يوم الجريح.. والجرح علامة أهل العسكر

جريح... يستحضر اللّفظ سيلًا من صور الروح الثورية التي توغل في الزمان وتبلغ كربلاء، ثمّ تعود إلى هنا، وتسكن أرض عاملة، بعد أن تمرّ على كلّ أرض الاشتباك وتكتب أسماء الجرحى، كلّهم. لذا، ليوم الجريح عبقٌ آخر، عبقٌ يحوي اليقين والعقيدة وثقافة الحياة والشجاعة والإيثار والحياء، ويسكب في الأرواح مزيجًا من العزّة والخجل، ومن الامتنان والتأدّب.

2024-02-14

في حضرة هذا اليوم، يطلّ سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) بالتزامن مع صوت الميدان الناطق بما يسطّره رجال الله من مآثر تكتب التاريخ، بل تصنعه وتمضي به نحو غدٍ أجمل وأكثر عدلًا، وتصنع التحرير، وتنهي مسار إزالة “إسرائيل” من الوجود.

 

يتحلّق اليوم الناس حول جرحى المقاومة، ويحارون في وصف مشاعرهم المتداخلة تجاه الذين بذلوا من أجسادهم فصارت أرواحهم أكثر اكتمالًا، وصاروا شهداء أحياء، قل صاروا شهداء أجّل الله عبورهم، كي نتأدّب، وكي لا نظنّ يومًا أن النّصر الإلهي لم يكن مكلفًا. فثمّة من لا يصدّق الدّم والأضرحة، ويحتاج جريحًا كي يعلّمه معنى الحياة.

 

يعودون من الميدان، محمّلين بعلامة أهل العسكر، جرحٌ أو جراح، تستحيل ندبات تحكي المعركة كما لا يمكن لأي لغة من لغات الأرض أن تفعل. أكفّ مبتورة، ترسم الفداء العباسيّ الساقي كلّ عطاشى اليقين. أرجل بقيت في أرض القتال، وعاد أصحابها بعد البذل يتحسّرون لصعوبة إكمال الدّرب فيجتهدون في محاولة استعادة القدرة على السير باستخدام الأطراف الصناعية، ويبكيهم أن الطريق إلى الحسين (ع) لم تبلغ بهم آخرها، ولا يقرّون بأنّهم بالجرح بلغوا بوابة العبور، ولكن شاء ربّهم أن ينتظروا ها هنا قليلًا، لأجلنا ربّما، كي لا نضلّ ولا نتوه.

 

جراحٌ عميقة، شظايا تستقرّ في الرأس أو على مقربة من القلب، توثّق حكايات المقاومة، من ألف الإيثار إلى ياء اليقين، مرورًا بباء البذل وتاء التقوى وفاء الفداء وصاد الصّبر وهاء الهويّة، توثّقها بالدّم النازف الذي ربما اختلط بدم شهيد أو سقى في تراب الأرض حبّة قمح تنبت ألف سنبلة مقاوِمة، وبالعرق السائل من آه الألم المكتومة التي تستحيل تسبيحات حمد وتسليم، وبدمعِ الأمهات أمام قرّة عين يتوجّع، وبشرود الآباء وهم يحمدون الله على نعمة جرحٍ يواسي جراح آل البيت الأكرمين.

 

يوم الجريح، يأتي هذا العام على وقع صوت المعركة المشتعلة من غزّة إلى الجنوب، ومن اليمن إلى العراق، وفي سورية وإيران، يأتي مدجّجًا بالجراح الحديثة، التي لم تصبح ندبًا بعد، ولم تلتئم. يأتي بعطر التراب العالق في ثنايا الجروح، والحامل أسماء الرفاق الشهداء، كلّهم، والرافع شعار الحرية وصيحات النّصر المبين. يأتي، ومعه يحمل إلينا موعدًا منتظرًا مع سماحة الأمين، موعد لسنا ننتظره وحدنا، بل كلّ العالم ينتظر.

 

وبانتظاره، نحوم حول المناسبة بلهفة تشبه لهفات انتظاره في أيام تموز ٢٠٠٦. نقرأ ما يجري في الميدان ونؤجل تحليله أو تفسيره لأن سيّد الخطاب الفصل سيتكفّل كما دائمًا برسم المسار وتوضيح التفاصيل وتقريع العدوّ ووضع القواعد.

 

يوم الجريح، يوم أهل العسكر من حاملي رتبة الفداء العباسيّ والصّبر الزينبيّ والعشق الحسينيّ الواضح، هو يوم تتواصى فيه قلوب أهل المقاومة بالحبّ وبالحياء، فتتعلّم وتعلّم، الكلّ، كلّ الكلّ، معنى الكرامة ومفهوم ثقافة الحياة.

 

أ.ش

المصدر: العهد