هي المرة الثامنة التي ينزح فيها محمد أبو عمشة، الذي انتهت به رحلات البحث عن الأمان، من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إلى مخيم النصيرات، ثم إلى المغازي، وصولاً إلى خانيونس، فرفح. وفي كل محطة من تلك، تنقّل الرجل من بيت إلى آخر، ومن مركز إيواء، إلى مستشفى. أمس، حزم أبو عمشة حقائبه ومضى عائداً من مخيم الشابورة، إلى مخيم النصيرات. يقول الرجل ذو الثلاثين عاماً: «والله منّي عارف وين رايح، في رقبتي عيلة، والشظايا قبل يومين حرقت الخيام إللي نايمين فيها، أنا طالع من رفح للمجهول»، متابعاً: «قالولنا رفح آمنة، إذا آمنة وبيقتلوا أكثر من 100 شهيد في ليلة واحدة، لو كانت ميدان قتال شو رح يعملوا؟». الطريق من الأحياء الشرقية والغربية من المدينة، والذي يمرّ بمفترق العودة، ازدحم بالآلاف من العائلات، التي امتطت السيارات والشاحنات والعربات التي تجرّها الدواب، حاملةً معها الخيام ومواقد النار. وفي كل الوجوه المغادرة، حتى التي قهرها الوجوم والصمت، تقرأ عبارة واحدة وتسمعها ممّن يتحدث: «وين نروح؟». بالنسبة إلى هؤلاء، التهديدات الإسرائيلية المتكررة تجاه مدينة رفح، تعني بالضروة وجود نية وخطة لاقتحام المدينة. أما مئات التصريحات التي يطلقها المجتمع الدولي والعواصم الإقليمية، فيقول أبو خليل المزين عنها: «لو كان منها فايدة، كانت وقفت عشرات المجازر إللي بدأت بشمال غزة ورح تنتهي برفح». ويضيف: «أثبتت هالحرب، إنو “إسرائيل” مش شايفة حدا بعينها، إذا قررت تجتاح المدينة، رح تدوس على جماجم مليون نازح بلا أي وازع إنساني، لهيك ما في مجال نترك مصير عائلاتنا للتحليلات والتقديرات».
أما على الصعيد المعيشي، فيؤكد مصدر مسؤول في «لجنة الطوارئ الحكومية» أن المدينة بدأت بالدخول في خضمّ أزمة غذاء، ولا سيما في ظل منع دولة الاحتلال دخول شاحنات المساعدات منذ أكثر من أسبوع. ويضيف المصدر: «كل ما يدخل لا يمثل إلا نقطة في بحر الاحتياجات اليومية. نحن نتحدث عن نحو مليون ونصف مليون إنسان محشورين في مساحة لا تتجاوز الـ 30 كيلومتراً. وفي ظل تقطير دخول المساعدات، هناك شح ونقص في كثير من المنتجات، وارتفاع كبير طرأ على أسعار المواد الأساسية، بما فيها الخضروات»، مشيراً، على سبيل المثال، إلى أن «ثمن كيلو البصل وصل إلى 50 شيكلاً، أما حفاضات الأطفال، فسعر العلبة الواحدة ناهز على الـ 100 دولار».
وفيما يزداد التحذير الدولي من آثار كارثية في حال اقتحام جيش الاحتلال مدينة رفح، يرى الكاتب والمحلل السياسي، إسماعيل محمد، أن مجمل التحذيرات من العملية البرية الإسرائيلية في المدينة الجنوبية لا يستهدف منع “إسرائيل” من القيام بها، إنما هو تحذير موجّه إلى حركة «حماس»، مفاده ضرورة تقديم تنازلات عاجلة على طاولة التفاوض، للحيلولة دون بدء العملية البرية في المدينة. ويضيف محمد أنه «مفهوم أن كل ما يقوم به العدو الآن يسعى إلى تحقيق منجزات على طاولة المفاوضات، ومفهوم أكثر أن العالم الذي لم يستطِع وقف جرائم “إسرائيل” المستمرة منذ 130 يوماً، لن يوقفها اليوم»، مشيراً إلى أن «”إسرائيل” وكل الدول العربية والإقليمية والمجتمع الدولي تقف في جبهة واحدة للضغط على المقاومة على طاولة التفاوض. وعليه، فإن إمكانية التحرك العملي في محور رفح واردة جداً».
أ.ش