تخصيص أفضل المجالات لها؛

عدم إيلاء البحوث الاجتماعية الأهمية الكافية في العالم العربي

الوفاق/ حسام رناسى/ طالما خصص باحثون جلّ أوقاتهم لتقديم أفضل الدراسات والمقالات التي تراعي وتوضح مدى إيلاء الظواهر الاجتماعية بشقيها السلبي والايجابي، الأهمية الكبيرة لها، لأجل تحديد النقاط المفصلية والجوهرية التي تحاكي ظروف المواطنين، والتي في ذات الوقت تفرض حالة العلاج والمتابعة لضمان مستقبل مجتمعي يتميز بتماسك قوي وراسخ بعقائده ومبادئه دون خلل يذكر.

2022-12-20

عليه، فأن تلك الدراسات التي تعنى بتقديم بحوثها الاجتماعية، تتطلب جهوداً أخرى ثانية، لا للاطلاع عليها فقط أو قراءتها من باب الفضول إن صح التعبير. إنما لأجل تنفيذ مضامينها والاستفادة مما جاء فيها من أفكار أو مقترحات لم تُسطر عبثاً من قبل كاتبيها أو مؤلفيها. هذا يعني، أنه ولكي تكون تلك البحوث الاجتماعية المقدمة لأية شريحة في المجتمع، ذات فائدة أعم وأشمل، لابد من وقوع التفحص والتمحص إزاءها وبيان تفاصيلها بدقة، وجعلها في متناول التنفيذ الفوري ودون تردد.

بكل تأكيد فأن أهداف البحث الاجتماعي متعددة، تتمحور بالدرجة الأولى في تسجيل البيانات التي تخص البحث، لمعرفة طبيعة العلاقات في المجتمع وخصائصها ومواطن الخلل. كما يؤدي البحث الاجتماعي الى اكتساب معرفة جديدة إزاء بعض الظواهر والمتغيرات وضرورة وضع الحلول لها. وهذا بدوره يقودنا الى  تفسير بأن البحث الاجتماعي سوف يسير بنا الى اكتشافات جديدة تحددها المعلومات والحقائق المثبتة فيه، هذه الاكتشافات ستكون هي الحلّ الامثل والأنجع إزاء المشاكل المجتمعية بشكل عام.

لكن وللأسف، فأنه، وفي العالم العربي تحديداً، لا تزال غالبية البحوث الاجتماعية المقدمة والمرسلة الى كافة الجهات ذات العلاقة، لم تلق ذلك الاهتمام الكافي والواسع لأجل التنفيذ. والدليل هو ما تشهده مجتمعات العالم العربي لحد الان، من معوقات عدة تقف باستمرار في طريق تحقيق مستقبل مجتمعي مرّفه أكثر أو يتمتع بأفضل الخدمات والتأمينات والضمانات المؤسساتية. فالسبب في تأخر العالم العربي عموماً، وبالنسب المتفاوتة دون شك، تأخره في تأمين أفضل الخدمات وما شابهها للمواطنين، يعود الى جملة أسباب لخصتها بشكل موجز الاعلامية مريم فيلالي، التي كتبت تقول بما معناه: ” هناك صعوبات ومعوقات تعترض البحوث بشكل عام، منها عقبات إدارية التي تعيق المشاريع الخاصة بالبحوث، إضافة الى ضعف الميزانية المخصصة لتنفيذ خطوات البحوث والمشاريع البحثية، ناهيك عن غياب الشراكة الفعلية للتنفيذ بين المؤسسات وصاحب البحث. كذلك من بين الاسباب الاخرى، هي نقص الكوادر والمهارات الفنية البحثية ونقص المكتبات الالكترونية التي توصف بأنها مرجعية علمية. أضف الى ذلك، إنشغال أكثر الباحثين بالأسرة وظروف معيشتها، والاهم من كل هذا وذاك، هو غياب التشجيع والمساندة من قبل المجتمع ذاته.

وقد أضافت ميلالي قائلة: ” إن المرجعيات الغربية للعلوم الاجتماعية أعاقت تطور العلوم والبحوث في الدول العربية، وأحدثت زعزعة في ثقة العرب والمسلمين بعلومهم وتحولهم إلى التقليد المنهجي العلمي للغرب دون تمحيص أو تبصر، مع أن ثقافة المجتمع العربي وعاداته وثقافته ودينه لا يتطابق مع المجتمع الغربي، كما نجد الجيل الأول من الباحثين العرب والدارسين الأوائل لعلم الاجتماع ومدى تأثير الغرب على تكوينهم وتشكيل وعيهم بحكم دراساتهم في الجامعات الغربية، قد حاولوا أن يطبقوا ما درسوه من نظريات على مجتمعاتهم العربية والتي تختلف في تركيباتها عن المجتمعات الغربية”.

يقول الدكتور نبيل السمالوطي عميد كلية الدراسات الإنسانية السابق بجامعة الازهر: إن البحوث العلمية الاجتماعية ترتبط بالتنمية البشرية ومدى قدراتها على تملك أدوات التفكير ومعالجة قضايا الحياة العملية بمنهجية وفكر منظم، ويقع داخل هذا الإطار مدى قدرة المجتمع على تنمية قدرات الأطفال ومن ثم صغار السن والشباب بحيث يصبحون محبين للبحوث، وقادرين على الإبداع والابتكار، بحيث يصبح لديهم القدرة على التعامل مع تطبيقات العلوم البحثية. مضيفا في هذا المجال: “يُنظر اليوم إلى مراكز الأبحاث على أنها المرآة التي تعكس اهتمام الأمم بالعلم والمعرفة، كما أنها تُعتبر مراكز لإنتاج وصناعة الأفكار. ولأن المعركة اليوم هي معركة أفكار بالمقام الأول، فلابد للأمة الإسلامية أن تولي اهتمامًا لكل ما يعين على إنتاج الأفكار وصناعة الوعي والمعرفة”. مشيراً أيضاً الى أن إنشاء المراكز البحثية من شأنها أن تساهم في تراكم المعارف وحفظ تراث الأمة ومنجزاتها المعرفية، فحفظ المنجز الفكري والاجتماعي لمجتمع ما هو إلا ممارسة واعية بالتحولات والتطورات التي تحصل في المجتمع، وهي بذات الوقت تكون عملية هادفة لتأكيد ذاكرة المجتمع الحضارية. ولذلك يحتاج العالم العربي والإسلامي إلى مراكز ومؤسسات تهتم بالبحوث وبصناعة الأفكار والمعارف.