أي أوصاف للشخصية العربية في الرواية والمسرح الإسرائيليين؟

كيف يرى العربي والفلسطيني نفسه في الأدب والمسرح الإسرائيليين؟ وكيف يراه هذا الفن؟

2024-02-11

“إنّ ظاهرة الأدب الصهيوني تحتاج إلى دراسة دقيقة ليس غايتها تضخيم دوره وتحميله ما لا يحمل والدخول إلى الهوامش التي حققت له اتساعاً لا يتناسب مع كفاءته، ولكن لاكتشاف القاعدة الفكرية والسياسية التي يصدر عنها وكل ما يتأتى عن تلك القاعدة من نتائج”.

 

يُعد الكتاب الذي تركه غسان كنفاني “أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948- 1966” المرجعَ الأول والرائد للبحث ودراسة شخصية العربي (والفلسطيني) في الأعمال الصهيونية “الإسرائيلية” الأدبية، وذلك في فصلٍ منه هو: “البطل العربي في الرواية الصهيونية مقابل أدب المقاومة”. وكان كذلك قد وقف عند دراسة الأدب الصهيوني في مختلف مراحله في كتابه “في الأدب الصهيوني” سنة 1966.

 

قد تكون تلك المرة الأولى التي طُرِح فيها السؤال: كيف ينظر الأدب الصهيوني إلى العرب؟ كيف يرى العربي نفسه في الأدب الصهيوني؟ وكيف يراه هذا الأدب؟

 

اعتبر كنفاني هذا السؤال مهماً للغاية، لأنه يفضح وجهَي المسألة: وجه الاحتلال الصهيوني العنصري الذي يدأب على اعتبار العربي نوعاً منحطاً من البشر، ووجه المقاومة المشرق والواعي والمتفوق الذي يعبر عنه الإنتاج العربي الأدبي في الأرض المحتلة.

 

عبر هذين الوجهين أو هذا الصدام، نستطيع أن نستخلص صورة، لا لمهمات أدب المقاومة فحسب، بل أيضاً لقيمة الأدب الصهيوني وحقيقته حين يتعامل مع “البطل” العربي.

 

 

في الرواية الصهيونية

 

يقف الأدب الصهيوني جزءاً من حركة الثقافة السياسية وواحداً من الضغوط الأساسية التي تتصدى لأدب المقاومة، لا للتأثير فيه وسحقه فقط، بل أيضاً لتشويهه ومحوه على صعيد الدعاية الخارجية، كما قال كنفاني.

 

ثمة ميزتان تكادان تكونان المحورين الأساسيين اللذين يديران الغالبية الساحقة من الأعمال الأدبية الصهيونية هما: احتقار من هو غير صهيوني (الصهيوني هنا تعني الذي اختار وقبل اعتبار الدين والعرق شيئاً واحداً)، واللجوء إلى المبالغة البطولية في وصف الصهيوني لتغطية احتياجات ذلك الاحتقار وإعطائه مبرراته.

 

كان هذان المحوران دائماً، عبر معظم فترات التنفس الأدبي اليهودي، سلاح الانعزال والمتراس الذي من ورائه رفض معظم اليهود مبدأ الاندماج بالشعوب الأخرى.

 

إنّ الروايات الصهيونية التي كتبت بعد نكبة 1948 تميزت بالميزتين السابقتين: الإصرار على بطلٍ يهودي معصوم ومتفوق، والإصرار في الوقت ذاته وتوضيحاً للصورة على احتقار الجانب الآخر، أي العرب.

 

إنّ مثل هذا الانحراف في الرؤية، وفقاً لكنفاني، لا يوجد في أي نوع من الأعمال الأدبية المعاصرة، مثل وجوده في الأعمال الصهيونية.

 

حين يتعامل أبطال الأعمال الأدبية الصهيونية (وهم أبطال يجيئون دائماً من ألمانيا الهتلرية بمعجزة، ويحفظون التوراة غيباً) مع أعدائهم، أي العربي – الفلسطيني، فإنّ الحاجة إلى نوعٍ جديد من الأسلحة تصبح ملحة. وهكذا، لا يجد الروائي الصهيوني مناصاً من أن يجعل قضيته مع هذا العدو (العربي الفلسطيني) قضية “جدارة” في الحياة. وفوراً، ينتهي إلى أنّ العربي هو دائماً وضيع وغير إنساني وخاطئ.

 

العربي في رواية “نجمة في الريح” لروبرت ناثان ليس عنيفاً فقط، بل هو وضيع وجبان أيضاً. أما في “لصوص في الليل” لأرثر كوستلر، فإنّ سكان قرية عربية كاملة هم من الأميين والبهاليل. وفي “إكسودس” لليون أوريس، توجد أكوام من الشتائم الغريبة. وفيها، نجد أنّ أفضل شاب عربي اسمه كمال، يتمتع بميزة ليستحق عطف المؤلف وأبطاله، هي اعتقاده أنّ اليهود هم الخلاص الوحيد للشعب العربي. وقد صارت “إكسودس” مقياساً ونموذجاً للأعمال الأدبية التي نشرت معها وبعدها وقبلها.

 

ثمة نماذج كثيرة أخرى يماثل خطابها خطابات الروايات السابقة، مثل “طوبى للخائفين” ليائيل دايان، و”الانتصار الأكبر” للستر غورن، و”الرغبة الأخيرة” لجوزيف فيرتل.

 

هكذا أراد كنفاني أن يتوصل إلى أنّ إخضاع الأدباء الصهاينة المستلزمات الفنية لأعمالهم الأدبية لمتطلبات الدعاية الصهيونية ولأسسها النظرية يوجه طعنة ليس إلى المستوى الفني فقط، بل أيضاً إلى قيمة العمل الأدبي الإنسانية. والانتكاس لا يكون فنياً فحسب، بل يكون خلقياً أيضاً. هذان النوعان من الانتكاس هما الصفة الغالبة، موضوعياً، على الأعمال الأدبية الصهيونية.

 

ويذكر صاحب “رجال في الشمس” بعض الأعمال التي تشذ عن هذا القانون، لكنه مع ذلك يقول إنّ المؤلف الصهيوني في أحسن حالاته وأكثرها اقتراباً من الموضوعية، يترك نهاية القصة معلقة في شعور عميق قسري بأنه ليس هو الذي يستطيع إكمالها.

 

 

شخصية العربي في المسرح “الإسرائيلي”

 

يعكس المسرح “الإسرائيلي” صورة الشخصية العربية بشكلٍ فعال أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى داخل إطار الأيديولوجيا الصهيونية المسيطرة عموماً على الأدب العبري (الإسرائيلي) الحديث.

 

يقول دان أوريان، باحث وأستاذ في قسم المسرح بجامعة حيفا وكلية أورانيم، ومؤلف كتاب “شخصية العربي في المسرح الإسرائيلي” (ترجمه محمد أحمد صالح للمشروع القومي للترجمة)، إنه بشكل عام، في كل المسرحيات التي يظهر فيها العربي، نجده خاضعاً لمقولة إيديولوجية أو سياسية تتعامل أحياناً معه ومع مشكلاته. وأحياناً أخرى كثيرة، يأتي تقديم العربي كمجرد إشارة فقط في خريطة الوعي الأيديولوجي “الإسرائيلي”.

 

يستعرض كتاب أوريان موقف المسرح “الإسرائيلي” (يسمّيه العبري) من الشخصية العربية بدءاً من 1911 حتى 1994، ويعتمد على أعمال مسرحية ونقدية وتحليلية كانت موجودة في أرشيفات المسارح الكبرى لدى الاحتلال، مثل مسرح هبيما وهكامري وأوهيل وغيرهم، وفي مكتبات بعض الكتّاب المسرحيين والمخرجين والفنيين.

 

وهناك دراسات عربية سابقة حول هذا الموضوع، نذكر منها رسالة الدكتوراه “المسرح العبري في الفترة من 1914 إلى 1956” لعبد الوهاب محمد وهب الله، وكتاب غانم مزعل “الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث 1948 – 1985″، وغيرها من الأبحاث المنشورة على هامش ندوات أو فعاليات.

 

يقع كتاب أوريان في بابين رئيسيين ينقسم كلٌّ منهما إلى فصول. يركز الباب الأول على تعامل الأدباء والكتّاب المسرحيين بشكل خاص مع الشخصية العربية في أعمالهم، وينقسم إلى 5 فصول: ظهور صورة العربي في المسرحية العبرية 1911- 1948، قضية غائبة 1948- 1967، البدايات 1967- 1973، النمط والنمط المضاد 1973- 1982، ثم: الاقتراب والتخوف 1982- 1994.

 

كان الدور العربي في الفترتين الأوليين هامشياً، والصورة المعطاة غالباً ما تكون ساخرة ومحقرة للشخصية العربية، لا سيما في فترة 1911- 1948. ولا يختلف تصويرها في المسرح عما ذكره كنفاني عن تصويرها في الرواية، كذلك فإنّ الميزتين اللتين ذكرهما تحضران.

 

أما في فترة 1948- 1967، فكانت الشخصية العربية مغيبة ومتجاهلة في المسرحية العبرية، ثم بدأت بدايات الظهور عام 1970 على خلفية العمليات العسكرية وحرب الاستنزاف حتى 1973 مع حرب أكتوبر. آنذاك، طرأ تغييراً على صورة العربي كما قدمتها المسرحية العبرية، وتحول من نمط يدل على شخصية عدوانية ومتخلفة إلى نمط أقرب إلى الشخصية الواقعية.

 

ومع اجتياح قوات الاحتلال الأراضي اللبنانية وما ترتب على ذلك، ازداد هذا التصوير، إذ انكسرت صورة الاحتلال العالمية. ومع الانتفاضة، حتى 1994، أي بعد أوسلو، سيقترب التصوير من “الاقتراب والتخوف”، كما يقول المؤلف. أما في الباب الثاني، فيعرض رؤى – موضوعات – المسرحيات “الإسرائيلية”، التي تنقسم إلى: قصة الحب كاستعارة – المواجهة بين الثقافتين – من منافس إلى مستغَل – النزاع على الأرض – أحداث النازي و”المسألة الفلسطينية”.

 

ثمة مآخذ كثيرة على الكتاب يذكرها مترجمه ومدققه، منها استعارة المؤلف مصطلحات ومفاهيم صهيونية طبقها على معالجته لصورة الشخصية العربية، إذ استعمل مصطلح “المسألة العربية” أو “المسألة الفلسطينية”، من مصطلح “المسألة اليهودية”، رغم أنّ أوجه التشابه بين المسألتين مختلفة تماماً.

 

كذلك، تعامل المؤلف مع الشخصية الفلسطينية بمفاهيم صهيونية و”إسرائيلية”، فأطلق على الفلسطيني الذي يعيش داخل حدود 1948 اسم “عربي إسرائيلي”. أما الذي يعيش داخل حدود 1967، فهو “عربي من المناطق المحتلة”. وقد أظهر ارتباكه عندما تعرض لهذه القضية بشكل خاص. كما أكثر من تعبيرات “أقلية فلسطينية” و”أغلبية يهودية” و”عرب إسرائيل”.

 

ويعيد تفنيد المترجم لكل أخطاء المؤلف التوكيد على الخلاصة التي وضعها كنفاني من قبل، لكنها هذه المرة تنطبق على الدراسات لا الأعمال الأدبية فحسب.

 

أ.ش

المصدر: الميادين