المهندس محمد مهدي ابن الشهيد تندغويان للوفاق:

حياة الشهيد كانت مليئة بالنضال قبل الثورة وبعد انتصارها

كانت جميع أنشطة الشهيد تندغويان لدعم الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني(قدس)، وكذلك تحركاته في المنتدى الإسلامي للطلاب في جامعة النفط التكنولوجية في مدينة آبادان

2022-12-21

عبير شمص

صادف يوم أمس يوم تكريم وزير النفط في حكومة الرئيس الإيراني الشهيد محمد علي رجائي الشهيد محمد جواد تندغويان الذي أُسر على يد القوات التابعة للنظام الصدامي البائد وبهذه المناسبة أجرت جريدة الوفاق لقاء مع ولده الأستاذ محمد مهدي تندغويان، الذي تحدث فيه عن حياة وكيفية أسر واستشهاد والده، وهذا نص الحوار:

 

لو سمحتم تعطونا نبذة عن حياة الشهيد من جهة العائلة والتعليم والعمل؟

ولد الشهيد محمد جواد تندغويان، وزير النفط الثاني للجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 1950 م في منطقة خاني آباد في طهران. نشأ وترعرع في كنف عائلة تقليدية ومتدينة، كان الوالد تاجراً في سوق طهران، درس في المدرسة الجعفرية الإسلامية وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية نال القبول في خمس أو ست جامعات بسبب قوّته العلمیة وذكائه منها جامعة” مصرف سبه” واحتل المركز الثالث بين المشاركين في الاختبار الذي أجرته الجامعة، مما سمح له بالحصول على منحة دراسية لمتابعة الدراسة في أوروبا ولكن لم يسمحوا له بالسفر، فقد طرحوا عليه سؤالا ًحول كيفية تصرفه عند لقائه مع إمرأة غير متحجبة في أوروبا ؟ فكان جوابه : ” أحاول أن أغض بصري”، ولذلك رفضوا إعطائه المنحة رغم استحقاقه لها، وقيل له أنت من المتشددين. لذلك فضّل الشهيد أن يدرس في جامعة النفط التكنولوجية في مدينة آبادان وحصل على درجة البكالوريوس منها.

ما هي الفعاليات العلمية والسياسية والاجتماعية التي شارك فيها الشهيد قبل انتصار الثورة الإسلامية، وكيف كانت علاقته بقادة الثورة؟

طوال دراسته في جامعة النفط التكنولوجية بذل الشهيد كل جهده في تثقيف الطلاب عبر القيام بأنشطة ثقافية وسياسية بشكلٍ مستمر. تعرف على الإمام الخميني(قدس) عبر عائلته، وبدأ تقليده منذ سن التكليف وأسسس المنتدى الإسلامي للطلاب في الجامعة بينما كان يترأس كليته عميداً بهائياً منتمياً إلى منظمة السافاك الاستخباراتية، وفي ظل هذه الأجواء المخيفة  لأي متدين كان يدرس في الجامعة، عمل الشهيد على دعوة العلماء أمثال الشهيد مطهري والعلامة محمد تقي جعفري والدكتور علي شريعتي إلى إلقاء المحاضرات في الجامعة، وقد ساهمت تلك المحاضرات في تأليف بعض الكتب مثل كتاب “أربعة أناس” للدكتور شريعتي. تسببت هذه الأنشطة في زيادة الضغط على الشهيد ففرضت عليه الجامعة دفع مبلغ كبير لها  بينما لم يكن يتوجب عليه دفع أي مبلغ بسبب درجاته العلمية المرتفعة.

 كيف وصل إلى وزارة النفط وماذا فعل خلال وزارته؟

بعد تخرجه من كلية آبادان للنفط في اختصاص هندسة النفط، اتجه للعمل في مصفاة النفط في طهران التي تم اعتقاله فيها بعد فترة بسبب استمراره بأنشطته السياسية وذلك في عام 1974 بناءً على تقارير منظمة السافاك، وحُكم عليه بالسجن إحدى عشر شهرًا. تعرض خلالها للتعذيب الشديد والوحشي، فقد قاموا بثقب قدمه بالمثقاب وعند تسلمنا رفاة الوالد من العراق بعد الحرب استطعنا التعرف عليه عبر الثقب الموجود في قدمه، على الرغم من هذه الذكريات المؤلمة حملت فترة اعتقاله في إيران بعضاً من الذكريات الجميلة جداً التي رواها لنا مرافقوه في السجن وسمعتها منهم فقد أخبروني بأنه لم يتخل عن الصلاة والأحكام في كل أوقاته، وكان يهتم بالمناظرات العلمية مع المخالفين له في العقيدة والفكر، ومن الذكريات المميزة أيضاً إعلان حراس السجن عن حظر الصلاة في السجن حتى الفردية منها، فكان بعض السجناء يصلون سرا ًحتى لا يتعرضون للعقاب والتعذيب ولكن الشهيد جمع كل السجناء حتى اليساريين الذين لم يلتزموا بالأحكام الشرعية لكي يصلوا صلاة الجماعة، وعلى إثر هذه المبادرة تعرض لتعذيبٍ شديد سالت بسببه دماء غزيرة من جسده من شدة الضرب بالأسواط التي تلقاها كما أخبرنا أحدهم.

كانت جميع أنشطته لدعم الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني(قدس)، وكذلك تحركاته في المنتدى الإسلامي للطلاب في جامعة النفط التكنولوجية في مدينة آبادان، بعد إطلاق سراحه  من السجن تم فصله ومنع من العمل في صناعة النفط بسبب أنشطته السياسية، ولم تمنحه الجامعة شهادة البكالوريوس، كذلك أُجبر بناءً على القانون في تلك الفترة على الالتحاق بالجيش (التجنيد الإجباري)، ومن ثّم نُفي إلى مدينة شيراز مما أدى الى ابتعاده عن عائلته، فهو كان قد تزوج سابقاً وكانت عائلته تقيم في طهران، لم يرني والدي إلاّ بعد مرور سبعة أشهر بعد ولادتي، لقد مرت حياة والدي بمشاكل اقتصادية صعبة جداً إلى الحد الذي أُجبر فيه على العمل كسائق  لسيارة أجرة. وفي أواخر العهد البهلوي عمل الشهيد في مصنع توشيبا الذي كان يقع في مدينة رشت في محافظة جيلان بعيداً عن أعين السافاك واستمر آنذاك بدراسته الجامعية وتمكن من الحصول على شهادة الماجستير في اختصاص الإدارة التجارية من جامعة icns التي كانت تعتبر فرعاً لجامعة أكسفورد البريطانية. وبعد انتصار الثورة الإسلامية ترأس مصنع توشيبا بتأييد مهندسي وعمال المصنع.

كيف  كان أسلوب إدارته في وزارة النفط وما سبب ذهابه إلى حقل النفط وما كان رد فعل الأسرة على هذا القرار؟

بعد استعادة وزارة النفط نشاطها طُلب منه تسلم مهام ومسؤولية في الوزارة وتولي رئاسة المناطق النفظية في المناطق الجنوبية من إيران، إذ اقترح رئيس الوزراء حينها الشهيد “محمد علي رجائي” على مجلس الشورى الإسلامي ترشيحه لمنصب وزير النفط، وتم تعيينه في منصب وزير النفط بأغلبية الأصوات، وعند استلام منصبه كان الشهيد أصغر الوزراء سناً ليس في حينه فقط بل في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى اليوم إذ كان يبلغ من العمر حينذاك 29 عاماً، وكان يملك العديد من خطط العمل في الوزارة ولكن خططه تعرضت لتغييرات كثيرة بسبب بدء الحرب المفروضة على إيران وكانت مدة عمله في الوزارة لا تتعدى الأربعين يوماً، وكان في هذه الفترة الزمنية القليلة دائم التردد بين العاصمة والمناطق النفطية التي تقع في المناطق الأمامية والمتقدمة في الجبهة، وذلك بهدف تنفيذ عدد من المشاريع النفطية منها تنظيف المحطات النفطية من المواد السامة التي لو بقيت في المصافي أثناء القصف لأضرت بحياة المواطنين، لذلك وضع خططاً لنقل هذه المخازن النفطية من هذه المناطق إلى مناطق أكثر أمناً، وقد نفذ ذلك فنرى كل هذه المخازن النفطية التي بناها والتي ما زالت إلى الآن متواجدة في المحافظات الشمالية والشرقية من إيران.

كيف تم أسره، وما هي المدة التي أمضاها في الأسر أرجو أن تشرح لنا قصة أسره حتى استشهاده؟

اصطحبني والدي في واحدة من زياراته التي اعتاد عليها لتلك المنطقة، فتوجهنا في خريف العام 1981 إلى مدينة آبادان التي كانت تتعرض للقصف وكانت هذه الزيارة قبل عشرة أيام من رحلته التي أُسر بها، حينها كان عمري ست سنوات وسبب اصطحابه لي طمأنة المهندسين والعمال في المحطات النفطية وعوائلهم بأنه لا يفرق بين أهله وأهلهم.

في آخر زيارة للمنطقة، بينما لم يمر أكثر من 40 يومًا على وزارته، أُسر بالقرب من مصفاة آبادان وبالتحديد في منطقة ” قفاس” على أيدي القوات العراقية الذين كانوا قد أعدوا كميناً له بعد معرفتهم بمجيئه إلى المنطقة عبر جواسيسهم الموجودين في المنطقة، وبناءً على متابعتنا لأخبار الشهيد عبر المنظمات والأسرى المرافقين له علمنا أنه كان حياً يرزق إلى ما بعد نهاية الحرب في العراق لأن هناك أسرى كويتيين يشهدون بوجوده في سجنٍ انفرادي منفصل عن بقية المعتقلين، ولكن لم يسمح النظام العراقي البائد لمنظمة الصليب الأحمر الدولي بلقائه، بقي الشهيد خلال إحدى عشر سنة قضاها في المعتقل وحيداً وحتى لم يسمح لمعاونيه في الوزارة الذين اعتقلوا معه بلقائه، كذلك تبين لنا بناءً على الآثار التي وجدت على الرفاة التي تسلمناها خضوعه للتعذيب الشديد الذي استشهد جرّاءه في عام 1990م، وقد تسلمنا الجثمان في العام نفسه مما سمح لرؤية هذه الآثار على الجثمان بشكلٍ واضح والتي تثبت وتؤكد طريقة وسبب الاستشهاد. وفي نهاية المطاف وبعد مضي أحد عشر عاماً على استشهاده، تم نقل الجثمان الطاهر للشهيد إلى مقبرة ” بهشت زهراء ” ( جنة الزهراء ) في طهران.

في كل هذه السنوات حاولت جاهداً الحصول على مستندات عن سنوات أسره ولكن حتى الآن لم أوفق ولهذا السبب نحن لا نستطيع تقديم رواية كاملة وواضحة عما جرى على الشهيد في تلك السنوات، فأغلبية ما وصلنا عن الشهيد رواه الأسرى في سجون النظام الصدامي البائد الذين رافقوه في فترات قصيرة المدة أو من الأشخاص الذين شاهدوه في المستشفى لمعالجته  من آثار التعذيب الشديد الذي تعرض له، والجدير ذكره إنّ الشهيد أُسر في عمر29 سنة واستشهد في عمر الأربعين عاماً.

أختم بالقول بأنّ حياة الشهيد كانت مليئة بالنضال قبل انتصار الثورة الاسلامية مع نظام الشاه البائد وبعد انتصار الثورة مع النظام الصدامي المجرم، والجدير بالذكر إنّ أصغر أخواتي ولدت بعد أسر أبي ولم يلتقيا أبداً، لقد استمر بمراسلتنا حتى عام 1983 وفي آخر رسالة أعلن فيها عن عدم رغبته في استمرار هذه المراسلات بيننا وبينه، ويرجع سبب ذلك إلى حالة الضغط التي كان يعيشها إذ طلب منه العراقيون لاستمرار المراسلات تقديم معلومات عن الحكومة الإيرانية ومؤسساتها ولكنه رفض ذلك.