زوّار مستشفيات سوريا إلى ارتفاع.. السياحة الطبية مصدر دخل متجدد

تنشط السياحة الطبية في سوريا أكثر خلال العطلة الصيفية بقصد السياحة بالإضافة إلى العلاج وتعتبر السياحة العلاجية أحد أبرز مقاصد السياح لسوريا، وتعد أهم ركائز ودعائم الاقتصاد من بعد السياحة الدينية.

تتمثّل السياحة الطبية إلى سوريا بقدوم زوارها من الدول المجاورة والمغتربين من أبنائها لزيارة الأهل والأماكن السياحية والمراكز الطبية التي تشتهر بتقديم الاستطباب والعلاج لكثير من الحالات، وهي واحدة من عوامل الجذب السياحي، وتتناوب الأهداف التي تقف خلف ممارستها ما بين طبابة واستجمامٍ واسترخاء وترفيه لتصل إلى التسوق، وتتركز أهمية السياحة العلاجية في تلقي الرعاية الطبية من العيادات والمستشفيات المزودة بالأجهزة الطبية المتخصصة في علاج ومداواة الأمراض والآلام المزمنة.

 

تواصلنا مع حالات قصدت زيارة سوريا لتلقي العلاج والاستشفاء لحاجات طبية متنوعة.

 

بابتسامة مشرقة، لا تزال رهان العموري (38 عاماً) من دولة الكويت ترغب بالتحدث عن تجربة علاجها في سوريا، حيث رزقت بتوأم ثلاثي بعد عناءٍ وانتظار عاشته طيلة عشر سنوات.

 

وقالت العموري: “عانيت من مشاكل في الإنجاب، وبعد حرمان ومسيرة صبر وأمل استمرت أكثر من عشر سنوات، قلّت فرصة الأمل، فقررت التوجه للعلاج في مركز في العاصمة السورية دمشق، لما سمعته عن حالات لاقت نجاحاً، لأسباب منها خبرة بعض الأطباء الذين لمع اسمهم في مجال معالجة العقم ومتابعة عملية الحمل حتى ما بعد الولادة، بالإضافة إلى الأجور المعقولة مقارنة بدولة الكويت التي أعيش فيها”.

 

وأضافت: “تواصلت مع المركز وحددوا لي موعداً، وبعد القيام بكافة التحاليل والدراسة الصحية والطبية لي ولزوجي، تم الاتفاق على إجراء عملية الزراعة عن طريق طفل الأنبوب، وبعد نجاح العملية في مرحلتها الأولى استمريت على برنامج مدروس في الرعاية الطبية على مدار الأشهر التسعة، لأن الحالة كانت حرجة فاضطررت للإقامة في سوريا خلال أشهر الحمل، وتوّجت فرحتي ورزقت بـ3 ملائكة، كانت فرحتي لا تقل عن فرحة الكادر الطبي الذي رعاني طيلة أشهر الحمل، أيام لن أنساها وسأحكيها لأطفالي في المستقبل”.

 

وتلفت إلى أنّ تدني تكاليف العلاج والدواء في سوريا مقارنة بمعظم الدول كان له الدافع الكبير لاختيار هذا البلد، “فتكلفة العملية في سوريا 1400$، أما التجربة السابقة التي أجريتها في دولة عربية مجاورة، فبلغت تكلفة العملية 10000$”.

 

 

السياحة الطبية مصدر دخل متجدد للسوريين 

 

التكوين الجغرافي في سوريا وطبيعتها وموقعها بين دول عربية، ساهم في توفير مقومات السياحة والعلاج، وخاصة لمن ليس له قدرة السفر نحو أوروبا وغيرها.

 

ويقصد المغتربون السوريون زيارة بلدهم وأهلهم واستغلال وقت من هذه الزيارة في المداواة والاستطباب لتوفير نفقات العلاج الباهظة في دول المغترب، وكذلك يفعل سكان دول الجوار، فرغم الغلاء الحاصل في سوريا، ما زالت الأسعار فيها أقل من جوارها، ولذلك تعد السياحة الطبية بمثابة مورد اقتصادي مهم للدول التي تقدم هذا النوع من السياحة وتشجع عليه، فهي تدير عجلة الحياة في كثير من الجوانب من حجوزات الفنادق والمواصلات والمطاعم لتنتهي في المراكز الطبية.

 

أحمد العامر (69 عاماً) من العراق، قصد سوريا لإجراء عملية زراعة للأسنان، قال: “تجربة العلاج في سوريا خدمة كبيرة ورحمة لجيرانها، اعتدنا منذ زمن المجيء إلى هذا البلد الطيب لتلقي العلاج والتنزه، وفي هذه الزيارة قررت إجراء عملية زراعة لأسناني وكانت على أولى قائمة الزيارة، تعرضت لمشكلة خلال العملية كان سببها سوء التخدير وأرجع الأطباء السبب لتراجع جودة مادة التخدير المتوفرة، لكن كانت عابرة، ولم تؤثر على نجاح عملية الزراعة. فكلفة عملية زراعة 12 سناً كانت 4500$، مع أن تكلفتها في العراق هي أكثر من ضعف المبلغ، وسأستغل أيام النقاهة لزيارة بعض المعالم الدينية الشهيرة في دمشق”.

 

 

السياحة الطبية تنشط في الصيف 

 

تنشط السياحة الطبية في سوريا أكثر خلال العطلة الصيفية بقصد السياحة بالإضافة إلى العلاج وتعتبر السياحة العلاجية أحد أبرز مقاصد السياح لسوريا، وتعد أهم ركائز ودعائم الاقتصاد من بعد السياحة الدينية، وتساهم في دعم الأطباء والمراكز الطبية وتوفير فرص عمل من خلال المشاريع السياحية المختلفة، ويقصد المرضى الأجانب في الوقت الحالي أطباء الأسنان بالدرجة الأولى وخاصة أن لسوريا حصة كبيرة في خبرة أطباء الأسنان على المستوى العربي والعالمي، ومن ثم أطباء القلبية، وعلاج الغدة، بالإضافة إلى عمليات زرع طفل الأنبوب وبعض عمليات التجميل.

 

ويقدر عدد السياح الداخلين إلى سوريا ما يقارب المليوني زائر سنوياً، وللسياحة الطبيية نصيب وافر، منهم يقدر بثلث هذا العدد، وتعمد المكاتب السياحية إلى تنظيم الزيارات إلى سوريا وترويج البرامج السياحية الطبية المنظمة، ما يساهم في تنشيط عمل الأطباء والمراكز الطبية.

 

رشاد مراد، سفير المجلس العالمي لزراعة الأسنان في سوريا، قال : “عملية السياحة الطبية مفيدة لكل الأطراف وتحقق توازناً في العمل والإيرادات، والعملية مستمرة سواء كانت للطبيب أو للمرضى، وجامعاتنا مزدهرة دائماً بالتدريب والمؤتمرات، وهذا ما يحافظ على تقدم مستوى الأطباء، وينعكس إيجابياً على سمعتنا الطبية”.

 

وأضاف: “كانت سوريا مقصد العالم العربي قبل الأزمة، وأنا من الأطباء الذين شهدوا ازدهاراً جميلاً قبل الحرب على سوريا، ومع حلول الحرب اقتصرت السياحة الطبية على الدول المجاورة من العراق ولبنان لفترات طويلة، حتى عاد السوريون المغتربون إلى سوريا منذ 2015 وبعدها”.

 

 

العقوبات ونقص الإمدادات 

 

أثرت الحرب على سوريا بشكل كبير على تضاؤل نسبة الوفود إليها وتراجع مستوى  الجانب الطبي. ويقول الخبير الاقتصادي علي صبوح: “أكبر مشكلة نعاني منها في الوقت الحالي هو نقص الأطباء، فبسب الهجرة إلى أوربا واللجوء إلى تركيا أو لبنان خسرنا أسماءً لامعة وكفاءات وخبرات واختصاصات مهمة نحتاج زمناً لتعويضها، وهذا الشيء أثر علينا وعلى اسم سوريا عالمياً، بالإضافة إلى روتين الاستيراد فهي عقبة أساسية في تطور السياحة الطبية”.

 

وأضاف صبوح: “يقترن العلاج والدواء بفترة إقامة السائح في البلد فقط، أي أن الأمر يفتقر تماماً للمتابعة الطبية بعد مضي فترة من الزمن وعودة السائح إلى بلده، أما موضوع فشل بعض العمليات أو تدني نسبة نجاحها فهو موضوع طبيعي، فلكل عملية نسبة نجاح وفشل، إمّا لسبب عضوي عند المريض، أو بسبب خطأ طبي غير مقصود، أو نقص في نوعية الأجهزة، أو تعقيم الأدوات، وخصوصاً أننا نعاني من نقص توريد المعدات الحديثة المستخدمة في العمليات في الوقت الحالي، وغالباً ما تذهب الأخطاء الطبية مع حالات انعدام التأمين الصحي للأجانب في سوريا، ومن الممكن معالجتها حسب أخلاق الطبيب، لتعاود استقباله مجدداً ومعالجة الخطأ، أما من الناحية القانونية فكثير من الحالات تتعرض لفشل خلال إجرائها للعمليات، ولا يحالفها الحظ والنجاح وتذهب نتائجها مع أصحابها، وهذا سبب من أسباب تردد بعض الأجانب في اختيار سوريا، لتكون مقصداً لعملياتهم، ولكن بالرغم من كل ما ذكر فإن النتائج الإيجابية الناجحة هي كبيرة”.

 

يشار إلى أن السياحة الطبية جزء من تاريخ الطب السوري وهي مرتبطة بسمعة الطب ومكانة الطبيب السوري في سوريا والعالم، حيث أثبت الأطباء السوريون نجاحاتهم وتميزهم في دول الاغتراب في ألمانيا وسويسرا وغيرها، وتلاقي هذه السياحة نجاحاً مع مرور الزمن، بالرغم من كل التحديات التي عصفت بسوريا، وما يقدمه الطب السوري من خدمات تضاهي دول العالم خاصة في ظل نقص الإمكانيات، وكان لسوريا مكانة تكنولوجية متقدمة في الأجهزة الطبية، لكن العقوبات ساهمت بنقص كبير في المعدات وصيانتها في حال حدوث  أعطال بسبب المقاطعات المجحفة بحق سوريا.

 

أ.ش

المصدر: الميادين