأمريكيّة بالوعود ومزّقت الاتّفاق وأرسلت طائرات حِلف الناتو لتدمير ليبيا وإسقاط نظامها وقتل العقيد القذافي وسحل جُثمانه، والاعتِداء عليه جنسيًّا، والتّمثيل بجُثّته ودفنه في مكانٍ مجهول.

كُلّ الدّلائل تُشير إلى أن مجزرة لوكربي كانت مسرحيّة أمريكيّة مُفبركة لإسقاط النظام الليبي بعد تجريده من أسلحة الدّمار الشّامل التي كانت في حوزته، بفرض الحِصار الخانِق، والحظْر الجوّي لتركيعه، ومن ثمّ الإجهاز عليه، فالصّناعي الألماني الذي ادّعى أنّه باعَ المُتفجّرات لليبيين تراجع عن شهادته، واعترف صاحب متجر الملابس في مالطا الذي زعم أن عبد الباسط المقرحي أحد المُتّهمين المُدانين اشتَرى الملابس التي تمّ العُثور عليها في الحقيبة القنبلة، أقرّ هو الآخَر من مكانه الجديد في أستراليا من تلقّي عدّة ملايين من الدّولارات كرَشْوةٍ مُقابل التّعاون مع المُخابرات وجِهات التّحقيق الأمريكيّة.

الولايات المتحدة غزت العِراق وليبيا ودمّرتهما، وأسقطت نظاميهما، بعد أن تأكّدت من تجريدهما من أسلحةِ الدّمار الشّامل في حوزتهما التي كانا يُريدانها درع حِماية من غدرها وطعناتها المسمومة في الظّهر، وها هي تستمرّ في حَلْبِ ليبيا وتعزيز خططها في تحويلها إلى دولةٍ فاشلةٍ تعمّها الفوضى والصّراعات والانقِسامات الداخليّة لأكثر من عشر سنوات مُنذ وعودها بتحويلها إلى جنّة للديمقراطيّة والرّخاء والاستِقرار واحتِرام حُقوق الإنسان.

المصدر: رأي اليوم