تخرج أجيال مستقبلهم غامض وآفاقهم ضبابية؛

ما تزال فرص التعيين تشكل عقبة اجتماعية لخريجي الشباب العربي

التعليم الجامعي بات لا يحقق طموح الملايين من الشباب في الالتحاق بالكليات، بل أنه صار يزهقها عقب التخرج

2022-12-18

الوفاق/ حسام رناسى/ يعجّ العالم العربي بحملة الشهادات العليا ولكل الاختصاصات والمجالات، لكن في الجانب الآخر وعلى مدى عقود، أصبحت الجامعات العربية مصنعاً هائلاً لفرق العاطلين عن العمل.  ويشكل الشباب نحو نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسجل الفئة العمرية الشبابية أعلى معدلات البطالة بين نظرائهم في العالم العربي. فيما لا تتناسب أنظمة التعليم والمناهج الحالية مع تطور سوق العمل والتغييرات في طبيعة العمل كونها لا تزود الشباب بالمهارات الأساسية اللازمة للنجاح في اقتصاد اليوم. وهذا بحسب البيان الصادر عن منظمة العمل الدولية، فالتغيير الحاصل في سوق العمل لم يترافق مع التغييرات التي تتماشى معه على صعيد الأنظمة التعليمية والتوجيهية.

على سبيل المثال، في نهاية عام 2021، ضخت الجامعات المصرية ثلاثة ملايين و339 ألف خريج وخريجة. يفترض أن تكون عملية الضخ مآلها سوق العمل. لكن واقع الحال يشير إلى تعدد مصبات الضخ الى المقاهي العامرة والبيوت المتخمة وأسواق العمل الهامشية والمؤقتة المتحولة الى مزمنة، ابتداء من أيمن (32 سنة) خريج كلية الآداب الذي يعمل في حسابات مطعم صغير، إلى رانيا (28 سنة) خريجة كلية سياحة وفنادق التي تعمل مشرفة في حضانة خاصة، إلى مستر أحمد (40 سنة) الذي تخرج في كلية العلوم بعدما فشل في الالتحاق بكلية الطب وأصبح مدرس كيمياء في “سنتر” للدروس الخصوصية، يكاد ينضح كل بيت في مصر بقصة طويلة حزينة عن ابن عزيز وكلية عتيقة ومستقبل سار عكس الاتجاه. وفي العراق ما تزال فرص التعيين في قطاعات الدولة تشكل عقبة أمام طموح الخريجيين الشباب، فهي إما قليلة لا تتناسب مع اعداد العاطلين أو أنها تجري بصورة متلكئة. وقد ذكر المحامي ياسر الدليمي بأن نسبة العاطلين من الخريجين في محافظة الانبار العراقية تجاوزت الـ60%. وفي محافظة نينوى لا تزال مشكلة التعيينات تشكل عائقا أمام فئة كبيرة من المجتمع الموصلي، فهنالك كثرة خريجين وقلة فرص عمل وتعيينات. أما في محافظة البصرة جنوب العراق، فأن اكثر من 60 الف عاطل عن العمل مسجلين لدى مكتب تشغيل العاطلين التابع لديوان المحافظة، بينهم عدد من حملة شهادات البكلوريوس والدبلوم، رغم ذلك، فقد صوّت مجلس الوزراء العراقي، أول تشرين الثاني من هذا العام ، على تعيين الخريجين الأوائل وحملة الشهادات العليا، وكذلك عدداً من موظفي العقود المؤقتة.

على هذا الأساس، ونظرا لعدم توفر فرص العمل بالشكل الكافي للخريجين سواء في مصر أو في العراق أو في أية دولة عربية أخرى، فأن التعليم الجامعي بات لا يحقق طموح الملايين من الشباب في الالتحاق بالكليات، بل أنه صار يزهقها عقب التخرج. فسواء أراد الطالب الالتحاق بكليات “البطالة” أو قاده حظه العاثر إليها أو أجبره مجموعه المتدني عليها، يبقى السؤال حول توقيت وتسريع وتوطيد العلاقة بين سوق العمل والدراسة الجامعية، ينتظر إجابات.

عبدالعزيز العبدالله من قطر كتب بهذا الشأن قائلاً: ” عندما نرى الطاقات الشبابية التي يعلوها الفرح في حفل التخرج، وقطفهم لثمار مجهوداتهم التي بذلوها في سنوات المراحل الدراسة كافة وانتهاءً بالحصول على الشهادة الجامعية، فلا شك أنها تتطلع بنشاطها وطاقاتها الإبداعية الحاضرة إلى الانخراط في سوق العمل كلٌ وفق مجال تخصصه، والمجال الذي يرى نفسه مبدعاً فيه، ليُصدم هذا الخريج بشهور وقد تكون سنوات مُحبطة في البحث عن العمل في سوق عمل يحمل شواغر هائلة، ولكن دون توظيف هذه الكوادر الجديدة “. أما الاعلامية ندى أيوب فقد أشارت الى أزمة الخريجين وعدم إيجاد فرص عمل لهم، قائلة: “مُربكة هي تداعيات الأزمة لطلاب يخوضون تجربتهم الأولى في الجامعة. فمع استفحال الأزمة التي ضيّقت الخيارات وفرص العمل، زاد التحدّي على سوق العمل، في ظل التراجع الكبير لقطاع الخدمات الذي يقوم عليه الاقتصاد اللبناني.” كما تتعدّد عوامل عجز استيعاب سوق العمل للكمّ الهائل من الخرّيجين، أبرزها عدم التجانس بين مهاراتهم والمتطلبات الوظيفية المعروضة نتيجة النقص في التوجيه التعليمي الحقيقي، الرسمي والخاص.

وفي المغرب، ذكرت دراسة بأن قابلية تشغيل خريجي الجامعة المغربية تعتبر إشكالية اجتماعية واقتصادية، وهي رغم محاولات الإصلاحات التي تم اتخاذها فإن الجامعة ما تزال تساهم في بطالة الخريجين، الذين يصبحون عاجزين عن ولوج سوق الشغل حين ينهون تكوينهم. خالد الحارثي من السعودية، أضاف: “فيما تنتشر العيادات الخاصة لطب الأسنان في كل مكان، وتكتظ ردهاتها بالمراجعين على مدار الساعة، يستمر خريجو وخريجات طب الأسنان السعوديين «عاطلين» رغم حملهم شهادات عالية في التخصص الذي يعاني نقصاً كبيراً في الأطباء داخل المراكز والمستشفيات الحكومية، وتمتد مواعيده لأشهر حتى أصبح علاج الأسنان في تلك المستشفيات ضرباً من الخيال، ويضطر المراجعون لارتياد المستوصفات والمستشفيات الخاصة لإيجاد الحل، لكنه حل يلهب جيوبهم.

أخيراً، أشار الكاتب محمد العوين بالقول: تظل حاجة المجتمع ضرورية الى خطط التنمية وسعي الدولة إلى تقليص حجم البطالة بالسرعة الممكنة وإتاحة فرص وظيفية جديدة أمام آلاف الخريجين كل سنة في المهن والتخصصات التي ما يزال مجتمعنا في حاجة ماسة لها، كالطب والهندسة وتقنيات النانو والتخصصات الصناعية، لكن مع الاسف، فأن عدداً كبيراً من جامعاتنا ما تزال تسير على منهجها القديم الذي أُنشئت عليه قبل 60 سنة دون أن تراعي القفزات والتحولات التنموية التي يمر بها العالم.