أشعار فلسطين

الرصاص يثقب ثوب البحر

الحزن هو ساعي البريد الوحيد الّذي.. يمرّ على كلّ منزلٍ تقريبًا.

2024-02-02

ساعي البريد

الحزن هو ساعي البريد الوحيد الّذي

يمرّ على كلّ منزلٍ تقريبًا.

لا عنوانَ مرسلٌ على المظروف الأسود

ولا الخطّ قابلٌ للقراءة.

 

الكلّ يعبس دون ملامحَ

وعصافير الربيع باعتْ حقوق الغناء

لأشجارٍ على حافّة الجبال الباردة،

فشوارع المدينة خاليةٌ إلّا من دبيب الماضي.

 

لا يحتاج ذلك البريد لطوابعَ أو شحنٍ،

فالهواء المكدّس بالعماء عربته المفضّلة،

وقبلة الخواء بشفاهه السوداء طبعةٌ منمّقة،

وشَعْرُ جارة المنزل المهجور ربطة عنقٍ للبدلة السوداء.

 

أحجار الرخام الداكن تتصلّب في البرد القارس،

وغيومٌ بيضاءُ تنام على فخذ الجبل الصغير.

أمّا النهر فيستيقظ كلّما همستْ شجرة السرو مع كلّ هبّة ريح.

وأنام أنا عميقًا قبل أن يأتي بريدي

وأعطس روحي.

 

 

وفاة غيمة

ماتتْ غيمة المساء ولم تجدْ

مَنْ يستقبل رفاتها

 

لا البحيرة ولا البحر

لا الوادي ولا النهر

قدّم تعازيه للسماء.

 

حتّى القمر أشاح بوجهه عنها،

ذلك القمر الّذي كلّ ليلةٍ كان يمتّع ناظريه

مِنْ علٍ بمشاهدة أثدائها

وهي تُرضع البساتين

وفستانها الشفّاف ينخلع عنها

مع كلّ عاصفةٍ رقيقة.

حتّى الناس لم ينتبهوا لموتها،

لكن لا أحدَ يعرف أنّ هذه الغيمة

هي نفسها الّتي سقتْ نبيًّا تائهًا

ومعلّمًا مفلسًا قرب البئر.

 

لا بأس يا غيمة،

فسوف تحوّلك الشمس إلى رماد،

وتطيري في الفضاء جنازة.

ستأخذك العصافير تدفن رفاتك

تحت شجرةٍ بَنَتْ عليها عشّها الجديد،

وبدمعها ستكتب تاريخ الوفاة

 

 

تُمطرنا الأرض

في بلادي، تمطر الغيوم دمعًا،

تجرح ظلّها الأسلاك الشائكة على الحدود.

في بلادي، يثقب الرصاص ثوب البحر،

يذوب دم الصيّادين في الأمواج السود.

آسف يا سرب الحمام

آسف يا عائلة الغمام

المسافرة من بلدٍ إلى بلد.

بلادي تضيق بنا،

هل تحملوننا معكم فوق الهواء؟

هل نخلع أجسادنا لنطير معكم؟

هل يحتمل الفراغ فراغًا فوقه؟

هل نسافر بلا جوازات سفر،

وبلا تذاكر طائرةٍ وبلا حقائب؟

سئمنا حملنا وحمل وطننا معنا.

قتلنا انتظار وصولنا للمحطّة القادمة.

شابتْ ملابسنا لمّا عرفتْ أنّنا لم نبدأ

الرحلة بعد.

تيبّستْ أقدامنا ونبتتْ عليها طحالب الجدران.

طالتْ أظافرنا لنحفر قبورنا تحت شجر السنديان.

متى ستمطرنا الأرض نحو السماء؟

 

 

قبل الجنازة

تمشي الرياح بأثوابها الخيلاء فوق الصخور،

فوق البيوت، فوق الحفر،

فوق البحر وفوق مشاعل النور

في الشوارع المرهقة.

 

يهطل المطر بخطًى واثقة.

تستلقي الرياح على الأرض الباردة،

تمدّد يديها وتغسل نهودها.

تنادي على الغيوم بصوتها المبحوح،

“شكرًا يا عربات الطهر.

أحبّكنّ يا بنات السماء

ويا ساهراتٍ فوق جفون المساء.”

يوقف البحر تصفيقه قليلًا وقت العاصفة.

يرخي أذنه لنوتة الطيور وهي تهبط مع البرق،

تهوي نحو الحقول،

تترك ريشها فوق القبور،

تذهب تستحمّ تحت الغيوم.

 

غيمةٌ صغيرةٌ مرّتْ مرّةً فوق الوادي،

توقّفتْ فوق شجرة جوّافةٍ تعرّتْ

إلّا من عشٍّ أكل عليه الخوف وشرب.

ألقتِ الغيمة ما في فمها وسقتْ عصفورًا

تكبره هي بساعة.

 

والريح تنهض مرّةً أخرى،

تكنس الأوراق المبلّلة قبل أن تمرّ الجنازة.

 

 

مصعب أبو توهة

شاعر وكاتب فلسطينيّ

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ وكالات