عشرة الفجر.. أي درس؟

تحتفل إيران ويحتفل معها عالم كامل من المستضعفين الحالمين المنتظرين، في أوائل شهر شباط/ فبراير، بمشهد عودة الإمام الخميني "قده" إلى طهران وذكرى "عشرة الفجر" المباركة، التي صححت مسار التطور التاريخي لطهران، وأعادت بوصلة الاتجاه إلى التوافق مع وضعها الطبيعي والصحيح، انتصارًا على غابة من الأعداء

2024-02-05

والأهم: إنها ثورة تمثل فجرًا نديًا لزمن جديد تحملنا إليه حُزْمَة متكاملة من أشرف القيم الإنسانيّة والدينية والخلقية، كما ينبغي أن يكون عليه فعل المؤمن المقاوم، وتمثلها بكلّ جدارة الثورة الإسلامية التي انطلقت شرارتها الحقيقية يوم الأول من شباط/ فبراير 1979، حين عاد الإمام القائد الخميني إلى مطار طهران بعد 16 عامًا من النفي والإبعاد، والاستقبال المليوني من الشعب الذي كان يرزح تحت ويلات حكم الشاه وتمسك بتلابيبه المؤامرات البريطانية والأميركية، وتشد وثاقه إلى التبعية المقيتة وشرورها، وبعد أن قدم الشهداء في ساحات المواجهة أمام أشرس أجهزة الأمن الدَّم أنهارًا، حان وقت القطاف مع عودة القائد إلى طهران، لتجد الثورة أخيرًا رجلها وإمامها الذي حققت فيه وبه آمالها وطموحاتها، وهي بعد في طريق مجدها وفخرها.

 

يمكن لأي إنسان عاقل واعٍ أن يلخص قصّة الثورة الإسلامية في حقيقة أن شعبًا يناضل سينتصر حتمًا، مهما طال الزمن ومهما عظمت التضحيات، وسيكسر بهاء وعنفوان أنياب أية قوة تحاول أن تكبح تطلعاته الطبيعية، يمكن أن نرى ونعاين في عشرة الفجر وانتصار الثورة الإسلامية المبارك والمذهل انتصارًا وشيكًا لغزّة المحاصرة وتثبيتًا للوعي الصحيح في العقل العربي والإسلامي، بأن طريق المقاومة هو عند المبدأ والأصل والجذر طريق نصر إلهي محتم، يمكن كذلك تصويب الخُطى في مواجهة العدوّ المباشر ومن وراءه الغرب كله، ولمس الحقيقة الأكثر بشاعة في عالم اليوم بأن الشيطان هو من وضع القواعد والقوانين، وبأن انتظار ما يجود به علينا من فضل التفات أو مشاعر كرم لن يحدث، وبأن البندقية وحدها هي ما تحمي الحق وتصونه.

 

جاءت عشرة الفجر بعد 26 عامًا كاملة من الانقلاب الغربي على تجرِبة الدكتور مصدق، قضاها الشاه في تعزيز قبضته الأمنية الخشنة على إيران، وخلق بنية مخابراتية وأمنية فائقة الطغيان، بالطبع الأنظمة الغربية ــ بالذات واشنطن ولندن ــ كانت تسبغ حمايتها على شرطي الخليج التابع لها، وكانت ممارسات القمع والإرهاب الواسعين لا تجد صدى دوليًا، ولا تثير حتّى اهتمام المتابعة، وهو شاهد آخر على المعايير الأخلاقية الغربية التي تعمل أولًا وأخيرًا وقبل أي شيء لمصالحها وحقوق إنسانها هي، ولو كانت خصمًا من حقوق كلّ إنسان على الكوكب.

 

لم يكن الإمام صاحب الهمة والضمير اليقظ، في قيادته بالذات للأيام العشرة المباركة للثورة الإسلامية، يخط طريقًا واضحًا أمام إيران، لكنّه أكثر من ذلك، كان يضع قواعد مبدئية ناصعة للمواقف، ويمنح لعقل المسلم ــ العادي ــ ورقة اختبار لا تخطئ في فهم أية وقائع أو شبهات ملغزّة، بمنتهى الصدق والشفافية، كانت الثورة الإسلامية في عمقها وبلاغة فعلها ونبلها المحلق هي إجابة مباشرة عن سؤال “ما العمل؟”، وطرحًا لمنهج مغاير في التفكير أولًا ثمّ الحركة ثانيًا، كانت هي إجابة انطلقت متحررة من أثقال قرون الظلام والتجهيل والطمس المتعمد للدين الصحيح ومقاصده العظمى وغاياته التي تحقق لإنسان هذا العصر السعادة والفوز، في الدنيا والآخرة.

 

قبل الإمام كان العقل المسلم أسيرًا لتبعية شرق/ غرب، إما مع موسكو أو مع واشنطن، لكنّه وجد مع القائد إجابة جديدة هي “نحن” تاريخنا وديننا وقيمنا، ولمس الحل الجذري لأزماتنا وطريقنا وعلاتنا كلها، دفعة واحدة، وجد في الروح حلًا وبداية، يحمل قيمة الحق بقدر ما يحمل معنى الحقيقة، ومعه وبعده تغيرت المنطقة كلها، كما لم تتغير من قبل في قرون طويلة وأزمنة ممتدة بعيدة في التيه المضروب عليها.

 

لم تنتصر الثورة الإسلامية في لحظة، ثمّ تهدأ وتيرتها، لكن هذه الثورة التي قدمها لنا الإمام كما يجب أن تحدث هي فعل مستمرّ في وجه الطغيان، وعهد يتجدد في كلّ موقف وكلّ لحظة، لم تتوقف المؤامرات على إيران قبل الثورة وبعدها، تغيرت الأشكال، من العقوبات المباشرة إلى الحصار الاقتصادي، إلى الحروب بالوكالة، وفي كلّ منعطف وأمام أي تحديات كانت الثورة هي التي تتولى الإجابة وتقديم قربان التضحية المقدس بأعز وأشرف الأبطال، وكانت جملة الإمام القائد دائمة التردّد والإلحاح هي أن “المؤمن دائمًا في موقف الفوز، شهيدًا أو منتصرًا”، لهذه الروحية التي تجدد بيعتها وإيمانها وثباتها، ولا تفقد اندفاعها الشريف ولا ترضخ أمام قلق أو تهديد، كانت الثورة الإسلامية هي النموذج الفارق في منطقتنا، النموذج الذي استطاع تحقيق مستحيل التغيير الجذري العميق، وما يزال يقدم لنا المزيد من الألق والدفء مهما ابتعدت بنا السنوات

 

أحمد فؤاد

 

أ.ش

المصدر: العهد