الحكم 30 عاما بحق السيد هاشم الشخص

قمع ممنهج لاستهداف علماء الدين في السعودية

وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، وإمساكه الفعلي بزمام السلطة في السعودية، بعد استبعاد إبن عمه الأمير محمد بن نايف من المشهد والإبقاء على الملك سلمان كواجهة ضرورية للحكم، حتى يحين موعد الانقلاب أو التسوية التي تسمح بـ"إزاحة" والده، شكل حالة استثنائية في تاريخ المملكة منذ سيطرة آل سعود على شبه الجزيرة العربية واستلامهم الحكم. لم يكن ابن سلمان بآلياته وحده أمرا لافتا، بل في وصول شاب إلى سدة الحكم وهو يفتقد للخبرة وللعلاقات الخارجية التي تزكّي هذه "القفزة" الملكية.

2022-12-25

صحيح أن بن سلمان سعى منذ وصوله إلى الترويج عن سياساته القائمة على “تغيير وجه المملكة” و”الانفتاح” وغيرها من العناوين الجذابة للغرب، إلا أن الملف الحقوقي في السعودية لم يحظَ إلا بتهيأة الظروف الأقسى والأصعب بالنسبة للمعتقلين، إلى جانب زيادة منسوب الملاحقات بحق الناشطين وأصحاب الرأي ممن يخالفون توجهات ولي العهد السعودي في طبيعة إدارته للمرحلة وسياساته الداخلية في البلاد، حيث لاقى أبناء الطائفة الشيعية مع استلام ابن سلمان جرعات إضافية من القمع والتعنيف والملاحقات كما تغليظ الأحكام وعدم التواني عن إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام في  مخالفة واضحة للعديد من التصريحات التي كان قد أدلى بها لصحف وقنوات غربية عن قراره الملزم بالتوقف عن إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها.

وفي هذا السياق، لطالما عمد النظام السعودي في حربه ضد الشيعة في مناطق انتشارهم بالقطيف والأحساء والمدينة ونجران وصولاً إلى ينبع ، إلى التعاطي معهم من مرتكز ضرورة التصويب على العلماء والقادة واستهداف الرموز والفاعليات الدينية والاجتماعية لما يمثلونه من مرجعية دينية وسياسية وتوجيهية للشريحة الأوسع، وذلك من بوابة كسر شوكة أبناء الطائفة الشيعية في البلاد وتكبيل طموحاتهم وكبح جموح الشباب واندافعهم وثورتهم ونشاطهم الديني والتثقيفي والجهادي.

لقد مثّل الشيخ الشهيد نمر باقر النمر أيقونة النضال المستمر في شبه الجزيرة العربية، إذ لم تمنع مكانته النظام السعودي من استهدافه واعتقاله بأبشع الأساليب وصولاً إلى تصفيته في حفلات الإعدام الدموية وتغييب جثمانه.

في الإطار عينه، أصدرَت “المحكمة الجزائية” المتخصِّصة في قضايا “الإرهاب” حكماً بالسَّجنِ 30 عاماً على السيد هاشم الشخص، الأمر الذي يعدّ بمثابة الإعدام. وهو الذي كان قد اعتقل في التسعينات عندما أصدرت محاكم آل سعود، حينها، حكما بالإعدام ما لبث أن تم تجميده إثر تفاهمات الحوار بين النظام السعودي و”منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية” خلال فترة حكم “الملك” فهد بن عبد العزيز آل سعود.

في مشهدية تجسّد القمع الذي تمارسه سلطات آل سعود حيال أبناء الطائفة الشيعية في شبه الجزيرة العربية والحجاز عموماً، اقتحمت قوات النظام السعودي منزل عالم الدين الشيعي السيد هاشم الشخص، يوم الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول 2020، ليقاد مباشرةً إلى السجن دون أن تفصح السلطات السعودية عن سبب اعتقاله، كسائر حالات الاعتقال التعسفي التي تطال العلماء والقادة والنشطاء والشعراء والرواديد.

يوم اعتقال السيد الشخص، طوّقت القوات السعودية الحي الذي يقطنه وفرضت حصاراً بالآليات العسكرية المدجّجة بالسلاح، وفي مشهدٍ مروّعٍ أغلقت جميع مداخل ومخارج الحي، قبل أن تقتحم منزل سماحته الكائن بالأحساء بأسلوب همجي دأبت على ممارسته مع سائر أبناء المنطقة، لتنتهك حرمته وتعيث فيه خراباً، ثم عمدت إلى اعتقاله دون أسباب مبررة.

اعتقال السيد الشخص حصل دون أي مبرر أو مسوغّ قانوني أو حتى مذكرة اعتقال، ثم جرى نقله إلى جهة مجهولة من قبل عناصر المباحث، في خطوةٍ تعكس الانتهاكات الصارخة التي تنتهجها السلطات السعودية اتجاه الشيعة. وهو اعتقال وصفته لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية بأنه يأتي في إطار قمع منسّق لاستهداف علماء الدين في المنطقة، حيث جاء اعتقال السيد الشخص، بالتزامن مع اعتقالات أخرى نفذتها القوات السعودية لتطال عددا من رجال الدين منهم “السيد خضر العوامي” و “الشيخ عباس السعيد” في الحادي عشر من نوفمبر الماضي، في عملية اعتداء مماثلة انتهكت فيها عناصر المباحث السعودية جميع الحدود الدينية والقانونية. وهي اعتقالات اعتبرتها جهات حقوقية بأنها تعد دليلاً واضحاً على تعاظم سياسة الاعتقالات التعسفية، والإفلات من العقاب داخل أجهزة السلطة السعودية وتفاقم سياسة التمييز الطائفي على أساس المعتقد.

يذكر أن السيد الشخص تعرض للاعتقال من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك فور وصوله إلى المطار لزيارة ابنه المبتعث للدراسة هناك، حيث تعرّض خلال فترة الحبس لشتى أنواع الإهانات والتحقيق المطوّل، إلى أن تم ترحيله إلى السعودية.

السيد الشخص.. مسيرة حياة حافلة بالعطاء

الفقيه المؤرخ السيد هاشم الشخص (1957)، من بلدة القارة بالأحساء شرق الجزيرة العربية، من أبرز أساتذة الحوزة العلمية في منطقة الأحساء، وكان والده السيد محمد الشخص خطيباً حسينياً بارزاً في المنطقة.

درس السيد الشخص في بلدة القارة على يد والده، ثم سافر إلى النجف الأشرف في العراق وتلقى الدراسات الدينية على يد علمائها منهم العلامة الشيخ محمد باقر الإيرواني، والمرجع الديني الشيخ بشير حسين النجفي، والشهيد السيد محمد باقر الصدر. وانتقل بعدها إلى مدينة قم المقدسة ليكمل تحصيله الحوزوي على يد آية الله الشيخ حسين علي المنتظري والشيخ حسين الوحيد الخراساني والمرجع الديني الشيخ محمد فاضل اللنكراني وغيرهم.

تميّز السيد هاشم الشخص بإلمامه بتاريخ منطقة الأحساء الشيعية واهتماماته بتراجم علمائها وأعلامها الشيعة الجعفريين.

يعدّ السيد الشخص من الرموز الشيعة البارزين الذين تصدوا في وقت مبكر لقيادة العمل الاسلامي وتربية الأجيال الناشئة وتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية دون أن يغفل عن المسؤولية السياسية في الدفاع عن حقوق الناس وقضاياهم ورفض الظلم والطغيان، كما أنه تولى منصب الوكيل الشرعي لكل من سماحة الإمام السيد علي الخامنئي وآية الله العظمى سماحة السيد علي السيستاني. والسيد الشخص من أعضاء الهيئة العليا للمجمع العالمي لأهل البيت(ع). وكان مدير الهيئة العلمية للطلبة الحجازيين بالحوزة العلمية بمدينة قم المقدسة. وقد تولى مهمة ترتيب وادارة برامج التبليغ الإسلامي في المواسم الصيفية التي يقوم بها طلاب العلوم الدينية من أهالي الأحساء والقطيف الدارسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة.

بعد عودته لموطنه استمر في أداء واجباته الدينية والاجتماعية، حيث كان يؤم المصلين في أحد مساجد بلدته، ويقوم بالوعظ والارشاد من خلال الخطابة الحسينية والمشاركة في البرامج الثقافية والاجتماعية.

 نهج مستديم

وُصف اعتقال السيد هاشم الشخص بأنه اعتقال سياسي بحت، يأتي في سياق الاعتقالات التي تمارسها سلطات آل سعود منذ فترة طويلة، إذ يتم فبركة اتهامات تخص قضية معينة والصاقها بشخص ما دون وجود أي مبررات قانونية أو أدلة حقيقية تثبت حقيقة الادعاءات والمزاعم، وفي المقابل يحرم المتهم من حق الدفاع عن نفسه عبر توكيل محام، ويحرم أيضاً من التواصل مع عائلته، في صورةٍ تعتبر تكريساً لما هو معروف عن سجل السعودية الحقوقي سيء الصيت والاستهتار بكل الأعراف والمواثيق رغم ما تشنّه من حملات إعلامية لتحسين صورتها.

ثمة نحو 20 عالمًا من القطيف والأحساء زجت بهم السلطات السعودية في زنازين السجون، على خلفية انتمائهم الديني ودورهم التوعوي في المجتمع ومواقفهم الصلبة ومقارعتهم الظلم واستبداد السلطة. و هؤلاء يتعرضون للاعتقال التعسفي ثم يواجهون محاكمات غير عادلة تحرمهم من حق الدفاع عن أنفسهم أو توكيل محام، ثم تصدر ضدهم أحكاماً مشددة قد تعرّض حياتهم للخطر في ظل الحرمان من العلاج والطبابة ومعاناة بعضهم من أمراض مزمنة، بالتزامن مع انتشار الأوبئة والاكتظاظ الذي تعانيه السجون.

وفي هذا الإطار، نذكر أسماء العلماء المعتقلين: الشيخ عبد الجليل العيثان، الشيخ حسن آل زايد، الشيخ حسين الراضي، الشيخ بدر آل طالب، الشيخ محمد حسن الحبيب، السيد جعفر العلوي، الشيخ حبيب الخباز، الشيخ محمد زين الدين، الشيخ سمير الهلال، الشيخ عبّاس المازني، الشيخ فتحي الجنوبي، الشيخ عبد اللطيف الناصر، الشيخ عبّاس السعيد، السيد خضر العوامي، السيّد هاشم الشخص، الشيخ فاضل هلال آل جميع، الشيخ علي الماء، السيد محمد رضا السلمان، الشيخ مجتبى النمر، الشيخ عبد المجيد الأحمد.

لعل ما يكابده علماء القطيف والأحساء في السعودية من سياسات التمييز الطائفي والتنكيل والمنع والحرمان خير دليل على الانتهاكات المذهبية التي يصر النظام السعودي أن يكيلها ضدهم وضد المنطقة بأسرها. العلماء الذين يتبلور دورهم الرسالي التوجيهي والتوعوي في الدين والمجتمع، تعمّدت سياسة القمع والاستبداد أن تكبّلهم وتقمع دورهم وتحرمهم أداء الرسالة، نتيجة طائفيتها وتمسكها بقمع أبناء الطائفة الشيعة الأصلاء في السعودية وحرمانهم حقهم في أداء شعائرهم الدينية، ضمن مسار متصاعد من استخدام التمييز المذهبي والديني كسلاح لتكميم الأفواه والاضطهاد على الرغم من ادعاءات ولي العهد محمد بن سلمان حول الإصلاح والحريات الدينية التي لطالما طالبت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية السلطة السعودية بالإلتزام بها، والتوقف عن انتهاك حقوق الشيعة وممارسة التمييز ضدهم. ورغم الدعوات والمطالبات، إلا أن النظام لايعير لذلك انتباها، ويواصل بطشه ضد العلماء ورجال الدين من دون أي رادع أو التزام بالقوانين المحلية والدولية، حتى أضحى هنالك العديد من العلماء تعتقلهم السياسة البوليسية والاستبداد والقمع والانتقام وتغيّبهم في الزنازين المعتمة ويتعرضون لمحاكمات هزلية وغير عادلة، في انتقام واضح من انتمائهم الديني ودورهم التوعوي في البلاد، وتأثيرهم في المجتمع وتوعيته، وهو ما لا يروق للنظام السعودي.

المصدر: الوفاق/خاص/ يارا نزار