كيف نتعامل مع الأطفال في ظروف الحرب

خاص الوفاق: إنتبهوا!!! الكذب على الطفل أو تضليله أو إعطاؤه الأمان المزيّف، يجعله يفقد ثقته بالراشدين من حوله وهذا أشد عليه من صدمة الحدث الذي يختبره، فإنهيار بطله الخارق شيء وفقدانه الثقة به شيء آخر تمام.

2024-01-31

د. رُلى فرحات

 

أولًا وكي نفهم ما يشعر به الطفل وكيف يفكر في ظل الحرب والخوف والأزمات علينا أن نعد بذاكرتنا إلى زمن كُنّأ نحن في ذات عمره أي حين كانت الأشياء تبدو لنا كبيرة وبأحجام ضخمة وبمعظمها غير مفهومة، حين كان الكبار بالنسبة لنا هم أبطال خارقون “نعم كانوا بالنسبة لنا أبطال خارقون يقومون بأمور أكبر بكثير من إمكانياتنا في مرحلة الطفولة فهم السند والحمى والملجأ وصانع المستحيلات”

حين نعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة حينها نستطيع أن نتخيل الظروف التي اختبرها هذا الطفل الصغير خلال حرب ما بما فيها من خوف، وتوتر، وحصار، وقصف، وموت، وخراب، وقتل، وقصف، وتدمير)، وحرمان من أبسط الاحتياجات الرئيسية في هرم ماسلو (مأكل، مشرب، مسكن آمن) وهذا ليس كل شيء بل الأهم من كل هذا هو مشاهدته لبطليه الخارقين (الأم والأب) وهما عاجزين عن حمايته ودفع الأذى عنه وعن أفراد أسرته وحتى عنهما – إنهيارها يعني الكثير – وكأنه يرى سوبرمان وجرندايزر يتدحجا إلى الهاوية… وهنا تنكسر صورة البطل فيحل محلها الخوف الشديد والضياع وتبدأ بذرة الصدمة بالتشكل، كيف لا وفي عيونه الصغير يرقب ضياع الأمل… أظن أنني الآن قد وفقت في رسم هذه الصوررة الشاحبة التي يشاهدها هذا الطفل الصغير كيفما برم رأسح وشاح بنظره عن واقعه الجديد المرير.

 

كيف يعبر الأطفال عن معاناتهم في ظل الظروف الصعبة؟

تختلف ردود الفعل من طفل لآخر، فلكل طفل ردة فعله الخاصة على الحدث، فيعبّر عن معاناته بطرق مختلفة منها المباشرة والغير مباشرة، وتعتمد على ثلاثة عوامل هي:

  • عمر الطفل وطبعه (هادىء، عصبي، …)
  • نوع الحدث الذي يختبره
  • قوة علاقة الطفل بأسرته والجو الأسري الذي يعيشه

ومن هنا يأتي تعبير الطفل بطرق مباشرة عن طريق وصف مشاعرهم (ضيق، حزن، إنزعاج، خوف، غضب، توتر) أو عبر الحركة الزائدة وطرحه للأسئلة بشكل مفرط.

أمّا التعبير بطرق غير مباشرة فيأتي من خلال ظهور مشكلة ما تعبّر عما يمر به وعمّا يختبر، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • إضطرابات في النوم (الأرق، الكوابيس، أو الإفراط في النوم
  • إضطرابات في الكلام (التلعثم أو التأتأة)
  • عدم التحكم في التبول أو التبرز (إمساك أو إسهال أو حتى تبول لاإرادي).
  • شدة تعلق الطفل بأفراد أسرته، وخاصة والديه ومحاولة الإلتصاق بهم طوال الوقت خوفا من فقدهم.
  • النكوص: أي عودة الطفل إلى استرجاع سلوكيات طفولية غير مناسبة لعمره، مثل: (مص الأصابع والحبو، وغيرها)
  • أمراض نفسجسديّة وهي الأمراض والأوجاع الجسديّة النّاجمة عن سبب نفسي أي لا يوجد سبب بيولوجي لظهورها، مثل: (آلام في البطن، أو الرأس، تشنج الأطراف نتيجة للتوتر النفسي قد يصل حد الشلل المؤقت أي أنه مرتبط ظرفيًا بالسبب النفسي مثل الخوف والتتر والصدمة).

نصيحة هامة جدًا:

يجب علينا مُصارحة الطفل بما يجري وعدم الكذب عليه، فلا تستخفوا بذكاء الأطفال إذ أنّهم يُصورون كل شيء ويرقبون عن كثب أمورًا نحن الراشدون لا ننتبه لها أحيانا، فهم يُشاهدون سلوكياتنا ويأخذون منها أكثر بكثير مما نحن نتصور حتى وإن لم يكن لديهم الفهم الكافي والمعلومات الكاملة عمّا يجري، لكنهم يستشعرون بما يدور حولهم من أحداث وسلوكيات وألفاظ.. صدقونني كل شيء!!!!

إنتبهوا!!! الكذب على الطفل أو تضليله أو إعطاؤه الأمان المزيّف، يجعله يفقد ثقته بالراشدين من حوله وهذا أشد عليه من صدمة الحدث الذي يختبره، فإنهيار بطله الخارق شيء وفقدانه الثقة به شيء آخر تمام.

بعض النصائح الأساسيّة في التعامل مع مخاوف الأطفال بغرض التخفيف عنها، فيكف عن الشعور بالوحدة، ويقدر على التأقلم مع معاناته بشكل أفضل، ويستطيع أن يواجه الأوضاع الصعبة رغم صغر سنه:

  1. اضبط إنفعالاتك وكن متفهما ومتعاطفا معه
  2. ساعد طفلك في التعبير عن مشاعره وانفعالاته بحرية تامة عبر القصة واللعب والحوار ولعب الأدوار فهذ من الأمور المهمة في مساحة التعبير.
  3. إعترف بمشاعره واحترمها كما هي وسمّها بمسمياتها الحقيقية، فلا يوجد في مسألة المشاعر صح أو خطأ.
  4. أكد لطفلك أنك مدرك لمشاعره التي عبّر عنها، وأنك تفهم مشاعره جيدا، وتأخذها على محمل الجد وتقدّر ثقته بك وبمصارحته لك.
  5. عندما يعبر طفلك عن خوفه فعليك أن تُثني على ما قام به وأن تؤكد له تفهمك مخاوفه وبأنّ وجودك بجانبه لحمايته ولمساعدته وبالطبع عزّز عنده مشاعر الإيمان والقوة واغدق عليه بالحب وبالوقت.
  6. عندما يعبر لك عن المشاعر السّلبيّة التي تختلج في صدره من كره وحقد وأسى وخوف جرّاء الأحداث الّتي تجري من حوله، فمن المهم جدًأ أن تقبل مشاعره السلبيّة (وفي مرحلة لاحقة يمكنك العودة إلى تصحيح المعلومات وتوضيح الأحداث).
  7. تجنب النقد وإصدار الأحكام لما ستسمعه من طفلك، وعليك أن تتحلى بالصّبر، بمقدار امتصاصك لغضبه تستطيع أن تُهدّء من روعه.
  8. إياك أن تقل: (أنتَ رجل والرجال لا تبكي)، (لا يوجد ما يستدعي كل هذا الخوف، لا تكوني جبانة).
  9. إبتعد عن النّصائح المستمرة والمحاضرات الطويلة.
  10. ساعد طفلك في التعامل مع الظروف الصعبة عبر إعطائه بعض المسؤوليات الصغيرة وإشعاره بأنّ له دور في المساعدة
  11. ساعد طفلك في استعادة السيطرة وقم بتفعيل بديل عبر تمارين التنفس وابتسامتك التي ستكون مجبرا أن ترسمها بين الفينة والفينة على وجهك كي يشعر بالأمان.. ايضا المس بيدك رأسه وارتب على كتفه، إجعله يشعر بقربك الدائم منه.
  12. إنتبه للغة جسدك وتعابير وجهك، فأحيانا قد يبدو على وجهك الضّيق أو الضجر، نعم أفهم الظروف وعليك أن تتذكر دائمًا أنّ طفلك ذكي وتعابير وجهك ستتركُ أثرا سلبيا عليه أقوى بكثير ممّا تظن وإن لم تتفوه بكلمة واحدة.

 

أحد العوامل الأساسيّة التي تسهم في زيادة الخوف هو إنعدام المعرفة أو قلتها، فكثير من مخاوفنا تنبثق من أمور غير معروفة لنا أو غير محددة. وبما أن الأطفال بصورة عامة معرفتهم محدودة، وهم ينظرون إلينا كموسوعة معرفيّة نُجيبهم عادة على أي سؤال، فعدم إجابتنا الواضحة على تساؤلاتهم تزيد مخاوفهم، وتجعلهم حائرين، ولديهم العديد من التساؤلات.

(وهذا هو الواجب في جميع الأحوال – حتى إن كُنّا لا نعرف الجواب، فنستطيع مشاركة الطفل بالتساؤل والبحث سويا عن الإجابات الصحيحة، أو أن نقدّم له الوعد بالبحث عن الإجابة وإجابته بوقت قريب وهذا من شأنه تعزيز ثقة الطفل بأهله وشعوره بمدى مصداقيتهم، وحتّى لا نفسح له المجال للبحث عن المعلومات بنفسه وهذا ما يُعرضه في كثير من الأحيان لمعلومات مغلوطة وخاطئة – بالطبع أتحدث عن أي موضوع كان إذ يجب أن يكونوا الأهل هم المرجعيّة الأولى – فوظيفتنا نحن الراشدون هي الإجابة على أسئلة الأطفال بصدق وتزويدهم بالحقائق. فالمعرفة والفهم من المتطلبات الأساسيّة لإعادة التوازن النفسي والذهني للطفل.)

 

تذكّر:

إنّ لدى الأطفال قوة داخليّة كبيرة تساعدهم في التأقلم، فهم يساعدون أنفسهم بأنفسهم، ومع هذا فهم بحاجة إلى التشجيع الدائم والدعم المستمر. فالقيام بفعاليات متنوّعة وبأنشطة مختلفة تُعدُّ من الأسباب المهمّة في إعادة السيطرة على الواقع وإعادة التوازن النفسي، وقيامنا بأعمال ترتبط بالحدث يساعدنا على الشعور بأننا فاعلون وقادرون، وتساعد في تأقلمنا جميعا في مواجهة الحدث وتقبل مجرياته.

وعليه، يمكن مشاركة الطفل بالرسم، والعب بالصلصال أو الرمل، والحجارة والورق، ورواية القصص والحكايات، وحتى بأكواب وبصحون وبملاعق البلاستيك وغيرها من الأنشطة الكثيرة التي تساعد الطفل على التعبير والفهم والتّفريغ والتواصل خلال الظروف الصعبة.

يبقى أن نقول على أنه رغم فداحة التّأثير السلبي للحروب على الأطفال، فإن دماغ الإنسان يتميز بالمرونة وبالتكيف خاصة في الظروف النمطيّة المكررة، لذا كلما وضعنا لأنفسنا ولأطفالنا روتينًا يوميًا مفعمًا بالأمل، كلما أعطى ذلك نتائج إيجابية، وقلل من سلبيات حالات الطوارئ وتأثير الحدث الصّادم.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/خاص