الوفاق/محمد أبو الجدايل– أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً مسرحية جديدة لعب فيها دور البطولة، وفيما كان أداؤه ضعيفاً “إذ لا يرقى الى مستوى خلفه الأمريكي”، حاول شيطنة دور ايران البنّاء في المنطقة، زاعماً في حوار له مع صحيفة “النهار” اللبنانية، وربما تحت تأثير “الضغط الجوي المرتفع في السماء” نظراً لأن الحوار أُجري معه على متن طائرته الرئاسية أثناء عودته إلى بلاده قادما من الأردن بعد مشاركته الفاشلة في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة بدورته الثانية الذي إنعقد في منطقة البحر الميت والذي جاء بدعوة فرنسية أيضاً، بأنه “لابد من تقليص دور ايران في لبنان وسورية والعراق لحلّ مشاكل هذه البلدان”.
ولم تتوقّف تخرّصات ماكرون عند هذا الحدّ، إنما وجّه حرابه المتهالكة نحو لبنان أيضاً، حيث قال مُدعياً أنه “من الضروري تغيير القيادة في لبنان”، وأن حزب الله يستفيد من “عدم قدرة النظام والآلية السياسية لحل مشاكل الناس”.
*مَن الذي يتدخّل في المنطقة؟
تصريحات ماكرون لا تنمّ سوى عن عداء لمحور المقاومة عموماً وايران خصوصاً، فرغم عدم تمخّض مؤتمر بغداد عن اتفاقيات حاسمة بشأن أوضاع المنطقة يمكن ذكرها، إلاّ أن المشاركين فيه أجمعوا على ضرورة إقامة علاقات إقليمية على أساس مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من أجل إنجاح مشاريع التعاون الإقليمي.
لو قمنا بإعادة قراءة الأسطر القليلة الأخيرة، وعلى وجه التحديد إجماع المشاركين على ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ندرك حينها بأن ماكرون في تصريحاته تلك يبدو كمن يترنّح في موقفه، فإن كان لا يعلم، ايران واحدة من دول المنطقة وليست كبلاده طفيلية فيها، لهذا إن كان السيد عبداللهيان قد وجّه خلال كلمته في المؤتمر رسائل جليّة بشأن عدم السماح للدول الأجنبية بالتدخل في شؤون المنطقة، فإن جلّ ما يقصده هو عدم رضا ايران عن مشاركة الفرنسي في القمّة الإقليمية المُخصصة لدول المنطقة بحسب ما كان مُقرّر لها، إلاّ أن الجانب الفرنسي على مايبدو يحاول لعب دور الأمريكي المُتقهقر في المنطقة، وربما بضوء أخضر من واشنطن التي إتّجهت نحو مواجهة أوسع لا أمل لها فيها مع “التنين الصيني” في شرق آسيا.
*دور مشبوه في المنطقة!
وبينما تحدّث السيد ماكرون بصلافة عن ضرورة تقليص دور ايران في المنطقة، دور كان له الفضل الكبير في قهر الإرهاب المدعوم غربياً، كان عليه مراجعة دور بلاده المُخرب في المنطقة سواء كان تاريخياً أم في يومنا المعاصر، فبحسب تقارير كشفت عنها تركيا خلال الأعوام الأخيرة، قدّمت كبرى الشركات الفرنسية دعما لتنظيم داعش الإرهابي العدو الأكبر للمنطقة، وعلى وجه الخصوص شركة لافارج الفرنسية التي أقرّت بأنها مذنبة بالتآمر لتقديم دعم مادي لمنظمات إرهابية في المنطقة على رأسها تنظيم داعش الارهابي.
ففي أكتوبر الماضي، وفي محكمة اتحادية في بروكلين نيويورك على وجه التحديد، أقرت شركة لافارج اس آ، وهي شركة عالمية لتصنيع مواد البناء مقرها في فرنسا، وشركة لافارج سوريا للإسمنت اس آ، وهي شركة تابعة لشركة لافارج مقرها في سوريا، أقرت بالذنب أمام هيئة قضائية وجهت لهما تهمة واحدة تتمثل في التآمر لتقديم الدعم المادي والموارد إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة (ANF)، وكلاهما من المنظمات الإرهابية.
نشأت التهم عن مخطط المتهمين لدفع مبالغ مالية لداعش وجبهة النصرة مقابل الإذن بتشغيل مصنع إسمنت في سوريا من آب/أغسطس 2013 إلى تشرين الأول/أكتوبر 2014، ممّا مكن شركة لافارج للإسمنت في سوريا من الحصول على ما يقرب من 70.30 مليون دولار من العائدات.
* ما هو سبب حنق ماكرون على ايران؟
حاول ماكرون في حواره مع صحيفة النهار إعطاء بلاده صبغة قيادية “بعيدة عنها كل البعد” كانت قد إنتحلتها أمريكا سابقاً في المنطقة، إلاّ أنه يدرك بأن تدخلات بلاده وحلفائها هم سبب أزمات المنطقة وأوجاعها.
ربما كان تجاهل دور فرنسا ومكانتها “المندثرة” منذ أمد بعيد في المنطقة هو سبب حنق ماكرون على ايران، أمر تجلّى بوضوح خلال مؤتمر بغداد المنعقد في الأردن، حيث كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الرقم الصعب في المؤتمر، لا سيما عندما أبدت مواقفها الصارمة والراسخة بشأن تحقيق أمن المنطقة واستقرارها بعيدا عن التدخلات الأجنبية، علاوة على اللقاء الهام والذي كان مُنتظراً حينها بين السيد عبداللهيان مع جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وما تناقلته وسائل الإعلام عقب المؤتمر خير دليل على ما ذكرناه سالفاً، فبينما قامت تلك الوسائل بالمرور على مجريات المؤتمر مرور الكرام، سلّطت أضواءها على اللقاء الإيراني الأوروبي بشأن إحياء الإتفاق النووي، ناهيك عن اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الايراني على هامش المؤتمر مع كل من نظرائه المصري والسعودي والقطري والعماني، بالإضافة الى ملك الأردن الذي رحب بدور ايران وتعزيز العلاقات معها.
جملة هذه المعطيات التي وضعناها بين أيديكم تشير دون أدنى شكّ الى ان تصريحات ماكرون خلال عودته الى بلاده وهو يجرّ أذيال الخيبة وراءه، لا تتعدى كونها فقاعة إعلامية لقلب الأدوار وتشويه الحقائق، ويظل أن نقول لرجل الإليزيه الطائش “ما هكذا تُدرّ الإبل يا ماكرون”.