سامية حلبي... إنه زمن "صيد الساحرات"!

أميركا تصادر الفن الفلسطيني

دائماً ما كانت "حلبي" باحثة وناشطة سياسية لم تتردّد يوماً في إعلان مناهضتها للكيان الصهيوني، وتخصّص جزءاً من أعمالها الفنية لفلسطين وشعبها.

2024-01-16

ما عاد شيء يفاجئنا من الغرب. لقد عرّى «الطوفان» الجميع، وأسقط ورقة التوت عن المنظومة الأيديولوجية التابعة للسلطة على رأسها المؤسسات الأكاديمية والإعلامية التي دائماً ما نظّرت علينا في مجال حقوق الإنسان وحرية الفكر والتعبير. كل يوم يتعرّض مُبدع أو إعلامي للإقصاء بسبب قناعاته ومواقفه المناهضة للاستعمار الغربي الصهيوني في أرض فلسطين.

 

آخر ضحايا المكارثية المستجدّة الفنانة الفلسطينية الرائدة التي ألغت «جامعة إنديانا» معرضها الاستعادي بدعوى بوستاتها على مواقع التواصل.

 

حادثة أخرى من حوادث القمع والتضييق في الولايات المتحدة «بلد الحريات» على خلفية محرقة غزة. إذ ألغت «جامعة إنديانا» معرضاً استعاديّاً للفنانة الفلسطينية سامية حلبي (مواليد القدس عام 1936) التي تعتبر من الأسماء الرائدة في الفن التجريديّ وفن الديجيتال الحركيّ، واشتهرت بتعاونها مع عازفين موسيقيين حوّلت موسيقاهم إلى لوحات فنيّة تنجز أمام الجمهور مباشرة عبر الاستعانة بالكمبيوتر.

 

 

 

دائماً ما كانت حلبي باحثة وناشطة سياسية لم تتردّد يوماً في إعلان مناهضتها للكيان الصهيوني وفي التعريف بالقضية الفلسطينية في الأوساط الأميركية حيث تعيش منذ عام 1951، وتخصّص جزءاً من أعمالها الفنية لفلسطين وشعبها وحق العودة، وصولاً إلى دعوتها في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت إلى تحرير ما سمّته «معسكر الاعتقال في غزة».

 

وإذ جاهرت بموقفها الطبيعيّ هذا، وردتها في 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي رسالة مختصرة من مدير «متحف سيدني ولويس إشكنازي للفنون» التابع لـ «جامعة إنديانا» ديفيد برينمان يبلغها فيها عن امتناع المتحف عن استضافة معرضها الاستعادي «لدواعٍ أمنية».

 

وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ موظفين في الجامعة أعربوا عن انزعاجهم من منشوراتها الداعمة لفلسطين على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وعلى إثر لقاء حلبي مع رئيسة الجامعة باميلا ويتن وعدم تلقّيها جواباً بشأن إلغاء المعرض، قرّرت الفنانة الفلسطينية تعميم خبر إلغاء معرضها وهيّأت عريضة وقّع عليها حتى الآن 11000 اسم بهدف الوصول إلى 12800، تطالب الجامعة بإعادة المعرض الذي كان افتتاحه مقرّراً في العاشر من شباط (فبراير) المقبل، واستغرق التحضير له أكثر من ثلاث سنوات.

 

وكانت الفنانة تنوي الكشف خلاله عن عمل فني رقميّ جديد وأعمال لم تعرض قبلاً كلوحة أنجزتها في عام 1989 تحت عنوان «انتفاضة عالمية».
تعتبر سامية حلبي من أبرز الفنانات الفلسطينيات، فضلاً عن كونها أستاذة مساعدة في «كلية ييل للفنون» منذ عام 1972. لعبت دوراً مهماً في توثيق الفن الفلسطيني وأنجزت بحثاً قيّماً بعنوان «فن التحرير في فلسطين: الرسم والنحت الفلسطينيان في النصف الثاني من القرن العشرين». أقامت الكثير من المعارض في أهم المتاحف وصالات العرض في الولايات المتحدة وخارجها.

 

منذ أكثر من خمسة عقود، تنجز حلبي أعمالاً تجريدية مليئة بالتدفّقات اللونية، إلا أن نشاطها يتجاوز الرسم إلى التدريس والبحث الفني، ودائماً ما كانت فلسطين شديدة الحضور في فنّها وأبحاثها على حدّ سواء.

 

منحت لوحاتها عناوين متصلة بقضية الوطن المحتلّ الذي ولدت فيه وما برحت تعشقه، مطلقةً على إحدى لوحاتها عنوان «أرضنا الجميلة السليبة في ليل التاريخ».

 

لم تفارقها مرارة النفي والتشرّد مذ هُجّرت مع عائلتها في عام 1948 وكانت طفلة في الثانية عشرة. ذاكرة التهجير المؤلمة ماثلة في وجدانها، والأمكنة في فلسطين عالقة في ذاكرتها البصرية وإن لم تحضر بالأسماء في لوحاتها، فهي تشتغل على المضمون السياسيّ بأسلوبها التجريديّ، وفلسطين هي القوّة المحرّكة لكل إبداعها. مع ذلك، ثمة جهد توثيقيّ، غير تجريديّ، عملت عليه في سلسلة أعمال، من بينها تلك التي تستعيد مجزرة كفر قاسم.
حظيت سامية حلبي بسمعة عالمية واشتهرت بتعدّد مواهبها وأساليبها التشكيلية وباحترافيتها العالية وأبحاثها الجادة وتفكيرها العلمي المنظم ومواقفها السياسية الواضحة التي لا تخلو في بعض الأحيان من روح السخرية والدعابة.

 

وهي اليوم ضحية إضافية على قائمة ضحايا المكارثية الجديدة التي تصطاد كل اسم مناهض للكيان الصهيوني في حربها، بل حروبها الوحشية على الشعب الفلسطيني، حتى لو كان هؤلاء أميركيون وأميركيات أُجبروا وأَجبرنَ على الاستقالة ضمن حملة قمع وتهديد جنونية لم تعرف أميركا لها مثيلاً منذ المكارثية الأولى ضدّ الشيوعيين في الولايات المتحدة أو من اشتُبه آنذاك بأنهم كذلك. التاريخ يعيد نفسه في «بلد الديموقراطية والحريّات»، بلد «الحلم الأميركي» الذي يتبدّى على حقيقته كابوساً أميركيّاً.

 

 

أول معرض استعادي في الشرق الأوسط

كان يفترض أن يحمل المعرض الاستعادي لسامية حلبي في «متحف سيدني ولويس إشكنازي للفنون» التابع لـ «جامعة إنديانا» عنوان «سامية حلبي: مراكز الطاقة»، على أن يُفتتح في العاشر من شباط (فبراير).

 

وكان يفترض أن يضمّ معرض الفنانة الفلسطينية الرائدة المقيمة في الولايات المتحدة منذ عام 1951، أكثر من 30 عملاً، بما في ذلك الرسومات والمطبوعات واللوحات التي أنجزتها طوال حياتها المهنية. بعد إلغاء المعرض، قالت حلبي لمجلة Hyperallergic: «من الواضح أن القصد هو قمع الأصوات الفلسطينية في هذا الوقت بالتحديد».

 

وكان المعرض الاستعادي الأول في الشرق الأوسط لحلبي اختُتم قبل أيام في «متحف الشارقة للفنون» تحت عنوان «انطباعات دائمة»، إذ عرض 180 عملاً من محطّات مختلفة من مسيرتها الإبداعية.

 

 ريما النخل

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ وكالات