اسماعيل المحاقري
من بعيد ترقب المملكة السعودية تطورات الأحداث الدامية في فلسطين المحتلة، وكأن جرائم حرب الإبادة الجماعية لا تعنيها، وأرقام الضحايا لم تصل إلى الحد الذي يحرك ضميرها الميت.
وبعيون الصهاينة والأميركيين ينظر آل سعود إلى حركة حماس وبقية حركات المقاومة المدافعة عن أرضها وحقوق شعبها المظلوم ومقدسات الأمة الإسلامية.
لا دور لــ”خادم الحرمين الشريفين” يذكر على الصعيدين السياسي والإنساني لناحية وقف إطلاق النار في غزة وتخفيف المعاناة عن أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني، ولو بسلاح المقاطعة لا بتحالف “الحزم والعزم” كما فعل في اليمن. ولا دور أيضًا لولي عهده المنشغل بنقل المملكة من مرحلة التشدد والتعصب الوهابي إلى مرحلة الانحلال والتفسخ الأخلاقي مع الانبطاح للعدو الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن الموقف السعودي يدعو في ظاهره إلى وقف إطلاق النار في غزة وعدم تهجير السكان، إلا أن الموقف الحقيقي يسير في غير اتجاه، إلى اتجاه يدعم الهدف الصهيوني المتمثل في القضاء على حركة حماس المصنفة سعوديًّا ضمن “الجماعات الإرهابية” ويؤيد ويدعم فكرة التطبيع على حساب دماء وأشلاء عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فما الذي تنوي السعودية فعله لتغطي على عار الخيانة؟ وما هو الدور الوظيفي الذي ينتظرها في القطاع المدمر والمحاصر؟
ماراثون التطبيع بين الرياض وتل أبيب مستمر قبل العدوان على غزة وبعده، برعاية أمريكية، وهذا ما أظهره وزير الخارجية الأمريكي أنطونيو بلينكن في جولاته الخمس الماضية إلى الشرق الأوسط إذ أكد رغبة آل سعود في التطبيع بمنأى عن أحداث غزة محددًا مهمتها في مرحلة ما بعد الحرب.
وفي إطار صفقة التطبيع سيقدم الأميركيون والإسرائيليون وقف إطلاق النار في غزة، كجسر عبور للنظام السعودي إلى الحظيرة الإسرائيلية لرفع الحرج عن الأخير وتجنيبه سخط الشارع العربي والإسلامي وكذلك الحد من تأثيرات الخطوة على مكانة المملكة في الأوساط الإسلامية كحامية حمى المسلمين مسمًّى لا واقعًا.
الأمر هنا لن يتوقف عند حد إلباس الخيانة السعودية ثوب الحرص على وقف نزيف الدم الفلسطيني، في ظل عجز وتواطؤ المجتمع الدولي، فالمملكة إلى جانب دول التطبيع الأخرى تنتظرها مهمة إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الصهيونية الغاشمة في قطاع غزة ودعم مخطط استبدال سلطة حماس بأخرى موالية للكيان الصهيوني وهو ما أفصح عنه الوزير بلينكن أيضًا في أكثر من مناسبة.
مع بداية عمليات الإسناد اليمنية لغزة، شاركت السعودية أميركا في التصدي ومنع صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة، من الوصول إلى أهدافها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحولت أراضي المملكة إلى ساحة لرصد قدرات اليمن ومنطلقًا للصواريخ الاعتراضية.
وبإعلان الولايات المتحدة عن تحالف بحري دولي تحت مسمى “حارس الازدهار” تحفظت الرياض عن المشاركة المباشرة والمعلنة كما هو حال الإمارات ودول أخرى، ليس حبًّا بفلسطين وانتصارًا لقضيتها وإنما لحسابات ضيقة مرتبطة باقتصادها وأمنها وسمعتها في المحيط العربي والإسلامي.
الدعاية الأمريكية لحماية أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لم تكن مقنعة حتى لمن تسميهم واشنطن “الحلفاء”، والتردد السعودي مرده المخاوف من ردة فعل يمنية تؤثر على ملاحتها البحرية ومنشآتها النفطية، فتجربة حرب السنوات الثماني الماضية أثبتت قدرة اليمن على شل النشاط الاقتصادي السعودي وتكرار ضربة خريص وبقيق يعني وقف نصف إنتاج المملكة من النفط الخام وبالتالي عرقلة خطط ابن سلمان الاقتصادية.
كذلك فالمواجهة بين اليمن والسعودية في حال عودتها في هذا التوقيت وهذه الظروف ستنتقل بالممكلة بالقول والفعل وبلا أي مواربة من خندق الإسلام إلى خندق الكفر والنفاق، لتبيان الحق ووضوح الرؤية في فلسطين، والمعركة بحد ذاتها لن تقتصر على صواريخ وطائرات يمنية عابرة للحدود فثمة ألوية عسكرية جاهزة ومتأهبة على الحدود لشن عمليات منكلة بالجيش السعودي، وهذا أمر آخر يحسب له النظام السعودي ألف حساب لا سيما مع الشعور بالخذلان الأميركي والعجز الواضح عن تقديم الدعم والحماية اللازمتين كما هو السائد والمعمول به مع “إسرائيل”.
السعودية ليست “إسرائيل” ولن تكون كذلك لتحرك الإدارة الأمريكية بوارجها ومدمراتها وتشكل التحالفات الدولية من أجل حمايتها رغم دورها الوظيفي المتقدم في خدمة وحماية المصالح الأمريكية.
ولأنها ليست كذلك ولتعزيز دورها الوظيفي أضافت واشنطن مهمة أخرى للرياض إلى جانب تخذيل الأنظمة العربية والإسلامية عن نصرة غزة وتتمثل المهمة بإلزامها المشاركة في إعادة إعمار غزة مع مراعاة الشروط الصهيونية.
ومن هذا المنطلق يمعن العدو الصهيوني في القتل والتدمير بنسفه مربعات سكنية بأكملها على رؤوس ساكنيها وسط وشمال وجنوب القطاع إدراكًا منه بأن ثمة دولًا تقع على عاتقها مسؤولية الإعمار تحت الضغط الأميركي ولو تقرر على هذه الدول أن تدفع ثمن الصواريخ والقذائف والأحزمة النارية الإسرائيلية لفعلت ذلك دون تردد وهو ما يطيل أمد العدوان كذلك.
وفي هذا السياق نقلت وسائل إعلامية صهيونية عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قوله إن إعادة إعمار قطاع غزة سيتم تمويلها من قبل السعودية والإمارات.
وكانت صحيفة “كان” الإسرائيلية، قد نشرت تقريرًا قالت فيه إن مسؤولين أميركيين ودوليين “طلبوا من دول الخليج الفارسي المساهمة الاقتصادية في إعادة إعمار قطاع غزة في اليوم التالي لسقوط حماس مؤكدة أن تلك الدول أبدت استعدادها، ولكن بشروط من بينها:
ــ إجراء تغييرات كبيرة في السلطة الفلسطينية، وهذا الشرط يتقاطع مع الرغبة الأميركية والمصلحة الصهيونية.
ــ إذعان دول التطبيع للإملاءات الأمريكية أمر لا نقاش فيه، وورقة الإعمار في غزة سيجري توظيفها واستثمارها في مسار تحقيق شروط بني صهيون وتلميع السعودية والإمارات وتقديمها كأهم الدول العربية الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بخلاف الواقع.
أ.ش