تحت عنوان “غزة، محاولة طمس الذاكرة وقتل الكلمة”، نظّم “المنتدى الثقافي العربي لأجل فلسطين” مؤتمره الافتراضي الثاني، وذلك لتسليط الضوء على وضع قطاع الثقافة في غزة نتيجة عدوان الاحتلال. ويتمثّل ذلك في اغتيال الكتّاب والفنانين والصحافيين، وتدمير المؤسسات الثقافية والمنشآت التاريخية.
المؤتمر الذي نظّمه كلّ من عبير شاهين وحسان البلعاوي، وأداره الأخير، استضاف الفنان الخطاط أحمد داري، والباحثة الفرنسية ساندرا بارير، والكاتبة والقاصة أسماء الغول، والمؤرخ حسام أبو النصر، والمخرج الفرنسي المصري سمير عبد الله.
في كلمتها التقديمية، وضعت شاهين العدوان الإسرائيلي على القطاع الثقافي في سياق “سعي المستعمر وبشكل منهجي لزعزعة البنية التحتية الثقافية إما بالتدمير أو بالاستيلاء أو التملّك، أو بجعل ثقافة المحتَلّ أقلّ شأناً، كما بيّنه إدوارد سعيد في نظريته الاستشراق”، مؤكّدة “دور المثقّف إلى جانب إبداعاته بضرورة العمل على تفكيك هذه المنظومة المفروضة من المستعمِر ، لتكون إعادة تركيب وترميم ما هدم وما سلب وما همّش ممكناً وصلباً”.
من جانبه، شرح أحمد داري، المقيم في باريس، حيوية الثقافة الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي في حقول الثقافة كافة، والحضور القوي للمثقّفين الفلسطينيين على امتداد 4 أجيال في فلسطين وخارجها، حيث “استطاعوا فتح حوار غني مع المثقفين والمؤسسات الثقافية في العالم، ساهم في توضيح عدالة القضية الفلسطينية، الأمر الذي جعل الثقافة الفلسطينية بفاعليها ومؤسساتها هدفاً مستمراً لآلة القتل والدمار الإسرائيلية، وخاصة في غزة منذ 7 أكتوبر”.
وفي ردّها على سؤال وجّهته شاهين، ربطت ساندرا بارير، التي أنجزت دكتوراه عن الإنتاج الأدبي والفني الخاص بمجزرة صبرا وشاتيلا، ربطت بين جريمة صبرا وشاتيلا والجرائم المستمرة اليوم في غزة والتي ترمي إلى عمل إبادة ،حيث “تمارس قوة الاحتلال في الحالتين شيطنة الفلسطيني ونزع إنسانيته وتدمير ثقافته، وطمس أي شاهد على الجريمة التي ترتكبها، وحرمانه من أبسط حقوق الكرامة الإنسانية في دفن شهدائه”.
وأشارت الباحثة الفرنسية إلى أن “العنف الذي نراه اليوم في غزة ليس إلا جزءاً من سلسلة متصلة. وعلينا أن نتوقّف عند هذه النقطة إذا أردنا يوماً الخروج من هذه الدائرة الجهنمية”.
أما حسام أبو النصر، الذي تحدّث من رام الله، فأشار إلى أن استهداف المواقع الأثرية في فلسطين بدأها الاحتلال البريطاني قبل العام 1948، حيث قام بعض المستشرقين بعمليات تنقيب لربط اكتشافاتهم بالكتب المقدّسة.
وأوضح أنه بعد العام 1948 بدأت عملية التهويد وسرقة الآثار والأوابد التاريخية، ثم بعد العام 1967 بدأت عملية التدمير المستمرة حتى الآن.
وأضاف: “منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدّمت معطيات عن تدمير الاحتلال لأكثر من 100 مؤسسة ثقافية وتاريخية ودينية بشكل مباشر . كما تمّ استهداف 50 موقعاً من مساجد وكنائس، إضافة إلى اغتيال العشرات من العاملين في هذه المؤسسات، ودور نشر ومراكز الأرشيف. وقد فاق العدد المدمّر من هذه المؤسسات في غزة، ما تمّ في بلد ضخم مثل العراق خلال الغزو الأميركي”، منوّهاً بأنّ منظّمة “اليونسكو” لم تصدر بياناً بشأن قصف الاحتلال لهذه المواقع التاريخية.
من ناحيتها، رأت الكاتبة والقاصة أسماء الغول أن تعاطف الفنانين مع غزة “كان أقرب إلى رسائل خجولة لكسر هيمنة معسكر الاحتلال”، وأن “الفنان العربي لم يؤدِّ الدور الذي كان يجب أن يتقلّده بوصفه مؤثّراً منذ بداية العدوان على غزة، بل كان الفنان تابعاً للسياسي بدلاً من أن يكون مؤثّراً وملهماً”، مع إقرارها بوجود حالات تضامن فردية من الفنانين على وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى تضامن جماعي للفنانين العرب.
وأشادت الغول بتضامن عدد من نجوم هوليوود على الرغم من الضغوط الصهيونية.
أما المخرج الفرنسي المصري سمير عبد الله، والذي أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية عن الحروب الصهيونية على غزة، فتناول حملة “ليسوا أرقاماً”، التي أطلقها الشاعر الفلسطيني الشهيد في غزة رفعت العرعير، والتي تسعى من خلال المظاهرات التضامنية في العديد من المدن الفرنسية والأوروبية، إلى التعريف بأن الشهداء ليسوا مجرد أرقام، بل لهم وجود وقصص وحيوات يجب أن يتمّ تقديمها للرأي العام.
وأضاف عبد الله أن ما يحدث اليوم في غزة هو “محاولة صهيونية مدعومة من بعض المستويات الغربية لطمس القصة الإنسانية”.
وأعلنت شاهين في نهاية المؤتمر اعتزام “المنتدى الثقافي العربي لأجل فلسطين” تنظيم ندوتين: الأولى عن العمل الإنساني الدولي الداعم لغزة، والثانية عن معركة الإعلام، إضافة إلى السعي لتنظيم حدث ثقافي وجاهي في شمال فرنسا.يذكر أن “المنتدى الثقافي العربي لأجل فلسطين” تأسس في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023 من قبل عبير شاهين، وهي طبيبة لبنانية وناشطة بالحقل الثقافي في شمال فرنسا، وحسان البلعاوي، وهو دبلوماسي وكاتب فلسطيني مقيم في بلجيكا.
أ.ش