ولمن لا يعلم تسخّر “غوغل” بموجب هذا المشروع ــ الذي يقوم على شراكة بينها وبين “إسرائيل” وشركة “أمازون” ــ التكنولوجيا في خدمة الكيان الإسرائيلي لمراقبة الفلسطينيين والتجسُس عليهم بُغية وضعهم كبنك أهداف للقتل والتهجير والانتقام. كيف يتم ذلك؟ يُوفّر المشروع المذكور لكيان العدوّ الخدمات التي تُسمى بالحوسبة السحابية “Cloud” مع تقنيات الذكاء الاصطناعي من كاميرات مراقبة للتعرُّف على ملامح الوجه، وتتبع الأشياء.
أكثر من ذلك، يعمل المشروع على تحليل المشاعر وتقييم المحتوى العاطفي للصور، الكلام، والكتابة، من دون أن يكون لشركة “غوغل” أو حتّى “أمازون” حق التدخل في الطريقة التي تُستخدم بها تلك التكنولوجيا. وعليه، تُسيطر “إسرائيل” بموجب الصفقة على كبريات الشركات الأميركية وكلّ ما تُوفره من خدمات بُغية أهداف جرمية وحشية، لتكون التكنولوجيا في خدمة القتل. الواقع الذي يؤكّد حقيقة أنّ البصمات الأميركية حاضرة في كلّ مصلحة إسرائيلية. في كلّ ما يخطر ولا يخطر على البال، نجد الخدمات الأميركية مسخّرة للربيبة الإسرائيلية، وهو ما بدا واضحًا في مذكرة كورين التي قالت إثر المضايقات التي تعرّضت لها: “تُسكِت “غوغل” بشكل منهجي الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة التي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ الشركة في انتهاكات حقوق الإنسان بفلسطين، إلى درجة الانتقام رسميًا من الموظفين وخلق بيئة من الخوف”.
وفي عام 2021، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية رسالة وقّع عليها عاملون في الشركتين من خلفيات متنوعة لم يكشفوا عن أسمائهم خشية الانتقام. وقد قالوا في الرسالة: “إنّ التكنولوجيا التي نبنيها يجب أن تعمل على خدمة الأشخاص والارتقاء بهم في كلّ مكان، بما في ذلك جميع مستخدمينا. باعتبارنا عمالًا يحافظون على استمرارية عمل هذه الشركات، فإننا ملزمون أخلاقيًا بالتحدث علنًا ضدّ انتهاكات هذه القيم الأساسيّة. ولهذا السبب، نحن مضطرون إلى دعوة قادة “أمازون” و”غوغل” إلى الانسحاب من مشروع “نيمبوس” وقطع جميع العلاقات مع “الجيش الإسرائيلي””. وفق العاملين، وُقّع هذا العقد الخطير في الأسبوع نفسه الذي هاجم فيه “الجيش الإسرائيلي” الفلسطينيين في قطاع غزّة، ما أسفر عن “مقتل” (استشهاد) ما يقرب من 250 شخصًا، من بينهم أكثر من 60 طفلًا. ويتابع هؤلاء العاملون “أنّ التكنولوجيا التي تعاقدت شركاتنا على بنائها ستجعل التمييز والتهجير المنهجي الذي يقوم به الجيش والحكومة الإسرائيليان أكثر قسوة وفتكًا بالفلسطينيين. لا يمكننا أن نغض الطرف، لأن المنتجات التي نصنعها تُستخدم لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسيّة، وإجبار الفلسطينيين على الخروج من منازلهم، ومهاجمة الفلسطينيين في قطاع غزّة – وهي الإجراءات التي دفعت المحكمة الجنائية الدوليّة إلى إجراء تحقيقات في جرائم الحرب”.
مسلماني: القيمة المالية للعقد تشير الى خطورته
رئيس لجنة خبراء التكنولوجيا في شبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان الدكتور جمال مسلماني يشرح أبعاد “نيمبوس”، فيوضح أنّ حكومة العدوّ تدّعي أنّ هذا المشروع عبارة عن “مبادرة وطنية” توفّر خدمات سحابية لحكومة ما تُسمى بـ”إسرائيل”، تُديرها بشكل مشترك بالتعاون مع جهات عدّة. وفق مسلماني، فإنّ القيمة المالية الكبيرة للعقد والتي تتخطّى المليار دولار تشير إلى خطورة هذا المشروع الذي يسمح لجيش وحكومة الاحتلال بجمع البيانات بواسطة الذكاء الاصطناعي ومراقبة الأفراد، وكلّ ذلك في صورة غير قانونية، فالعقد غير قانوني، وحتّى لو كان قانونيًا فهو غير مشروع حيث يُشرّع الاعتداء على حرية الآخرين الشخصية.
يشدّد مسلماني على أنّ المشروع الذي بدأ العمل به عام 2021 يستهدف بالدرجة الأولى الفلسطينيين، حيث توفّر جهات تكنولوجية كبيرة مثل أمازون (Amazon Web Services) وغوغل (Google Cloud Platform)، وهما من كبريات الشركات في عالم التكنولوجيا، توفّران خدمات كبيرة لـ”إسرائيل”، وتحديدًا شركة “أمازون” التي تقدّم خدمات سحابية، ما دفع حكومة الاحتلال للتعاون معها، وهي شركة كبيرة وضخمة. التعاون لا يقتصر على الجوانب الاستخبارية بل يتخطّى مجالات أخرى تسويقية وتجارية تعود بالربح على حكومة الاحتلال، وفق ما يؤكّد مسلماني الذي يشير إلى إنشاء مشاريع ناجمة عن هذه المعلومات التي تمّ سحبها من المشروع، ما خلق بلبلة كبيرة جدًا، حيث اعترض الكثير من الموظفين على “نيمبوس”، وحصل جدال كبير انتهى بتقديم لوائح اعتراضية اعتبرت أن المشروع يقوم بأعمال حساسة سرية، منها ما يتعلق بالمخابرات والرقابة. وقد استمرّ النقاش وبقي الاحتجاج موجودًا في قلب شركة “غوغل” حتّى ما بعد حرب غزّة، ما دفع بالشركة إلى أن تحاسب وتقاضي وتسائل الموظفين عن ردود الفعل تجاه هذه الصفقة.
يلفت المتحدّث إلى أنّ هكذا مشاريع تقوم على عدة عناصر تستعملها أجهزة الاستخبارات بشكل عام وتكون مدعّمة بالذكاء الاصطناعي، وهذه الخدمات بأكملها موجودة في “غوغل”، ليستفيد بهذه الطريقة “نيمبوس” من منصة “غوغل”، ويصبح كلّ ما توفّره هذه الشركة من خدمات ــ تتخطّى محركات البحث طبعًا ــ في خدمة المشروع. وبهذا المعنى، فإنّ ما يتم تداوله من قبل المستخدمين على هذه المنصة من خدمات بحث، و”غوغل لانس”، وصور وما إلى هنالك من خدمات لها علاقة بالأخبار وتحليل السلوك للفرد ونشاطه على الانترنت، وتحليل للمشاعر عبر الذكاء الاصطناعي، فعندما يعبّر المستخدم عن رأيه في قضية معينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يحلّل المشروع ما أدرج في المنشور من مشاعر للمستخدم، لمعرفة ما إذا كان حزينًا أم فرحًا، أم أنه يشعر بنشوة النصر أم الانكسار وغير ذلك من مشاعر.
يؤكّد مسلماني أنّ هذا المشروع ساهم كثيرًا في قتل الفلسطينيين وتحديدهم كبنك أهداف من خلال تحليل “الداتا” التي تمّ جمعها قبل حرب غزّة وخلالها. وساهم في تحديد فئات الفلسطينيين وتقييم العوائل من حيث الطبقات الاجتماعية والمالية والارتباطات العائلية. كما ساهم في الكشف عن شبكات الأفراد العائلية وحركات التواصل سواء العائلية أم العملية، وهذا جعل الكيان يحدّد بطاقة الأهداف بناء على النواتج التي تخرج من “نيمبوس”، وبناء على الأهداف التي تصدر بمساعدة وسائل استخبارية ثانية، وتتم مقاطعتها مع مصادر جمع معلومات ثانية.
بناء على ما تقدّم، يؤكّد مسلماني على ضرورة الالتفات جيدًا لكل ما يُنشر على شبكة الانترنت وللخدمات التي تقدّمها شركات كبرى والتي أحيانًا ما تكون مجانية. وفق قناعاته، علينا الانتباه جيدًا قبل نشر أي معلومة قد تضر بنا أو بأمن بلدنا.
فاطمة سلامة
أ.ش