"لا خيار لنا سوى غزة"..

نازحون إلى رفح يروون تفاصيل الليلة الدامية

المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبها الاحتلال في رفح جنوبي قطاع غزة تأتي في إطار تحضير الاحتلال لعملية عسكرية ضد المدينة، وهي المدينة التي زعم جيشه أنها منطقة آمنة.

2024-02-13

مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، فجر الإثنين، في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد ما يزيد عن 100 شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، وذلك في إطار تمهيده لعملية عسكرية ضدّ سكان المدينة والنازحين إليها، الأمر الذي يهدد مئات الآلاف من العائلات النازحة بسبب الحرب على غزة.

 

وحتى اللحظة، لا يزال عدد من الشهداء تحت الأنقاض، من جراء القصف العنيف والمكثف للمدينة ومساجدها، وفق ما أعلنت وزارة الصحة في غزة.

 

المجزرة الإسرائيلية تأتي في إطار تحضير الاحتلال لعملية عسكرية ضد رفح، وهي المدينة التي زعم جيشه أنها منطقة آمنة، ودعا سكان القطاع للنزوح إليها منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.

 

الملاذ الأخير

 

تُعدّ مدينة رفح الملاذ الأخير لمئات الآلاف من الأسر النازحة، حيث تركّز النازحون في الجزء الغربي من المدينة بالقرب من البحر في أحياء تل السلطان وكندا والسعودي، خاصة وأنّ هناك خشية من تعرض المناطق الشرقية لاجتياح برّي بسبب قربها من مستوطنات منطقة غلاف القطاع.

 

وبسبب الاكتظاظ السكاني، تحولت الحدود الفلسطينية مع مصر إلى مركز لخيام آلاف النازحين، وغطت الخيام بالقرب من الحدود مساحة تقدر بحوالى 3.5 كيلو متر مربع.

 

تضمّ رفح النازحين إما في خيام مصنوعة من النايلون والخشب على الأرصفة والشوارع، أو في مدارس مكتظة بنسبة 150%، وفي بيوت تضمّ المئات من العوائل، في تكدّس سكاني هو الأضخم على المستوى العالمي.

 

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، فإنّ “عدد النازحين في المدينة بلغ مليون ونصف المليون نازح، وهو الأمر الذي يفوق القدرة الاستيعابية للمدينة التي يعيش فيها 300 ألف نسمة، وتعاني من تهالك المنظومتين البيئية والصحية”.

 

وتؤكد البيانات الفلسطينية الرسمية، أن النازحين إلى المدينة نزحوا نحو 6 مرات من جراء القصف الإسرائيلي، فيما يعيش جميعهم في مراكز للإيواء وخيام في الشوارع في ظروف صعبة للغاية.

 

كذبة إسرائيلية

 

تفيد كفاح اللداوي، وهي ربة أسرة لعائلة نزحت من شمال قطاع غزة نزحت إلى رفح، استشهد زوجها بالحرب الإسرائيلية، بأنها “عانت الأمرّين حتى تمكّنت من الوصول إلى مدينة رفح، وتأمين خيمة لإيوائها وأطفالها الخمسة”.

 

وتوضح اللداوي أن “هجوم الاحتلال الإسرائيلي على رفح يؤكد كذبه بشأن وجود مناطق آمنة خلال عملياته العسكرية في القطاع، خاصة وأنه خدع العالم بالحديث عن تلك المناطق خاصة رفح والمواصي”.

 

“الليلة الماضية كنا شهوداً على أبشع مجازر الاحتلال، ونجونا من الموت بأعجوبة بعد استهداف عدد من المنازل القريبة من المنطقة التي نأوي إليها”، تقول اللداوي.

 

وتضيف: “في منتصف الليلة فزعنا على أصوات قصف عنيف لم نسمعه خلال الأيام الطويلة لحرب الاحتلال على غزة، وكأن الهدف منه قتلنا جميعاً”، مشددة على أن كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع العالم.

 

ويفيد خليل رشوان، أحد النازحين من خان يونس إلى رفح، إن “الهجوم العسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلي سيتسبب بنزوح مئات الآلاف من السكان لأماكن مجهولة وغير آمنة، وسيكون له آثار كارثية كبيرة على القطاع”.

 

ويؤكد رشوان أنه يرفض وأسرته القبول بأي قرار إسرائيلي بشأن إخلاء مدينة رفح، مؤكداً أنه أخطأ حينما نزح من مدينته خان يونس إلى أقصى الجنوب، وأنه لن يتحرك من مكانه إلا عائداً إلى منزله.

 

“إذا كان قدرنا أنا وعائلتي أن نكون شهداء فهذا الأمر سيكون في رفح، لن ننصاع لأي أوامر من الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأنه يستغل ذلك في تنفيذ مجازر أوسع وأبشع بحق المدنيين والنازحين”، يقول رشوان.

 

ويؤكد مدير عام المكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أنّ “الجريمة المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال في رفح تأتي ضمن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها بشكل وحشي، من دون أن يراعي ظروف المدينة التي يدّعي أنها منطقة آمنة”.

 

ويقول الثوابتة، إن “الاحتلال قتل خلال خمس ساعات أكثر من 100 شهيد، وصل إلى المستشفيات 70 شهيداً منهم، بينما ما زال العشرات تحت الأنقاض، غالبيتهم من الأطفال والنساء والمدنيين، كما قام بقصف وتدمير أكثر من 15 منزل وعدة مساجد وفي منطقة مكتظة بالسكان والأبرياء”.

 

أسلحة محرمة دولياً

 

وعلى إثر المجزرة الإسرائيلية، اتهم مدير مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، مروان الهمص، الاحتلال الإسرائيلي باستخدام أسلحة جديدة ومحرمة دولياً في هجومه على المدينة، لافتاً إلى أن ذلك ظهر جلياً بكثافة النيران وحجم الإصابات وعدد الشهداء.

 

ويفيد الهمص، بأنّ “كثافة النيران واللهب المتصاعد من الصواريخ وحجم الإصابات وحالات البتر والأشلاء المقطعة للضحايا، تؤكد استخدام الاحتلال الأسلحة المحرمة، وذلك بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا والتغطية على نفسه وإقناع العالم بضرورة تنفيذ عملية عسكرية في المدينة”.

 

وحذر المسؤول الطبي من إقدام الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عملية عسكرية ضد المدينة، خاصة وأن ذلك سيؤدي إلى وقوع آلاف الضحايا والإصابات، قائلاً: “رفح ومنذ بداية الحرب فقدت مستشفياتها ومراكزها الصحية القدرة الاستيعابية والطبية للتعامل مع العدد الكبير من النازحين”.

 

ويضيف: “الوضع الصحي في المدينة منهار منذ نزوح مئات الآلاف من العائلات إليها، خاصة مع انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، والمراكز الصحية في المدينة تعمل بأدنى الإمكانيات، وبمعدات متهالكة، علاوة على النقص الحاد في الأدوية واللوازم الطبية”.

 

ولا يوجد في رفح سوى مستشفى واحد، ويفتقر إلى العديد من الجراحات التخصصية، ويعاني نقصاً حاداً بالمعدّات الطبية، ما يعني موتاً بطيئاً لمئات الآلاف في حال نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية ضد المدينة.

 

الصندوق الأسود

 

يُسمي الفلسطينيون رفح بـ”قلعة الجنوب”، وتُطلق عليها المقاومة لقب “الصندوق الأسود”، لما شهدته المدينة من عمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي شملت أسر وقتل جنود، حيث كانت تلك العمليات علامة فارقة في الصراع مع المحتل.

 

تقع المدينة في أقصى جنوب قطاع غزة على الشريط الحدود مع مصر، وهي أكبر مدن القطاع حيث تبلغ مساحتها 55 كيلو متر مربع، وتضم المعبر البري الوحيد الذي يربط غزة بالعالم، والذي يمثل حالياً المنفذ الخاص بإدخال المساعدات الإنسانية للنازحين.

 

وقبل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من القطاع عام 2005، شهدت المدينة عدداً من العمليات العسكرية النوعية للمقاومة، والتي أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال، كما أنها المنطقة التي أُسر من حدودها الشرقية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006.

 

وفي عام 2014، أطلقت المقاومة الفلسطينية على المدينة لقب “الصندوق الأسود”، وذلك عقب نجاح المقاومين في تنفيذ عمليات نوعية خلال الحرب على غزة، وأسر الجندي الإسرائيلي هدار غولدن شرقي رفح.

 

وخلال الحرب الدائرة حالياً منذ السابع من أكتوبر، شهدت المدينة قصفاً عنيفاً بين الحين والآخر، فيما تصاعدت وتيرة اللهجة الإسرائيلية بشأن اجتياحها برياً، وسط تحذيرات دولية وفلسطينية من وضع كارثي حال اجتاحت قوات الاحتلال المدينة.

 

أ.ش

المصدر: الميادين