يتشكّل الكتاب وفقاً للناشر، من سجال بين كاتبيه يستدعي تجربتهما السياسية -الميدانية المتمثلة في عملهما من خلال مؤسسة “ذاكرات”، على فتح النقاش حول النكبة إسرائيلياً، ومواجهة المُجتمع المُستعمِر بوقائعها ليعيد اكتشاف الحيّز عبر رؤية شظاياها، فيما يُعيد الكاتبان قراءة ذاكرتهما الشخصية وموقعهما من التجربة الإسرائيلية الكولونيالية، بما يكشف هيمنة الرواية الرسمية على الوعي العام، ويضيء على التقنيات المعتمدة لتعزيزها مقابل إنكار فلسطين وطمس حكايتها.
وقد ورد في تقديم الناشرين للكتاب أن خصوصية الحالة الإسرائيلية المزمنة تكمن في كونها أكثر تعقيداً من “أخواتها” (في المشهد الكولونيالي)، المُكتفيات بأكاذيب التنوير قناعاً لتجميل سرقة حياة الناس وأرضهم وثرواتهم. فهي تجمع بين ميزات الاستعمار والاحتلال والأبارتهايد في رزمة واحدة؛ وهي أيضاً حالة توسعيّة غير مُنجزة بعد؛ وهي تجمع بين احتراف الجَلْد واحتكار دور الضحيّة، وفيها -ومن خلالها- تهبط الأسطورة على جغرافيا فلسطين لتُجرّف التاريخ، وتُسفر عن هلاك بشري ومكاني وثقافي يشمل- إلى جانب محو الفلسطينيين- نفي تجربة اليهود العرب، ويهود العالم، واختطاف تمثيلهم، واحتقار لغاتهم وتراثهم وذاكرتهم العميقة في مجتمعاتهم الأصلية، وتجنيد عِبريّتهم في ارتكاب “نكبة لغوية”.
ويبدو الكتاب – لمن يعرف المشهد الإسرائيلي جيّداً- تحليقاً خارج السرب؛ فهو يحكي حكاية تجربة سياسية جذرية لكاتبيْه، تجسّدت في عملهما عبر مؤسسة “ذاكرات”، في مواجهة طمس النكبة (الفلسطينية) إسرائيلياً، عبر مواجهة المجتمع المستعمِر بوقائعها والعمل على جعْله يعيد اكتشاف الحيّز عبر شظاياها المتناثرة في كلّ مكان.
في ثنايا فصول الكتاب الأحد عشر، وردت أفكار وإحصائيات وخرائط وتجارب غنيّة للمؤلّفيْن (على شكل حوارات ثنائيّة شيّقة)، ويتحدّث المؤلّفان عن مؤسّسة “ذاكرات” التي وُلِدت في سياق مجهود ضخم لتعليم المجتمع اليهودي الإسرائيلي وتوعيته بالنكبة والقضية الشائكة المتمثّلة في حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ولطالما اقتحمت “ذاكرات”-بحكم طبيعتها- حقولًا من الألغام؛ وإنه لمن الغريب أن هذا السياق المعادي نفسه قد مكّن “ذاكرات” من لعب دور حاسم في تغيير الخطاب المتعلق بهذه القضايا في “إسرائيل”.
يكشف الكاتب أن “ذاكرات” وضعت أشهر وأنجح خريطة للنكبة باللغة العبرية، وذلك في العام 2013، مع الاستعانة بخرائط باللغة العربية والإنجليزية؛ على خلفية أن “ذاكرات” تسعى لتوعية الجمهور الإسرائيلي بالنكبة. وقد تمّ رسم خريطة تبيّن كافة المواضع التي دُمّرت حتى العام 1967، بغضّ النظر عن هويّات ساكنيها، ما يعني أن الخريطة ستشمل المواضع الفلسطينية والسورية واليهودية.
جرى إطلاق هذه الخريطة رسمياً عشيّة “يوم الاستقلال” في 2013. وتمّ توزيعها في إطار فعالية وسط الاحتفالات في شوارع تل أبيب، حيث أبدى كثير من المارّة اهتماماً جدّياً بها.. وخلال 18 شهراً وزّع ما يقارب 3000 نسخة، وفق إيتان.
ولقد نشأت مؤسسة “ذاكرات” في هذا السياق التاريخي لصحوة الوعي بالنكبة لدى عدد صغير-لكنه متزايد- من الإسرائيليين، فراحت تشكّك في الأُسس التي قام عليها الكيان الصهيوني ، وتنشر الوعي بين منظمات المجتمع المدني الإسرائيلي بالنكبة وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
أ.ش