الخبيرة الاجتماعية ليلى صالح للوفاق:

الحوار الهادئ والهادف ضروري لاستيعاب الشباب

علاج الخوف الاجتماعي يبدأ من الأسرة في تعزيزها وتنشئة أفرادها وفق قيم تنسجم مع الفطرة الإنسانية،

2022-12-23

يعتبر القلق الاجتماعي من المشاكل النفسية التي تُلاحظ بكثرة عند الشباب واليافعين وله تأثير عميق على حالتهم النفسية وتقدمهم الأكاديمي. والخوف الاجتماعي لدى الشباب بأنه خوف محدد ومزمن من موقف أو أكثر من المواقف الاجتماعية التي يرى فيها الشخص نفسه خاضعاً للتدقيق من قبل الآخرين ويخشى أن يفعل شيئاً يسبب الإحراج، الاطفال والشباب الذين يعانون من القلق الاجتماعي لا يرغبون في بدء علاقة مع الآخرين ويشعرون بخوف غير عادي، يتجنبون أي موقف قد يعرضهم لحكم الآخرين. يشعر هؤلاء الأشخاص بالحرج والغضب عند التحدث مع الآخرين. وهم قلقون بشأن ما يعتقده الآخرون عنهم ويشعرون بالقلق عند مقابلة أشخاص جدد والتحدث أمام مجموعة متعددة من الشباب، في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الخبيرة في علم الاجتماع ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:

ما هو الخوف الاجتماعي ونكران الذات عند الشباب؟

الخوف الاجتماعي هو حالة شعورية طبيعية يعيشها كل انسان في إطارها الطبيعي النسبي، وهي حاجة له إلى طلب  الاستقرار والأمان، من هنا اتت الآيات القرآنية تلبية لهذا المطلب في الأسرة، المودة والرحمة والسكن والطمانينة، بما هي حاجة مجتمعية عامة  لتأمين الأمن الاجتماعي وهو مقابل او نقيض الخوف الاجتماعي.

ويمكن لهذا الخوف أن يصل الى الحالة المرضية حين يعيش الفرد في اضطراب اجتماعي، واكثر هذه الحالات شيوعاً نشهدها في الاضطرابات الأسرية، وإن كنا نحتاج للأمن الاجتماعي في المجتمع الاّ أنه لا يصل الى حد المرض اذا كان الفرد يعيش حياة أسرية آمنة، والعكس صحيح، فإذا كان يعيش حياة أسرية مضطربة في مجتمع آمن لن يحصل على الأمن الاجتماعي، من هنا علاج الخوف الاجتماعي يبدأ من الأسرة في تعزيزها وتنشئة أفرادها وفق قيم تنسجم مع الفطرة الإنسانية، واكثر مرحلة تظهر فيها الاضطرابات النفسية التي منها الخوف الاجتماعي في مرحلة الشباب، وهي ليست مرحلة منفصلة عن المراحل السابقة بل هي نتاج لكل المراحل السابقة، من هنا تأتي مهمة الوالدين والمحيط الاجتماعي في تعزيز الامن الاجتماعي للشباب من خلال خطوات عدة منها:

* التعاطي باحترام مع الشباب وعدم تحقيرهم وتبخيس عملهم.

* تعزيز ثقتهم بأنفسهم من خلال تقدير أعمالهم الناجحة والفاشلة، الناجحة في تحفيزهم على الاستمرار، والفاشلة بانها درس وتجربة ليس اكثر او اقل والمهم الاستفادة والتعلم منها.

* مساعدتهم في تحمل مسؤوليات محددة كأن نكلفهم بأدوار اجتماعية بسيطة مساعدة منزلية او اهتمام باخوتهم او تلبية بعض الحاجات الأسرية مع تعزيز قيمة هذه الاعمال استعداداً في تحمل مسؤوليات في المجتمع.

* الحوار الهادئ والهادف الدائم معهم والانفتاح على حاجاتهم النفسية والعاطفية والمادية ومعالجتها بالمستطاع الممكن.

* تعزيز وفهم دوره في الحياة بأنه خليفة الله ويتحقق هذا الدور بتأديته تكليفه سواء كانت النتائج المادية ناجحة أم فاشلة.

الاهم من كل ما سبق تعزيز ثقتهم بالله وعدم اليأس أو القنوت من رحمته مهما كثرت الأخطاء فهو الغفور الرحيم، والثقة بانه في عين الله ولطفه ورحمته، فإذا قام الشاب بتكليفه الدنيوي والإلهي يصل الى السلام الداخلي الذي هو منشأ ومعبر للأمن الاجتماعي.

ما هي أسرار النجاح وما الفرق بين النجاح والفشل؟

تتعدد تعاريف النجاح وفق تعدد المباني المعرفية التي يحملها الإنسان للحياة وأهدافها، يعرف البعض النجاح بأنه السعادة التي يعيشها الانسان في موقع اجتماعي ما أو هدف يحققه في عمل او خيارات ويفخر به أمام أهله والأصدقاء.

الاّ أن النجاح والفشل هما حالتان لنتيجة سلوك، أو عمل، ولكنهما ليسا  كل الحياة، فكل فرد قد يمر في تجربة  ينجح في بعض مراحلها ويخفق في بعضها الآخر، المهم عدم الغفلة، في مراقبة نفسه الدائمة حيث يتعلم من تجاربه ليستعد بمواجهة تحديات الحياة الاجتماعية.

وقد يتصف الناجحون بميزات عامة تميزهم عن غيرهم الاّ أن هذه الميزات ليست حكراً عليهم بل هي عبارة عن قابليات واستعدادت اجتماعية موجودة عند كل البشر، كل فرد تتفتح عنده هذه القابليات وفق ظروفه وبيئته الاجتماعية والفكرية التي تساهم في تفتحها وتفاعلها، فضلاً دور التنشىة الاجتماعية في تنمية الذات، وثقافة الفرد التي يحصل عليها من مبانيه المعرفية نفسه في تنمية ذاته، ما يمكننا من معرفة اعتبارات وسمات اجتماعية يتسم بها الناجحون أبرزها:

* الثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله تعالى، التي تتبعها الثقة بقدرة الفرد على القيام بعمله بنجاح بدون تردد او اضطراب.

* الانفتاح ومشورة الآخرين من أهل الخبرة والحكمة والبصيرة لأن المقدمات الصحيحة تؤدي الى نتائج صحيحة وهي تساهم في دراسة ممنهجة مسبقة لكل عمل او خيار.

* الاعتزاز بالعمل او النشاط او الخيار الذي يختاره وتقبل نتائجه الناجحة والفاشلة وتحمل مسؤوليتها مهما كان الثمن.

والنجاح لم يكن يوماً ما سحراً ولا مجهولاً لا يمكن إدراكه ومعرفته والوصول إليه، إنما هي النتيجة الطبيعية لتطبيقك المتواصل لمبادئ أساسية في الحياة، فمتى كان الهدف من العمل او الخيار واضحا مع دراسة المعطيات والإمكانات المادية والمعنوية لنجاح العمل حاضرة، لا بد من تحصيل النجاح.

وهذا الأداء من السهل تطبيقه في المؤسسات العامة والخاصة، أما في الأسرة فيحتاج إلى وعي وبصيرة وفهم للأهداف السامية التي تنشأ عليها الأسرة وتسعى في تحقيقها كما يستلزم دراية وافية لكل المعطيات المادية والمعنوية وإمكانية تفعيلها داخل الأسرة مما يصعب العمل، فالعمل في الأسرة يختلف عن العمل في مؤسسات المجتمع، فالاسرة مكون طبيعي شديد الحساسية، مفعم بالمعنويات، التعاطي معه يتم بشفافية وروحية عالية لأنه مركز بناء الإنسان الحضاري مادياً ومعنوياً. ولكن من الممكن تبقى هناك عثرات طبيعية في طريق النجاح، منها المشاعر السلبية المسبقة نتيجة الخوف من الفشل.

وانما هذه المشاعر طبيعية في حدود نسبية، منها اليقظة في إتمام العمل وعدم التهور، أما حين تصبح هذه المشاعر مصدر قلق يؤرق حالة الفرد عليه معالجتها بالعمل على تنمية الذات. واحدة من اساسيات تنمية الذات التغذية الراجحة وتقييم العمل وفق المعطيات الموجودة ومقارنتها بالهدف المطلوب كلها وسائل تحدد وجهة العمل وسبب الإخفاقات، ففي ميدان الأسرة على الطرفين (الزوج والزوجة) التحضير المسبق لمشروع الاسرة بمقدمات صحيحة وواضحة بين الطرفين.

كيف يمكن أن نوازن بين المشاعر والدوافع؟

الدافع هو شعور داخلي ينتاب كل إنسان تجاه عمل او موقف او سلوك يرغب بالإتيان به او يجحم عنه، هذا ما يجعله يختلط في مفهوم المشاعر الإنسانية. فالدافع ينتهج اتجاه موضوعي أكثر منه شعوري تجاه الإقدام للقيام بعمل محدد بوجود رغبة محفزة أو عدم الرغبة بالقيام وهو يستلزم وجود هدف واضح او غير مبهم لهذا الدافع، أما المشاعر او العواطف فهي أحاسيس تجاه أمر ما او موقف أو شخص مبنية على معتقدات وقيم مخزنة باللاشعور إلى حد يمكن ان ترتبط بتقييمات لا شعورية او لا إرادية، منها الشعور بمحبة شخص ما او الغضب، الظلم، الشعور بالذنب، فقدان القيمة وما إلى ذلك. فالتوازن بين الدوافع والمشاعر ترتبط في فهم حقيقة كل منهمها وكيفية التعامل معهما في المواقف المختلفة.

فالإنسان لديه نوعان من الدوافع داخلية وخارجية، بالنسبة للدوافع الخارجية فهي كثيرة بالمجمل، وهي محفز للانخراط في عمل أو نشاط معين يجد فيه الفرد المتعة والسلام الداخلي، او الحصول على الوفرة من مال ومكانة اجتماعية، أو حتى مجرد إعجاب الآخرين وتقديرهم لهذا العمل، المهم أن ارتدادات هذه الحالة تتدفق بشعور عميق من الداخل إلى الخارج  يساهم في تعزيز الثقة بالنفس والسلام الداخلي الذي هو جوهر ومحرك كل سلوكيات الفرد، مما يجعل الدوافع الداخلية من استقرار وقناعة ورضا هي الأهم في بناء شخصية الفرد، وأهمية الدوافع الداخلية تضعنا في أتون البحث الدائم عن تعزيزها وتقويتها بمباني معرفية واضحة وسليمة تحميها من الانحراف عن الفطرة الإنسانية السامة التي فطرنا الله عليها.

 

المصدر: الوفاق/خاص/سهامه مجلسي