العمليات البحرية اليمنية في ميزان المنافسة الصينية الأميركية

واكبت الصين العمليات البحريّة اليمنيّة بادئ ذي بدء بالدعوة إلى "الحفاظ على أمن الممرّات المائيّة الدّولية" وأبدت معارضتها "لمضايقة السّفن المدنيّة في البحر الأحمر الذي يشكل قناة تجاريّة دوليّة مهمّة للسّلع والطّاقة".

2024-02-13

أيمن حلاوة

 

مما لا شكّ فيه أنّ الحصار البحري الذي فرضه الجيش والقوات المسلّحة اليمنيّة على مرور السّفن المرتبطة بكيان العدوّ خلّف تداعيات على الموانئ في كيان العدوّ وساهم برفع الكلفة الاقتصادية للحرب على غزّة. لكنّ الأهم من ذلك كان فرضه بعدًا إقليميًا بل عالميًا للصّراع من خلال التّأثير على النّقل البحري وضرب صورة الولايات المتحدة كقوّة مهيمنة وضامنة لأمن الممرّات البحريّة والملاحة الدولية لا سيّما بعد فشل ضرباتها الجوية في منع القوات المسلّحة اليمنية من مواصلة استهداف السّفن المرتبطة بالكيان.

 

واكبت الصين العمليات البحريّة اليمنيّة بادئ ذي بدء بالدعوة إلى “الحفاظ على أمن الممرّات المائيّة الدّولية” وأبدت معارضتها “لمضايقة السّفن المدنيّة في البحر الأحمر الذي يشكل قناة تجاريّة دوليّة مهمّة للسّلع والطّاقة”.

 

استتبع هذا الموقف باضطرار بكين إلى إمرار مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن الدّولي في العاشر من كانون الثاني/يناير الماضي من خلال الامتناع عن التّصويت عليه حيث طالب أنصار الله “بوضع حدٍّ للهجمات التي تعرقل التّجارة الدّولية وحريّات الملاحة وكذلك السّلم والأمن في المنطقة”.

 

جاء هذا الموقف انطلاقًا من ثابتة مصلحيّة صينيّة تقول بوجوب الدّفاع عن حريّة الملاحة الدّولية حتّى لا يشكّل إسقاط القرار باستخدام حقّ النقض الفيتو سابقة تستخدم ضدّها مستقبلًا إذا تعرّض أمنها البحري وخطوط إمدادها للتّهديد. ومن المعروف حساسيّة الصّين تجاه سلاسل التّوريد العالميّة الخاصّة بها لا سيما في ما يتعلّق باحتياجاتها النّفطية التي تلبّي جزءًا مهمًّا منها عن طريق الاستيراد من الشرق الأوسط، حيث يمرّ جزء من هذه الإمدادات عبر البحر الأحمر. ترتكز المقاربة الصينية إزاء الضّربات العسكرية الأميركية والبريطانية على اليمن والتوتّر المتصاعد في البحر الأحمر على جملة اعتبارات تتمثّل بانتقاد عسكرة واشنطن هذه القضية والاعتبار أنّ ضرباتها الجويّة فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة والتأكيد أنّ مجلس الأمن لم يفوّض أيّ دولة باستخدام القوّة ضدّ اليمن الذي ينبغي احترام سيادته ووحدة أراضيه والاستنتاج بأنّ الوضع المتوتّر في البحر الأحمر مظهر بارز لامتداد الصّراع، وهذا ما يعني أنّ معالجته تمرّ لزامًا بوقف الحرب على غزّة في أسرع وقت ممكن ومنع الصّراع من التوسّع أو الخروج عن نطاق السّيطرة.

 

وحول هذه النقطة بالذات، انتقدت الصين على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة تشانغ جون “الموقف الأميركي المعطّل لإصدار قرار في مجلس الأمن بوقف إطلاق النّار في غزّة”، معتبرًا أن “من المثير للسّخرية التغاضي عن استمرار القتال وفي الوقت نفسه الدّعوة إلى منع التّصعيد”. سلّط هذا التصريح الضّوء على “الخداع” الأميركي، مبيّنًا الهوّة بين أقوال واشنطن وممارساتها الفعليّة التي ترفع منسوب التّصعيد و”تنذر بامتداد الصّراع نحو سورية ولبنان والبحر الأحمر” بحسب البروفسور في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية ليو تشونغ مين.

 

كذلك تلتقي آراء الأكاديميين والخبراء الصينيين بقضايا المنطقة مع الموقف الرسمي لبكين الذي يعتبر أنّ معالجة أزمة البحر الأحمر لا ينبغي أن تنطوي على تشكيل تحالفات حصرية صغيرة بل يجب أن تتضمّن جهدًا جماعيًا لحلّ الأزمة. هذا ما شدّد عليه مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فودان سون ديغانغ في مقابلة مع صحيفة غلوبال تايمز الصينية حيث اعتبر أن جذور أزمة البحر الأحمر تكمن في القضية الفلسطينية ومن دون معالجة هذا السبب الرئيسي فإنّ مجرّد محاولة حلّ الأزمة في البحر الأحمر لن يكون كافيًا.

 

تنظر بكين بعين الفرصة إلى تورّط الولايات المتحدة المتزايد في الشّرق الأوسط حيث ستضطرّ الأخيرة إلى تسخير مقدّرات وإمكانيات في هذا الصّراع ما سيشغلها عن التّركيز على منافسة الصّين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما سيؤدّي التحدّي اليمني إلى تقويض صورة الولايات المتّحدة كضامن لأمن الممرّات البحريّة في العالم وبالتالي يعزّز الطرق البريّة وشبكات الرّبط السّككي التي أنشأتها الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق. هذه خلاصة ما نقلته مجلة نيوزويك عن الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني لجيش التحرير الشعبي الصيني شياو يون هوا الذي اعتبر أنّ أنصار الله “قدموا بطريقة ما وعن غير قصد خدمة كبيرة للصين ذلك أن تعطيلهم للملاحة في البحر الأحمر سيدفع مزيدًا من التّجار إلى استخدام شبكات السّكك الحديديّة ممّا يعزّز مبادرة الحزام والطريق التي تمثّل استراتيجية الصين الدّولية لقطع هيمنة واشنطن وتقويض القوّة البحرية الأميركية”.

 

الوقاحة الأميركية عكستها محاولة التّذاكي من خلال محاولة إقناع الصينيين بأنّ من مصلحتهم الضّغط على إيران بما لهم من نفوذ مفترض عليها لتقوم بدورها بالضّغط على اليمنيين بما لها – أي طهران – من نفوذ مفترض عليهم لثنيهم عن استهداف السّفن الأميركية والإسرائيلية والبريطانية في البحر الأحمر. محوريّة هذه القضيّة بالنسبة للأميركيين، انعكست في تخصيص البيت الأبيض جانبًا من بيانه حول لقاء مستشار الأمن القوميّ الأميركي جيك سوليفان مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بانكوك بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير الماضي للحديث عن تعطيل الملاحة في البحر الأحمر والإعلان عن “مطالبة الصين أكثر من مرة باستخدام نفوذها الكبير” مع إيران لإنهاء الهجمات، ما يعكس حجم الانزعاج والحرج الأميركي من هذا التهديد مع الإشارة إلى أن مواقف سوليفان التي أدلى بها للجانب الصيني تنطوي على التّشكيك بما إذا كان هذا المسعى سيجدي نفعًا من خلال إشارة البيان إلى أنّ ما يقوله الصينيون إنّهم يثيرون الأمر مع إيران في ما تشير الحقائق على الأرض إلى أنّ الهجمات مستمرّة.

 

أ.ش

المصدر: العهد