من قم إلى واشنطن؛ إجماع التیار الشيرازي ضد المقاومة الفلسطينية

خاص الوفاق: وصف توحيدي، الذي يقدم نفسه على أنه "إمام السلام"، مرارًا وتكرارًا حركة المقاومة الإسلامية حماس بأنها جماعة إرهابية مثل تنظيم داعش، بل أسوأ من ذلك، ومقاتليها بالإرهابيين في محتواه الآخر على منصة إكس

2024-01-30

أحمد معصوم زاده

إن التيار الشيرازي الذي عبر منذ سنوات طويلة عن معارضته لقضية القدس بتغيير إسم يوم القدس إلى يوم نصرة العسكريین، هذه المرة، وفي ظل عملية طوفان الأقصى، یختبئ وراء قناع السلام والتسوية انسجاماً مع الإسلام الأمريكي، بدلا من نصرة المسلمين المضطهدين في فلسطين.

 

 

قائد التيار الشيرازي

 

 

بدأ التيار الشيرازي ردود أفعال غير مباشرة ومن ثم مباشرة بعد نحو أسبوع من عملية طوفان الأقصى. وبدأت ردود الأفعال غير المباشرة من السيد صادق الشيرازي نفسه إذ قال في خطاب ألقاه في مدينة قم المقدسة: “إن هوية الإسلام هي الرغبة في السلام والتجنب الكامل لأساليب العنف… هناك طرق عديدة لمواجهة العنف أو الوقوف ضد القوة القمعية. هذه الأساليب ليست بالعنف، بل هي سلمية. مثل المظاهرات والاحتجاجات”.

 

وتابع: “إن سياسة الرد على العدوان موجودة في الإسلام، ولكنها تكون في إطار الدفاع عن النفس وليس بدء الحرب، فكل حروب الرسول (ص) كانت دفاعية ولم يكن المسلمون هم البادئين بها، فالإسلام لايتعدى على أحد؛ فإذا قامت حرب ضد الإسلام فإنها ستوقف العدو عند حده بأقل قوة، فالهدف ليس قتل العدو أو إبادته، إنما فقط وقفه عند حده”.

 

وهذا الخطاب، الذي ألقي بعد أيام قليلة من عملية طوفان الأقصى، يشير بشكل خاص إلى التطورات المتعلقة بفلسطين والكيان المحتل، كما تحدث في خطابه عن “هوية الإسلام السلمية”. ورغم أنه لم يسم الفلسطينيين، إلا أن الواضح من فحوى كلامه أنه لا يعتبر عملية طوفان الأقصى عملية دفاعية، بل أن المقاتلين الفلسطينيين هم من أشعلوا الحرب.”

 

وحتى لو اندلعت الحرب ضدهم، كان ينبغي عليهم أن يوقفوا الصهاينة عند حدهم، ولا يحق لهم قتلهم! وفي إطار هذه الأدبيات، فإن تاريخ الصراعات الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية مع إسرائيل قد بدأ منذ يوم عملية طوفان الأقصى، وبهذا المنطق نعم! فإن هؤلاء هم الفلسطينيون من اعتدوا على الإسرائيليين وبيوتهم. وفي هذا الإطار، علينا أن ننسَ 75 عاماً من احتلال الأراضي والقتل والحرمان والحصار. لأن التاريخ لا يبدأ من هناك! وليس هناك حاجة للرجوع إلى الماضي!

 

لكن مواقف السيد صادق الشيرازي الهزلية من حماس وعملية طوفان الأقصى لم تقتصر على هذا، بل أنه في خطاب آخر ألقاه في 17 أكتوبر/تشرين الأول، في ظل الدعاية الغربية التي تتهم حماس بقتل المدنيين وقتل العشرات من النساء والأطفال، ادعى أن رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) “لم يقتلا حتى امرأة واحدة” خلال حكومتهما. وفي اليوم التالي، أكد مرة أخرى في خطاب آخر أن النبي (ص) والامام علي (ع) لم يكونا البادئين بأي حرب.

 

وفي خطاب له يوم 19 أكتوبر/ تشرين أول، وصف ضمناً الصهاينة الذين قتلوا في 7 أكتوبر بـ”المظلومين”، قائلاً: “المظلوم مظلوماً حتى لو كان كافراً. فلو كان الكافر غير مستحقّ للقتل وقتلوه فهذا لا شكّ مظلوم. والمظلوم لا يوجد له اصطلاح شرعي خاصّ، بل ما يفهمه العُرف وهذا هو الملاك. فالمظلوم موضوع، وحكمه أنّه لا يجوز قتل المظلوم ولا يجوز التعدّي على أمواله”، وكرر مرة أخرى في 21 أكتوبر أن رسول الله (ص) لم يبدأ حربا طوال فترة حكمه ووصف الإسلام بأنه دين الرحمة والسلام ولا يشجع على الحرب.

 

ورغم أن السيد صادق الشيرازي عبّر عن موقفه من عمليات حماس الشجاعة بعبارات ساخرة ودون الإشارة بشكلٍ مباشر إلى القضية الفلسطينية في الأيام التي تلت 7 أكتوبر، إلا أن الأشخاص والمنظمات المرتبطة به بشكل مباشر وغير مباشر صرحت عن أفكار الشيرازي بشكل واضح وصريح في هذا الصدد.

 

منظّمة اللاعنف العالمية

 

“منظمة اللاعنف الدولية (المسلم الحر)” هي إحدى المنظمات الرسمية التابعة لبيت الشيرازي ومقرها واشنطن وجزء من الادعاء السلمي لهذا التيار. انتقدت هذه المنظمة “الجماعات المتطرفة” و”الإرهابية” عبر نشر بيان في 24 أكتوبر، تماشياً مع الحملة القوية التي شنها السياسيون ووسائل الإعلام الغربية، الذين وصفوا حماس بأنها “إرهابية” وبرروا الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني. وأدان البيان أي أعمال عنف، ودعا إلى “تجفيف منابع الجماعات العنيفة والإرهابية”.

 

 

مجلس علماء الدین

 

یقع المجلس الإسلامی العالمی لعلماء الدین (GIC)، في مدينة النجف الأشرف ويديره الشيخ صالح سيبويه، الممثل الرسمي للسيد صادق الشيرازي في أوروبا. ورغم أن هذا المجلس لا يرتبط رسمياً بالبيت الشيرازي، فقد سبق أن بينا في مذكرة أن معظم الحاضرين في برلمانه المركزي هم شخصيات بارزة في التيار الشيرازي.

 

وهذا المجلس الذي أظهر بوضوح تبعيته للأسرة الحاكمة في الإمارات، هو أحد ما تسمى بالبرلمانات الدينية التي أنشئت لمشروع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، واتخذ مراراً وتكراراً مواقفاً في إدانة الهولوكوست و دعم الكيان الصهيوني.

 

وفي 9 أكتوبر، أي بعد يوم واحد فقط من عملية طوفان الأقصى، أدان هذا المجلس أعمال حركة حماس ووصفها بأنها “إرهابية” في بيان وقعه 209 من أعضاء هذا المجلس البالغ عددهم 1470 عضواً.

 

وجاء في بيان هذا المجلس، تماشياً مع دعاية الصهاينة الذين حاولوا مساواة حماس بتنظيم داعش الإرهابي، ما يلي: “نقدم تعازينا لأسر الضحايا وندعو المجتمع الدولي، نيابة عن القادة الدوليين والدينيين، إلى الوقوف مع الشعب اليهودي في الحرب ضد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي تمارسه حماس”.

 

كما تمنع في بيانها المسلمين من تقديم أي دعم مادي أو معنوي أو حتى الدعاء لحركة حماس. ومن وجهة نظر هذا المركز، فإن بعض أعضائه مرتبطون مع شخصيات صهيونية ومشروع آبراهام، فالقوى الفلسطينية التي تدافع عن أرضها وحقوقها موازية للإسرائيليين والظالم والمظلوم متساويان. ومن الطبيعي أن يتحرك هذا المركز أيضاً في إطار الخط الفكري الشيرازي وزعيمه، وهذا الموقف جزء من الإطار الذي يتبنونه.

 

وفي هذا البيان يُشير ما يسمى بمجلس علماء الدين رسمياً إلى خدمته الجيدة لأمريكا والجالية اليهودية حتى قبل اتفاق آبراهام وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ويضيف: “في عام 2020 وقبل اتفاق آبراهام، كان هذا المجلس أول مجلس للعلماء يقبل تعريف الاتحاد الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية، بالتعاون مع المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لمراقبة ومكافحة معاداة السامية، وتعهد بمحاربة كافة أشكال التطرف والإرهاب الإسلامي”.

 

 

محمد توحیدي

 

 

يُعد محمد توحيدي، إلى جانب الشيخ صالح سيبويه الممثل الرسمي للبيت الشيرازي على المستوى الدولي، ومن أهم شخصيات مجلس علماء الدين، وقد قاما حتى الآن برحلات دولية مختلفة بعنوان مدير ونائب لهذا المجلس.

 

يظهر موقف التيار الشيرازي من عملية طوفان الأقصى والفصائل العسكرية للمقاومة الفلسطينية بوضوح في تصريحات محمد توحيدي، أحد تلامذة السيد صادق شيرازي المعروفين ونائب مجلس علماء الدين.

 

إذا ألقينا نظرة على صفحة محمد توحيدي على شبكة التواصل الاجتماعي X في الأيام الأخيرة، سنلاحظ أن هذا العالم الديني الشيعي المعمم على ما يبدو يغرد تكريماً لمحمد بن زايد وإنجازات الشعب الإماراتي، وتغريدته الأخرى يهاجم حماس وشعب فلسطين المقاوم ويختص إسرائيل بالدعم. وقد أعادت صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية نشر بعض تغريداته، بما في ذلك تلك المتعلقة بخطابه الأخير في واشنطن في سبتمبر في مؤتمر يهودي.

 

ورداً على ما نشرته “تيرانا حسن” المديرة التنفيذية لمنظمة هيومن رايتس ووتش على موقع X الاجتماعي، دعا محمد توحيدي إلى إجراء تحقيق في كارثة مستشفى المعمداني، مع دعمه للكيان الصهيوني، واصفاً حركة الجهاد الإسلامي المقاومة بأنها إرهابية و كتب: “الجهاد الإسلامي مسؤول عن إطلاق هذا الصاروخ (باتجاه مستشفى المعمداني) لكنكم لا تحمّلون الإرهابيين المسؤولية”.

 

وقد وصف توحيدي، الذي يقدم نفسه على أنه “إمام السلام”، مراراً وتكراراً حركة المقاومة الإسلامية حماس بأنها جماعة إرهابية مثل تنظيم داعش، بل أسوأ من ذلك، ومقاتليها بالإرهابيين في محتواه الآخر على منصة إكس.

 

وعندما تعرض توحيدي لانتقادات من قبل المستخدمين لعدم إدانته اعتداءات الكيان الصهيوني على غزة وشعبها، فقد حمّل مرةً أخرى حماس مسؤولية كل الأحداث التي شهدتها فلسطين في العقدين الأخيرين دون إدانة جرائم الكيان الصهيوني.

 

وقد شنّ توحيدي هجمات قاسية ضد حماس والجهاد الاسلامي وإيران وجبهة المقاومة بشكل عام، في حين يرى أن الطريقة الصحيحة لحل الأزمة الفلسطينية هي التزام قادة بعض الدول العربية، وخاصة الإمارات. وخلال هذا الوقت، دافع بشكل كامل عن دولة الإمارات ومواقفها وأعرب عن تقديره لها.

 

توحيدي الذي لا تقل تغريداته عن صفحات إعلاميين صهيونيين معروفين عدداً ومضموناً، فمن ناحية ينشر صوراً مزيفة لقيادات حماس باستخدام الذكاء الاصطناعي يظهرهم كأشخاص مرفهين يجهلون معاناة الشعب الفلسطيني، ومن ناحيةٍ أخرى، يحاول عبر الترويج للسلع الصهيونية مثل ستاربكس، إفشال حملة مقاطعة هذه البضائع.

 

النفاق في السلوك الإعلامي

 

 

 

إن للتيار الشيرازي سلوكاً مزدوجاً في توجهاته الإعلامية. وتؤكد وسائل الإعلام التابعة لهذا الخط وقادته في إيران على معاداتهم للسامية، وقد دفعوا عملياً متابعيهم في هذا الاتجاه أيضاً. إن عدم دعم الشعب الفلسطيني المضطهد يبرره هذا النهج المناهض للسنة من قبل المنتمين إلى هذا التيار.

 

لكن نهج ممثلي التيار الشيرازي في أوروبا وأمريكا مختلف تماماً. وفي أوروبا وأميركا، يتم تصنيفهم إلى جانب الأشخاص الذين يتم تقديمهم على أنهم أعداء داخل إيران، أي السُنة واليهود، وتربطهم علاقات عامة وإعلامية ودية، ويقومون بتنفيذ مشاريع مشتركة بعناوين ملفتة للنظر مثل “السلام العالمي” و”التعايش السلمي”!…

 

ولتوضيح القليل من هذه السياسة الإعلامية المنافقة، نعطي مثالاً على هذه السياسة المستمرة والحيوية للحركة الشيرازية. فبينما قام الشيخ صالح سيبويه، أهم ممثل دولي للبيت الشيرازي ومدير مجلس علماء الدين، بحجب البيان الإنجليزي لهذا البرلمان في 9 أكتوبر، والذي وصف عملية طوفان الأقصى بأنها عملية إرهابية، ولم تنشر وسائل الإعلام نسخة عربية منه، فقد أعاد نشر بيان باللغة العربية بتاريخ 18 أكتوبر. وقال البرلمان على صفحته في الفيسبوك إن مأساة مستشفى المعمداني تدين غزة.

 

وبطبيعة الحال، فإن هذا البيان العربي أيضاً لم يذكر أي هجمات وحشية من قبل الصهاينة، وحتى تماشياً مع ادعاءات الكيان الصهيوني الذي يعتبر هذا الهجوم من قبل جماعة “الجهاد الإسلامي”، فإنه لا يذكر اسم مرتكب هذه الجريمة الوحشية وفي موقف مشكوك حرصت “جميع أطراف النزاع والصراع” على إبعاد المدنيين عن الحرب.

 

ومع ذلك، فإن البيان نفسه يحتوي على نسخة عربية فقط، ولم يتم نشر النسخة الإنجليزية من موقع مجلس علماء الدين لئلا يصاب الجمهور الإنجليزي للتيار الشيرازي بسوء فهم ويشكك للحظة في الموقف المخالف تماماً لأتباع التيار الشيرازي ضد فصائل المقاومة الفلسطينية!

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص