وسط فوضى الحرب..

هكذا تنظم بلديات جنوب لبنان مسار النزوح الداخلي

التكافل الاجتماعي والبلديات والجهات المانحة، يمكن القول إنها الثلاثية التي تتحكم في إدارة ملف النازحين في الداخل. ثلاثية تجيد البلديات فيها أداء دور الوسيط رغم غياب التدخل الرسمي للدولة

2024-01-27

مع تدفق 82 ألف نازح من القرى اللبنانية الحدودية، شهد العمل البلدي تطوراً فرضته الحاجة لتنظيم مسار النزوح الداخلي والاستعداد لأي تطورات في جبهة الجنوب، فتصدرت الاستجابة لطلبات النازحين، والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية، لا سيما المنظمات الدولية التي حلت بجزء كبير مكان السلطة السياسية، أولويات البلديات.

 

بعد 23 يوماً على دخول لبنان الحرب لمساندة المقاومة في غزة، أصدرت اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية، بالتعاون مع لجنة التنسيق مع المنظمات الدولية ووحدة إدارة مخاطر الكوارث، “خطة الطوارئ الوطنية” بهدف حماية اللبنانيين واللبنانيات من أي عدوان إسرائيلي في حال تمت توسعة الحرب.

الخطة التي تعتمد على سيناريو حرب تموز 2006، وجدها البعض غير مجدية بسبب عدم تقييم المتطلبات العملانية لتطبيقها وإيجاد مصادر للتمويل، فضلاً عن اختلاف الظروف الحالية التي استحدثها وجود أكثر من مليون ونصف مليون من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.

من جهتها، لا تزال البلديات الموجودة في الخطوط الساخنة، إضافة إلى البلديات المستقبلة للنازحين، في عمل دائم بمعزل عن القرارات والخطط الرسمية، “مقلعة شوكها بإيدها”، كما يرى البعض، محاولة تنظيم وتنفيذ مروحة واسعة من المهام بمبادرات شخصية، فكيف تنظم البلديات نفسها وسط فوضى الحرب؟

 

 

اتحاد بلديات قضاء صور: التنسيق عالٍ بين البلديات

 

عادةً ما يطلب من البلديات التصدي لمتطلبات أزمة عبر قرار يصدر عن الحكومة المركزية، فيكون مصاحباً لدعم مادي وإداري، لكن في ما يخص إدارة النازحين من القرى الحدودية، غابت الدولة ليبقى عمل البلديات ضمن المعقول والممكن، ويظلّ متصلاً بالهبات من الجهات المانحة والجهود الشخصية.

 

في مقابلة مع مسؤول وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور، يؤكد مرتضى مهنا فعالية الوحدة التي بدأت عملها منذ الثامن من أكتوبر سعياً لاستقبال النازحين الذين تخطى عددهم 24 ألف نازح في قضاء صور.

 

ويقول مهنا: “منذ عام 2010، أطلقنا في اتحاد بلديات صور وحدة إدارة الكوارث والمخاطر. الوحدة أُنشئت بهيكلية تضم جميع فرق الإسعاف والإنقاذ والإطفاء. عندما بدأت عملية النزوح إلى القضاء، تفعلت هذه الفرق، وباشرنا التنسيق مع مجموعات المستجيب الأول التابعة للاتحاد من أجل تفعيل خلايا الأزمات في بلدات القضاء”، ويشير إلى وجود خلية إدارة أزمة مدربة من قبل رؤساء البلديات وأعضائها في البلديات الـ55 التابعة للاتحاد.

 

تهتمّ وحدة إدارة مخاطر الكوارث بمتابعة مسار النزوح، وإحصاء النازحين، وتأمين حاجاتهم، والتواصل معهم ومع الجهات المانحة، فضلاً عن التنسيق بين البلديات. بالرغم من تزايد العبء الخدماتي وتدني الموارد المالية، يؤكد مهنا أن جميع البلديات تعمل بالإطار نفسه في القضاء، إذ تقوم برفع المستلزمات للاتحاد الذي يقدم لهم الخدمات.

 

في الغرفة التي يعمل بها أعضاء الوحدة في قضاء صور، شاشات تعرض رسوماً بيانية تشمل أعداد النازحين، وأماكن وجودهم، وعدد الوافدين والمغادرين، وفئاتهم العمرية، إضافة إلى انتشارهم. وتعرض شاشة ثانية مجمل المساعدات من الجهات الدولية والمحلية.

 

الأرقام المعروضة على الشاشات تختلف في بعض الأحيان عما يجري إعلانه لدى بعض الجهات الدولية أو المحلية، لكن مهنا يؤكّد أن الرقم الصادر عن الاتحاد هو “الأدق”، وذلك يرجع إلى منهجية الإحصاء التي تسري عبر وسيطين؛ إما من خلال تعبئة استمارة من قبل الوحدة، وهي تشمل عدة خانات، منها النوع، والعدد، ومكان النزوح، ومكان الإيواء، إضافة إلى المعلومات الشخصية للنازحين، كرقم الهوية والاسم ورقم الهاتف وتوقيع صاحب العلاقة، وإما عبر التعاون مع بلدية كل قرية، “ليتم التدقيق في الأرقام والتأكد من عدم وجود تكرار”.

 

 

بلدية النبطية الفوقا: ما يتم تحضيره بعد وقف إطلاق النار سيكون مذهلاً

 

لولا التكافل الاجتماعي في قضاء النبطية، لم تكن البلديات ستتمكن من الاستجابة للأزمة مع غياب التدخل الرسمي للدولة، بحسب رئيس بلدية النبطية الفوقا ياسر غندور، الذي يشير إلى وجود نحو 5 آلاف أسرة نازحة في القضاء.

 

يقول غندور : “أنشأنا مع بداية الحرب لجان طوارئ مؤلفة من الجمعيات الأهلية والأحزاب لتأمين احتياجات النازحين والعناية بالأسر الفقيرة. التمويل الأساسي جاء عبر الأيادي البيضاء. من هنا، كان الاهتمام بالإجراءات الصحية للنازحين. وحتى الآن، نحن نغطي تكاليفهم الصحية بنسبة 100%”.

 

ويشير إلى أن دور البلديات سيكون أكثر فعالية بعد وقف إطلاق النار: “بحسب ما أعرفه، أستطيع القول إن ما يتم تحضيره لإعادة الإعمار بعد وقف إطلاق النار سيكون مذهلاً للجميع، وستعود البيوت أجمل مما كانت عليه، وذلك بإشراف البلديات ولجان الطوارئ”.

 

 

بلدية كونين: آلياتنا معدة لرفع 8 أطنان من الأنقاض

 

النزوح في بلدة كونين يجري باتجاهين. يتحدث رئيس البلدية محمد طعمة عن نزوح نحو 200 عائلة من أصل 400 من كونين إلى أقضية أخرى. بدورها، استقبلت البلدة 25 عائلة من عيتا الشعب وعيثرون ومارون الراس، “فالنزوح يجري بطريقة فردية، لكن البلدية تسعى لتقديم تسهيلات لهم، كالإعفاء من رسوم الكهرباء وتأمين تدفئة”.

 

تضمّ خلية إدارة الأزمة في كونين فرق إنقاذ وإسعاف ورفع أنقاض، وهي مجهّزة على صعيدين، بحسب رئيس البلدية، الاستجابة للنازحين، والاستعداد لحصول أي طارئ. “فريقنا في كونين مجهز بجميع المعدات والآليات القادرة على رفع 8 أطنان من الأنقاض، ونحن نتعاون مع البلديات المجاورة التي تتعرض للقصف”، يقول طعمة.

 

ويضيف: “موازنة البلدية تقدر بنحو 550 مليون ليرة لبنانية سنوياً. لدينا أكثر من 10 موظفين. مع تزايد العبء الخدماتي نحن في حالة تقشف قصوى، لكننا نحاول جهدنا في هذه الحرب من دون إهمال الخدمات الأساسية التي تقدمها البلدية، كرفع النفايات والتشجير وتقديم الخدمات الإدارية للمواطنين”.

 

التكافل الاجتماعي والبلديات والجهات المانحة، يمكن القول إنها الثلاثية التي تتحكم في إدارة ملف النازحين في الداخل. ثلاثية تجيد البلديات فيها أداء دور الوسيط رغم غياب التدخل الرسمي للدولة، وهو ما يؤكد أهمية وجود سلطة لامركزية في الأقضية، تتعاطف مع المواطنين، وتسعى لخدمتهم انطلاقاً من الحس الاجتماعي، وإن غابت القرارات الرسمية.

 

أ.ش

المصدر: الميادين