"تحولات النخبة الفلسطينية"لصقر أبو فخر:

نقاش في مواجهة الذوبان

صدر حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت، كتاب جديد للباحث والكاتب صقر أبو فخر بعنوان "تحولات النخبة الفلسطينية: مراجعات في التاريخ والهوية".

2022-12-28
يتألف الكتاب من أربعة فصول ومقدمة وافية عنوانها “مكر التاريخ والهوية الموشومة بالنار”. أما الفصول الأربعة فحملت العناوين التالية: تحولات النخبة الفلسطينية: من الأعيان والأغوات إلى التبعثر وضمور الفاعلية؛ ظاهر العمر الزيداني: أَبطل هو أم متمرد؟؛ الرموز والهوية: من الجماعة إلى المجتمع؛ السير والمذكرات: المكان والمحو. وتثير محتويات الكتاب قضايا تاريخية وراهنة وشائكة وحيوية في الوقت نفسه مثل الهوية والمستقبل، الهويات الموروثة المعيقة لمشروع التحرر الوطني.
ويدرس أبو فخر في كتابه الجديد تمثّلات الذاكرة الفلسطينية كالسِيَر والمذكرات، ويعالج مسألة ضمور الأنتلجنسيا الفلسطينية الحديثة، والتحولات الكبرى التي خضع لها المجتمع الفلسطيني منذ صدور قانون الأراضي العثماني حتى نهايات القرن العشرين، ويبحث، في نطاق هذه المسألة التاريخية، موضوعات مترابطة كالهوية والثقافة والتراث والسِير الذاتية التي هي تعبير عن حضور الذات في المكان.
يؤرّخ صقر أبو فخر لمسيرة انبثاق الوعي القومي في صفوف من قادوا المجتمع الفلسطيني في مراحله المتعاقبة، منذ الحقبة العثمانية حتى قيام السلطة الفلسطينية إثر توقيع اتفاق أوسلو عام 1993. يرى أبو فخر أنه طوال حكم الدولة العثمانية لم تتطور لدى الفلسطينيين، كما العرب، أي هوية قومية جلية، حيث ظل الفلسطينيون مقيمين عند هوياتهم الوشائجية الموروثة، يدينون في ولاءاتهم للعشيرة أولا، ثم للطائفة أو القرية. عدا عن أن فكرة الوطن أو الولاء للوطن كانت فكرة جديدة تماماً على الثقافة السياسية، ولم تبدأ بالظهور إلا في حقبة الاستعمار البريطاني أو قبله بقليل. وقد حاولت النخب المدينية الفلسطينية التي كانت قد تلقت تعليما في اسطنبول وبيروت ودمشق وأوروبا أن تطور هوية قومية عربية حديثة، مثل المفتي الحاج أمين الحسيني، غير أن عموم الشعب بقي، منقسما إلى مكوناته الأولى كالعائلة والعشيرة والمنطقة، مع ميل للانتماء للعرب. ويرى أن مفهوم الوطن هو أحد منجزات الحداثة. وقد تبلور هذا المفهوم في السياق السياسي والقانوني والفلسفي الأوروبي، ثم انتقل إلى العالم كله. وكان من المتوقع أن يساهم ذلك المفهوم في تكوين هوية وطنية أو قومية لفلسطين تنتج شكلاً حديثًا من الاندماج الاجتماعي نقيضًا للتذرر الموروث. لكن العائلة والعشيرة، ومعهما الطائفة، كانت التشكيلات الأكثر عنادًا والأكثر صمودًا في وجه عملية الاندماج الاجتماعي. وظل الفلسطينيون، بمعونة الوعي المشائخي، راقدين في نواويسهم الحجرية القديمة على غرار أهلهم في بقية بلاد الشام، ولابثين عند صفتهم المحببة كجماعة أهلية community لا كمجتع society. وكانت نُخبهم مطابقة لتكوينهم الاجتماعي ذاك، وللوعي المشيخي والقبلي السائدين، في ما عدا قلة قليلة هي النخبة المتنورة والطليعية، أي الأنتلجنسيا…
ويلفت أبو فخر إلى الفرق بين النخب والإنتلجنسيا مشيرا إلى أن النخبة الفلسطينية التي يبحث تحولاتها في كتابه هذا هي التي قادت المجتمع الفلسطيني في مراحله المتعاقبة، منذ الحقبة العثمانية حتى قيام السلطة الفلسطينية. بينما الانتلجنسيا هي فئة من المثقفين المستقلين عن أي سلطة دينية أو سياسية، يكرسون حياتهم لنشر رؤى وأفكار تتعلق ببناء الدولة والمجتمع. وبحسب أبو فخر فإن ضمور الانتلجنسيا الفلسطينية وانحسار فاعليتها اليوم أدى إلى شيخوخة المؤسسات العلمية والمنظمات النضالية التاريخية.
أخيراً يمثل “تحولات النخبة الفلسطينية” وفق بيان للناشر “تجوال فكري في بعض قضايا المجتمع الفلسطيني، وتجرّؤ على إعادة النظر في مسائل مستقرة وموروثة؛ فيراجع، على سبيل المثال، حكاية ظاهر العمر الزيداني ويضعها في سياقها التاريخي، ويجردها من لواحقها الخرافية”. وأضاف الناشر “يتطلع الكتاب، في نهاية المطاف، إلى قراءة التاريخ الفلسطيني قراءة نقدية متنورة، وإلى إثارة أسئلة ومساجلات علمية في مواجهة المحو والاندثار والذوبان”.