في اجتماع بغداد 2:

غياب أزمات غرب آسيا

جدد المشاركون في اجتماع بغداد الثاني دعمهم للعراق لترسيخ دولة القانون، وتقوية الحكومة وخلق مؤسسات قادرة على دفع عجلة التقدم والإعمار مع احترام تطلعات الشعب.

2022-12-24

اجتمع مسؤولون من غرب آسيا وأوروبا في الأردن، الثلاثاء الماضي، لإيجاد حلول لتعزيز الأمن والاستقرار في العراق.
اختتم هذا الاجتماع الذي عُرف باجتماع “بغداد 2” أعماله بإصدار بيان، واتفق الأعضاء المشاركون على حل الأزمات في العراق والمنطقة. وناقش الحاضرون في هذا الاجتماع، توسيع آليات التعاون الإقليمي مع العراق في مختلف المجالات.
کما أكد المشاركون في هذا البيان أنهم سيواصلون التعاون البناء، بناءً على نتائج الجولة الأولى من هذا الاجتماع لدعم أمن العراق واستقراره. وأعلن المشاركون دعمهم للعراق في مواجهة التحديات، وأدانوا التطرف والإرهاب ودعموا جهود بغداد لتحقيق الاستقرار في الدستور، وتعزيز الحكم وبناء المؤسسات.
وأشار الأعضاء الحاضرون في هذا الاجتماع، في الوقت الذي يدعمون فيه جهود العراق من أجل التنمية الشاملة، إلى أن عقد الجولة الثانية من هذا الاجتماع يظهر الرغبة في دعم دور العراق المركزي في تطوير التعاون الاقتصادي الإقليمي.
وجدد المشاركون في اجتماع بغداد الثاني دعمهم للعراق لترسيخ دولة القانون، وتقوية الحكومة وخلق مؤسسات قادرة على دفع عجلة التقدم والإعمار مع احترام تطلعات الشعب.
إضافة إلى ذلك، أكد الحاضرون دعمهم لجهود العراق من أجل التنمية الشاملة، وأعربوا عن استعدادهم للتعاون مع بغداد في العديد من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والمياه والكهرباء والأمن الغذائي والصحة والنقل ومشاريع البنية التحتية وحماية المناخ. وفي هذا السياق، أكد الحاضرون على أهمية آلية التعاون وإطلاق مشاريع اقتصادية، وأهمها توصيل الكهرباء.
يأتي إعلان المشاركين تعاونهم مع العراق لإرساء الاستقرار ومحاربة الإرهاب، فيما أنهم لم يظهروا أي تحركات للحد من الأزمات في هذا البلد حتی الآن. حتى أنه في غضون عام ونصف العام منذ اجتماع بغداد الأول، زاد إرهابيو داعش من نطاق أنشطتهم. هذا في حين أن بعض هذه الدول الحاضرة في قمة بغداد تدعم داعش بالكامل، ولهذا السبب فإن الطريق إلى الاستقرار في هذا البلد صعب.
والقضية الأخرى هي القضية الاقتصادية، حيث تعهدت الدول بمساعدة البنية التحتية للعراق، ولكن في هذا الملف، لا نرى أي جدية من البلدان الإقليمية وعبر الإقليمية.
مشكلة الكهرباء من المشاكل الأساسية للعراق، الذي يحتاج إلى مساعدة وتعاون دول المنطقة ليتمكن من حل هذه المشكلة، لكن إيران هي الوحيدة التي تحرکت في هذا المجال، واللاعبون الآخرون في المنطقة دعموا بغداد في شکل إعلان موقف فقط.
وحسب الاتفاقات المبرمة العام الماضي، كان من المفترض أن توفر السعودية جزءًا من احتياجات العراق، لكن لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الصدد حتى الآن.
کما أن الإمارات وقطر من بين الدول الأخرى التي يتعين عليها توفير جزء من احتياجات العراق من الكهرباء بموجب الاتفاقيات، لكن هذه الدول لم تتوصل إلى النتيجة بعد، لأن أعضاء مجلس التعاون يتبعون السياسات السعودية في أي إجراء إقليمي، والسعودية لم تظهر الضوء الأخضر في هذا المجال حتی کتابة هذه السطور.
إعادة إعمار العراق أيضًا من الأمور التي تتطلب اهتمام الدول الأجنبية، لتعويض الدمار الذي أحدثه احتلال داعش، لكن القوى الإقليمية والدولية لم تساعد في عملية إعادة الإعمار، وثمة مبالغ محدودة فقط منحها المجتمع الدولي لبغداد، وهي مبالغ ضئيلة مقارنةً بـ 30 مليار دولار قدرتها الأمم المتحدة.
استقرار المنطقة
عقد اجتماع بغداد بهدف إرساء الاستقرار في العراق، تمهيداً لإحلال السلام في المنطقة. ولهذا الغرض، أكد على بعض المبادئ والتعاون الإقليمي.
وبناءً على ذلك، أكد المشاركون في الاجتماع علی أن تحقيق التنمية الاقتصادية ونجاح مشاريع التعاون الإقليمي يتطلب علاقات إقليمية بناءة، على أساس مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام القوانين الدولية وقبول الحوار كطريقة لحل الخلافات.
رغم أن الدول المشاركة تحدثت فقط بکلام عام حول استقرار المنطقة وركزت بشكل أكبر على العراق، ولکن تجدر الإشارة إلى أن غرب آسيا ليس العراق وحده، ليقال إن كل شيء سيكون على ما يرام مع إرساء الاستقرار في هذا البلد، وتحدث ممثل إيران عن القضايا الإقليمية المهمة الأخری بشكل جيد في هذا الاجتماع، حتى ينتبه الجميع إلى المشاكل التي تزعج الشعوب.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في کلمته في هذا الاجتماع: “نعتقد اعتقاداً راسخاً أن حل النزاعات القائمة في المنطقة وحل سوء التفاهم والخلافات والحد من التحديات المشتركة، يمكن أن يتم من خلال إجراء حوار بين دول المنطقة، ويمكننا تطوير هذا التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك”.
وأكد أمير عبد اللهيان: “من القضايا التي أصبحت تحدياً مشتركاً للعديد من دول المنطقة في السنوات الأخيرة، هي قضية العواصف الترابية، والتعامل معها يتطلب تعاوناً مشتركاً ويمكن أن يصبح حافزاً وأرضيةً للتفاعل والتعاون في المجالات الأخرى. كما أن المكانة الخاصة والقدرات الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة، بما في ذلك في مجال النقل والعبور بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، مع وجود ممرات نقل برية وبحرية لنقل البضائع والركاب، يمكن أن تخدم ازدهار المنطقة.”
كما أشار أمير عبد اللهيان إلى تهديدات الجماعات الإرهابية ضد وحدة أراضي إيران، وقال: “لا نتوقع أي تهديدات من الأراضي العراقية للجيران.”
تتحدث الدول الحاضرة في اجتماع بغداد 2 عن الاستقرار والتعاون في المنطقة، فيما أنه إضافة إلى العراق، حدثت ثلاث أزمات كبرى في غرب آسيا خلال العقد الماضي، وينبغي أن تحظى باهتمام خاص، لأنه ما لم يتم حل هذه الأزمات، لا يمكننا الحديث عن التعاون والسلام في المنطقة.
الحرب في اليمن، حيث إن أحد أطرافها الرئيسية أي السعودية والإمارات، هي أحد الأعضاء المشاركين في اجتماع بغداد، وفي السنوات الثماني الماضية ارتكبوا جميع أنواع الجرائم ضد الشعب اليمني المظلوم، وعلى الرغم من جهود أنصار الله لإنهاء الحرب، فإن التحالف المعتدي ليس لديه إرادة للسلام، وفي الأيام الأخيرة زاد من نطاق هجماته على مناطق مختلفة من اليمن.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة وأنصار الله حول الخسائر البشرية في هذا البلد، فإن الإحصائيات مروعة، حيث قتل أكثر من 150 ألف شخص، من بينهم ما يقرب من 5000 طفل من الضحايا. ويأتي اتهام السعودية لإيران بإثارة التوتر في الخليج الفارسي، فيما أنها، أي السعودية، کانت السبب الرئيسي للأزمات في العقد الماضي.
کذلك، تعتبر الأزمة في سوريا ولبنان مؤخرًا من بين الحالات التي يمكن أن يكون لانعدام الأمن فيها تأثير سلبي على دول المنطقة، والسعوديون أيضًا جزء من المشکلة في هذه الحالات.
من الواضح أن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ ثلاث سنوات، هي نتيجة التخريب الذي قامت به السعودية والولايات المتحدة وحتى فرنسا، والذي أوصل لبنان إلى هاوية التدمير الاقتصادي.
تنوي السعودية والحلفاء الغربيون وضع أدواتهم في السلطة في لبنان لإضعاف قوة حزب الله وإيران، ولهذا السبب يواصلون عقوباتهم على لبنان حتى يتحقق هذا الهدف. لذلك، على الدول المشارکة في اجتماع بغداد إبلاغ السعوديين والفرنسيين بآثار وعواقب استمرار الأزمة اللبنانية، حتى يجدوا حلاً للخروج من هذه الأزمة.
من ناحية أخرى، تعاني دول أخرى مثل مصر والأردن بشكل أو بآخر من أزمات اقتصادية وأمنية، والتغلب على هذه المشاكل يعتمد على التعاون المكثف بين الأعضاء.
قضية التوتر بين إيران والسعودية
رغم أنه كان متوقعاً أن تكون هناك اجتماعات بين مسؤولي طهران والرياض على هامش هذا الاجتماع لتكون مقدمةً لتطبيع العلاقات، إلا أنه لم تكن هناك خطة في هذا الصدد. وحتى السلطات السعودية اتهمت في تصريحاتها في الاجتماع إيران بشكل غير مباشر بالتدخل في العراق، بذريعة دعم أمن هذا البلد.
وفي هذا الصدد، صرح حسين أمير عبد اللهيان أن سياسة إيران هي تجنب الحرب ومحاولة استعادة الأمن والاستقرار، قائلاً: “نحن على استعداد لتطوير العلاقات مع جميع دول المنطقة، بما في ذلك الدول الصديقة على الساحل الجنوبي للخليج الفارسي.”
لکن، على الرغم من رغبة طهران في تحسين العلاقات مع الرياض، يواصل المسؤولون السعوديون دق طبول التوتر مع إيران، واستخدام كل منصة لاتهامها.
بدوره قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في اجتماع بغداد، إن الرياض تعارض بشدة أي تعدٍّ على الأراضي العراقية وتصفية حسابات شخصية في هذا البلد.
تصريح فرحان هذا يشير ضمنًا إلى الهجمات الإيرانية الأخيرة على مقار الجماعات الإرهابية في العراق، والتي عارضتها السلطات السعودية. هذا في حين أن السعوديين هم أكبر داعمين للجماعات الإرهابية في العراق، ويحاولون منع قوات المقاومة من الوصول إلى السلطة في العراق من خلال تقديم مساعدات مالية للتكفيريين.
في الإطار نفسه، أعلنت إيران بشكل متكرر عن استعدادها لاستئناف المفاوضات وتطبيع العلاقات مع السعودية، لكن السعوديين يواصلون إثارة التوتر.
أنهی اجتماع بغداد الثاني أعماله على غرار الاجتماع السابق، وأصدر بياناً أعلن فيه موافقته على المساعدة في إرساء الاستقرار والأمن وتعزيز البنية التحتية للعراق. لكن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستحل مشکلةً من مشاكل العراق، أم إنها ستنتهي العام المقبل بجولة أخرى بين الأعضاء وربما بمشاركة المزيد من الدول