في ظل التفاعلات الجديدة والمصالح المتعددة

كيف تتعاطى دول الخليج الفارسي مع آسيا الوسطى؟

الوفاق: أدت التعددية في آسيا الوسطى إلى ظهور لاعبين جدد في اتجاه ثنائي من المنطقة ومن بین هؤلاء اللاعبين تُعد الدول العربية المحاذية للخليج الفارسي واحدة من الذين بدأوا مستوى جديدًا من التفاعلات مع آسيا الوسطى، سواء بشكل فردي أو في أطر تجميعية. و

2024-02-14

على الرغم من أن هؤلاء اللاعبين ليس لديهم تنسيق واندماج متعمد، إلا أنهم بدأوا بالتركيز على مجالات محددة استنادًا إلى مزاياهم النسبية، والتي يمكن أن تؤدي في المدى المتوسط إلى تقسيم عمل غير مكتوب، من دون تداخل في مستوى المصالح المحددة لكل لاعب. كما أن البيانات المتعلقة بالتآزر أو المنافسة بين هؤلاء اللاعبين في آسيا الوسطى ما زالت في غموض، والتي يمكن تقييمها من خلال تقدم المشاريع طويلة المدى وردود أفعال الدول الإقليمية.

 

 

محاور أداء الدول العربية في المنطقة

 

إحدى أهم مؤشرات الأداء الجديد للدول العربية المطلة على الخليج الفارسي في آسيا الوسطى هي كثافة التفاعلات والعلاقات خلال الأشهر الثلاثة الماضية. فقد شهدنا حجمًا كبيرًا من الزيارات رفيعة المستوى، والاجتماعات المشتركة، والأحداث الاقتصادية بين هذه الدول خلال هذه الفترة، والتي لم يسبق لها مثيل من قبل. وكانت أهم محاور هذا الأداء في المجالات السياسية؛ بهدف تعزيز التكامل أكثر، وفي المجال الاقتصادي؛ بهدف تحديد المصالح على المستوى الجيو اقتصادي، وأيضًا في المجالات الأمنية والدفاعية.

 

 

السياسة

 

شهدنا تفاعلات سياسية بين دول آسيا الوسطى و دول الخليج الفارسي على مستويات القادة والمستويات الأدنى خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وعلى المستوى متعدد الأطراف، شهدنا تحركات الدول العربية في إطار منصة مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى. ومع ذلك، فقد شهدنا مستوى أعلى من التحركات على المستويين الثنائيين. وعُقدت معظم اللقاءات على مستوى القادة في هامش الاجتماعات الدولية. وفي إطار انعقاد الدورة الإستثنائية لمجلس التعاون في السعودية، قام رؤساء جمهوريات آسيا الوسطى بزيارة إلى السعودية، حيث عُقدت لقاءات على مستوى القمة في هامشها. وبالإضافة إلى ذلك، قام الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضياييف، بزيارة رسمية إلى الدوحة في أكتوبر، حيث التقى مسؤولين قطريين. وتم التوقيع على العديد من وثائق التعاون خلال هذه الزيارة. وبعد ذلك مباشرةً، قام أمير قطر بزيارة رسمية إلى طشقند في ديسمبر، حيث تم التوصل إلى اتفاقات مهمة في إطار زيارة أمير قطر لطشقند.

 

وفي الوقت نفسه، قام رئيس وزراء قرغيزستان في أكتوبر بزيارة رسمية إلى دبي حيث التقى مسؤولي الإمارات. وفي لقائه مع رئيس وزراء كازاخستان، ناقش وزير شؤون مجلس الوزراء بالإمارات محاور التعاون الثنائي ولا سيما في المجال الاقتصادي. كما قام وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي مؤخراً بزيارة رسمية إلى المنطقة. وفي نوفمبر الماضي، التقى في عشق آباد مع الرئيس الطاجيكي رحمان حيث ناقشا التعاون الثنائي في مجالي النفط والغاز وكذلك نقل الطاقة. كما قام في أكتوبر بزيارة رسمية إلى بيشكك حيث تفاوض مع مسؤولي قيرغيزستان. وقبل ذلك بقليل، في نوفمبر، قام الرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ أبوظبي بزيارة إلى كازاخستان حيث التقى مع الرئيس توكاييف وناقش شروط الاستثمار في تطوير البنية التحتية لموانئ كازاخستان. وفي لقاء توكاييف مع السفير الإماراتي، تحدثا عن التجارة بقيمة مليار دولار بين البلدين مع التركيز على مجال تكنولوجيا المعلومات.

 

أما السعودية، اللاعب العربي الآخر في آسيا الوسطى، فقد ركزت بشكل خاص على المجال الاقتصادي. وفي هذا الإطار، شهدنا في ديسمبر انعقاد الدورة السادسة للجنة الاقتصادية المشتركة بين كازاخستان وأوزبكستان والسعودية في الرياض. وحضر الاجتماع نائبا رئيسي الوزراء في البلدين، حيث تم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع السعودية. وفي السياق ذاته، التقى رئيس صندوق التنمية السعودي خلال زيارته إلى طاجيكستان مسؤولين رفيعي المستوى بمن فيهم الرئيس إمام علي رحمن. وكان أبرز ما تحقق في هذه الزيارة منح طاجيكستان قرضاً بقيمة 100 مليون دولار لبناء سد راغون ومحطة توليد الكهرباء. كما قام المدير التنفيذي لصندوق التنمية السعودي بزيارة إلى دوشنبه قبل شهر من ذلك. وعقد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح اجتماعات في طشقند مع مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وشركات حكومية أوزبكية بشأن فرص الاستثمار والتجارة الثنائية. كما عقد الفالح اجتماعا افتراضيا مع نائب رئيس الوزراء التركماني.

 

أما قطر مقارنة بالإمارات والسعودية، فقد كان نشاطها أقل على المستوى الاقتصادي، على الرغم من اللقاءات السياسية. ففي هذا الإطار، قام رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني مؤخرا بزيارة إلى أوزبكستان، حيث التقى ميرضياييف لبحث المشاريع الاقتصادية والاستثمارية. كما قام رئيس قسم آسيا وأفريقيا للاستثمارات القطرية بزيارات إلى طاجيكستان وقيرغيزستان لاستكشاف فرص الاستثمار.

 

 

الأمن والدفاع

 

يُعد المجال الأمني والدفاعي أحد المجالات التي أولتها دول الخليج الفارسي اهتماماً نصفياً في آسيا الوسطى. وسبق أن تم التوصل إلى اتفاقات لبيع الأسلحة وحتى إنشاء مصانع لإنتاجها في دول المنطقة بالتعاون مع الإمارات. كما قام بعض كبار المسؤولين السعوديين مثل قائد الأركان العامة للقوات المسلحة بزيارات إلى المنطقة بما في ذلك قيرغيزستان. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدنا بعضاً من هذه التفاعلات، والتي ارتبطت بشكل رئيسي بقطر. ففي ديسمبر الماضي، قام وزير الدفاع الكازاخي بزيارة إلى الدوحة بناءً على دعوة رسمية من نظيره القطري، حيث وقّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري. ولم تُنشر تفاصيل هذه الاتفاقية حتى الآن. وفي الوقت نفسه، صادق البرلمان القرغيزي مؤخراً على اتفاقية التعاون العسكري مع قطر والتي وقعت سابقاً، ليصبح بذلك لدى قطر اتفاقيتي تعاون عسكري مع جمهوريتي آسيا الوسطى. كما قام وفد سياسي من الإمارات يضم أعضاء من المجلس الاتحادي ومجلس إدارة المركز الدولي للقيادة المعني بمكافحة التطرف، بزيارة إلى تركمانستان.

 

 

آلية الأداء

 

عند تقييم مستوى أداء الدول الثلاث في آسيا الوسطى، يجب الإقرار بأن الإمارات العربية المتحدة كانت السبّاقة حتى الآن وتمكنت من تشكيل أعمق مستوى من التفاعلات مع دول المنطقة. وقد امتدت هذه التفاعلات إلى المجالات الاستراتيجية أيضاً. أما السعودية فقد دخلت المنطقة مؤخراً، وعلى الرغم من تخصيص موارد كبيرة إلا أنها لم تتمكن من الدخول إلى القضايا الاستراتيجية في المنطقة، على الأقل في المجال الاقتصادي. أما قطر فلديها أدنى مستوى من التفاعلات والنفوذ، ولم تحصل بعد على ميزة فريدة من الأداء في آسيا الوسطى. ويرجع ذلك إلى محدودية موارد هذا البلد. ويجب الإشارة أيضاً إلى أن هناك مستوى من التكامل بين الدول الثلاث في المنطقة، والذي يعتمد بشكل رئيسي على دخول مجلس التعاون مباشرة إلى آسيا الوسطى. وبالتأكيد، في إطار برامج هذه المنظمة ، تم إنشاء أنواع من تقسيم العمل في المجال الاستراتيجي ولا سيما على مستوى التفاعلات بين المناطق. ومع ذلك، على المستوى الثنائي، نلاحظ أيضاً مستوى من التفاعلات بين هذه الدول أبرزها زيارات سفراء هذه الدول في المنطقة لبعضهم البعض.

 

ولكن هذا لا يعني عدم وجود منافسة بين هذه الدول. فهذه المنافسة موجودة حيث الاستثمار في مجالات مشتركة مثل الطاقة المتجددة أو الحضور في مجالات متشابهة في مجالات أخرى. ومع ذلك، فإن اتساع المنطقة، والطاقة المحدودة لهذه الدول، ولا سيما آسيا الوسطى بالنسبة لهذه الدول العربية، خاصة في مجال الفرص الاقتصادية والاستثمارية، قد حالت حتى الآن دون تداخل مصالحها. إلى جانب ذلك، فإن نوع النهج الديني عامل مهم بالنسبة لدول آسيا الوسطى. فالإمارات لم تُظهر حتى الآن اهتماماً كبيراً بالأنشطة الدينية، بينما لدى السعودية وقطر نهجاً دينياً أقوى. فكلا البلدين اتخذا منحى إسلامياً واضحاً في مجال المساعدات الإنسانية. كما أن دبلوماسية المسجد كانت نهجاً صريحاً في السياسة الخارجية للبلدين.

 

وفيما يتعلق بأفغانستان، يبدو أن هذه الدول العربية لم تتبع حتى الآن نهجاً محدداً تجاهها. ويبدو أن هذه الدول، على عكس اللاعبين الغربيين وحتى إيران، لا تميل إلى إيجاد اتصال بين أدائها في أفغانستان وآسيا الوسطى، أو على الأقل لا يظهر ذلك علناً. ويبدو أن أحد أسباب هذا السلوك هو وجود قنوات وصول مباشرة في أفغانستان، ولا سيما العلاقة مع طالبان على الأرض.

 

وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن أياً من الدول الثلاث لم تتخذ خطوات مهمة للحد من نفوذ روسيا في المنطقة، بل إنها اعتبرت التعاون مع موسكو جزءاً من سياسة “النظر إلى الشرق” الخاصة بها. وفي الوقت نفسه، تسعى هذه الدول لتقديم نفسها كملء للفراغ الغربي في نظر روسيا، وبالعكس كملء للفراغ الروسي في نظر الغرب، وبالتالي تجنب التداخل مع مصالح القوى الكبرى في المنطقة.  كما حاولت الدول العربية، على الأقل الإمارات، تعريف الكثير من مشاريعها في المجال الجيو-اقتصادي على أنها متوافقة وحتى مكملة لمبادرة الحزام والطريق الصينية الكبرى في المنطقة، وبالتالي تحقيق نوع من التكامل مع الصين أيضاً.

 

ويبدو أن التفاعلات العسكرية والدفاعية مع هذه الدول تأتي بشكل رئيسي من دول آسيا الوسطى بهدف الحصول على موارد ومعدات جديدة. وقد تعزز هذا التوجه بعد الحرب في أوكرانيا بهدف تقليل الاعتماد على روسيا. لكن في حالات مثل تحركات قطر، قد يشير ذلك إلى وضع مختلف. فالقوات المسلحة القطرية مع ما مجموعه 66 ألف من الموظفين والبنية التحتية المحدودة، لا تملك في الواقع الكثير لتقدمه لدول آسيا الوسطى.

 

أ.ش