موناسادات خواسته/ محمد أبو الجدايل
مهرجان فجر السينمائي الثاني والأربعين، وصل إلى محطته الأخيرة، وترك آثاره في النفوس، وبقيت الآراء التي تحكي عن الأفلام المشاركة فيه، أما الذين كان لهم دور خاص في هذا المهرجان، هم أعضاء لجنة التحكيم، حيث قاموا بمشاهدة الأفلام والنقاش حولها لإعلان الفائزين، ومن الأقسام المهمة في القسم الدولي بالمهرجان كان قسم المقاومة، ومن أعضاء لجنة التحكيم فيه، المخرج اللبناني “شادي زيدان” الذي له إنجازات عديدة وعمل في العديد من التلفزيونات العربية، ونفّذ عشرات الأفلام الوثائقية، وكذلك المخرج والنائب بالبرلمان السوري “وليد درويش” الذي أخرج العديد من الأفلام القصيرة وشارك في العديد من المسلسلات، فاغتنما الفرصة في أيام إقامة المهرجان وأجرينا حواراً معهما، وفيما يلي نص الحوار:
السيرة الفنية
بداية طلبنا من الأستاذين “شادي زيدان” و “وليد درويش” لكي يتحدثا لنا عن مسيرتهم الفنية وإنتاجاتهم، فقال “شادي زيدان”: أنا مخرج واستاذ جامعي وكاتب ومنتج لبناني، وآخر أعمالي مسلسل باسم “ظل المطر” وفیلم وثائقي باسم “مهاجر” وشاركت بمهرجان الفجر الدولي بدورته الـ ٤٢ كعضو لجنة التحكيم.
أما الأستاذ “وليد درويش” قال في هذا المجال: أنا مخرج سينمائي في سوريا وكنت عضو لجنة تحكيم في أكثر من مهرجان، كان آخرها مهرجان الشرقية في سلطنة عمان، وبعد ذلك في مهرجان فجر الذي يُعد من أهم المهرجانات في المنطقة، او حتى في الشرق الأوسط، لعدة اعتبارات، وحالياً يتم التحضير لفيلم سينمائي لي في سوريا بعنوان “الطريق إلى دمشق” وإن شاءالله في الشهر الرابع من هذا العام سأبدأ بتصويره، والسنة الماضية أيضاً كان عندي عدد من الأعمال، من السينمائي والدرامي، وقريباً سيكون تعاون بيني وبين احدى الجهات الإيرانية وسنعمل سوياً.
تقييم أفلام المهرجان ومدى تأثيرها
ورداً على سؤالنا حول تقييمهما عن أفلام هذه الدورة من المهرجان وتأثير إقامة هكذا مهرجانات قال الأستاذ “شادي زيدان”: أفلام المهرجان کانت جیدة وجريئة علی مستوی معالجة المشاكل الإجتماعية الإيرانية، وبطبیعة الحال إقامة هكذا مهرجانات مفيد ومهم لنمو الحركة الفنية داخلياً وخارجياً.
ومن جهته قال الأستاذ “وليد درويش”: الفكرة هي أننا شاهدنا الأفلام، وأنا عضو في لجنة تحكيم أفلام المقاومة، وشاهدنا أفلام قسم “مابين الأديان”، وقسم “فلسطين، الروح والدم”، هناك في هذه الأفلام شيء مهم، وملفت وتجارب جديدة ملفتة، ومخرجون يحاولون عدم تقليد مدارس اخرى، بل بالعكس يؤسسوا مدارس، وأنا في أحد الأفلام رأيت فيه شيئا إلى الحد الذي تعاطفت معه وبكيت أنا وأحد أعضاء اللجنة، الأسلوب الجميل الذي شاهدناه في هذا الفيلم كان مميزا، وتحديداً أقول أن أفلام المقاومة تذهب باتجاه أن تفرض نفسها على الساحة، اليوم نشهد أن كل دول العالم وتحديداً أمريكا تقوم بإنتاج أفلام لترويج الفكر الخبيث، وأكذوبة “نحن الجيش الذي لا يُقهر” .. أساطير خرافية يعملونها في أفلامهم، وهم يعلمون أن هذه أساطير وخيال، ولكن اليوم إذا تريد أن تشاهد فيلم حقيقي وقصة حقيقية تتعلق بالمقاومة وليست أسطورة وأنت تشاهد إبداع في التصوير، والمونتاج، والإضاءة، لفت نظري كثير من الأفلام التي تمتاز بأن الإضاءة هي نجم من نجوم هذه الأفلام، الكوادر واللوكيشنات، وحقيقة في أحد الأفلام كنّا نهدف لو يبقى لنا وقت نذهب للمدينة التي تم التصوير فيها، منطقة جميلة جداً، منطقة سياحية وهي همدان، فالسينما هي مرآة الشعوب، اليوم تستطيع أن توصل فكرة عن أي دولة وعن أي بلد، والفكرة تصل من خلال السينما، أنا أرى السياحة بالسينما، في هذا الفيلم، أنا أرى الأدب والثقافة في هذا الفيلم، أنا أرى الفكر الإبداعي عند الشباب بهذا الفيلم، وهكذا أقول أن السينما الإيرانية تاريخ، ومستقبلها سيكون أفضل من كل هذا التاريخ.
دور أفلام المقاومة في مواجهة الأمبريالية
فيما يتعلق بدور أفلام المقاومة في تبيين الحقائق ومواجهة الأمبريالية وكذلك دعم الشعب الفلسطيني المظلوم، قال الأستاذ “شادي زيدان”: مما لا شك فيه أن سينما المقاومة لها تأثير في إحياء الفکر المقاوم وتأثیرها مرتبط بقوة الإنتاج أن من ناحية المضمون أو الشكل.
واعتبر “زيدان” كل أقسام المهرجان جيدة، وقال: من الملفت ذكر فلسطين في المهرجان كعربون وفاء وتضامن مع القضیة الفلسطينية الحقة.
السينما الإيرانية عالمية
وعندما سألنا عن رأيهما عن السينما الإيرانية، قال المخرج اللبناني “شادي زيدان”: السينما الإيرانية سينما عالمية لها نكهة فنية وبصمة خاصة تميّزها عن البقية وهي سينما جدية وقوية.
وأبدى المخرج السوري “وليد درويش” رأيه في هذا المجال وقال: السينما الإيرانية هي مدرسة بحد ذاتها، مدرسة تختلف عن المدرسة الفرنسية أو الأمريكية، وهي مدرسة سينمائية أخرى، ولها خصوصياتها، في تنفيذ الأعمال السينمائية، وفي المكياج والسيناريو، وبالتالي هي مدرسة متطورة، اليوم نشاهد كم فيلم ايراني ترشح لنيل الأوسكار، ونرى الإيرادات التي حققتها بعض الأفلام الايرانية او كثير منها بشكل ملفت وغريب، مثلا احداها كان فيلم منتج قديماً، اسمه “استبداد”، والذي يُعد من الأفلام الجميلة والمهمة الايرانية، هذا الفيلم بعد شهر من عرضه، حقق ايرادات عالية، تجاوزت كل ايرادات الأفلام التي أُنتجت قبله، هذا دليل على تطور السينما والفيلم في الحياة التي تتناول فترة الحرب في الثمانينات، أيضاً من الأفلام المهمة والتي كان لها رؤية ومدرسة خاصة، لكن عندما ننظر للسينما الإيرانية نجدها في القمة من حيث المحتوى، الذي يقيّد هذه السينما، هي العقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تقييم السينما الإيرانية
وحول تقييم السينما الإيرانية قال الأستاذ “وليد درويش”: اليوم نحن لا نستطيع أن نقيّم السينما الإيرانية، لأن السينما الإيرانية تاريخ، نحن نعطي رأينا في السينما الإيرانية، ومهرجان فجر من أهم المهرجانات في المنطقة والشرق الأوسط، ولولا العقوبات الظالمة المفروضة على ايران للأسف الشديد بكل القطاعات حتى القطّاع الثقافي، ورغم ذلك رأينا أن مهرجان فجر السينمائي هو من المهرجانات الأولى على مستوى العالم، وذلك لعدة اعتبارات، منها الإعتبارات الإحترافية في التعامل مع الضيوف ولجان التحكيم، ومع المشاركين والأفلام، الإعتبار الثاني والمهم هو أن هذا المهرجان، مهرجان إبداعي، يحاول دائماً الإستكشاف في الإبداع، والذي لفت نظري في مهرجان الفجر أيضاً، هو السوق الذي كان يرافق المهرجان، بحضور شركات الإنتاج أو صناعة الأفلام، يعني حتى في الدول المتقدمة في مجال السينما، لا تقوم بمثل هذه الخطوة بهذا الشكل، هنا في مهرجان فجر تستطيع ان تزور السوق، وتتفق مع أي أحد تريد وهو متواجد، وبما يخص تطور هذا المهرجان، فيه تطور ولكن للأسف الشديد هناك عقوبات تحد من انتشار هذا المهرجان بشكل كبير، برغم أن هذه السينما تتكلم عن 32 دولة مشاركة وهذا رقم كبير، رقم لا تتحمله دول عظمى في مجال السينما، تحكي عن البنود والقيود، الهند أقامت قبل فترة، تقريباً أقل من شهر، مهرجان “مومباي” العالمي، والدول التي شاركت فيه كانت 12 دولة فقط، والأفلام المستقطبة في المهرجان كانت أفلام مهمة وعظيمة.
أوجه التشابه والإختلاف في الأفلام الإيرانية والعربية
أما حول أوجه التشابه والإختلاف بين الأفلام الإيرانية والعربية، والإنتاج الإيراني والعربي المشترك، قال “زيدان”: السينما لغة عالمية فيها مفاهيم واعتبارات ومعايير عالمية متفق عليها سواء إيرانیة أو عربیة والإختلاف یبقی بالمواضیع التي تعالجها کل سینما وطریقة طرحها، أما الإنتاج المشترك عمل جيد ومهم، لأنه يقوي الأواصر ويقرّب الثقافات من بعضها.
ومن جانبه قال “درويش”: تطور المدرسة الإيرانية يختلف عن تطور المدرسة العربية، يعني اليوم البلدان العربية التي تعمل سينما ولها تاريخ في السينما هي دولتان عملوا بالسينما في البدايات، وهما سوريا ومصر، يعني هما أقدم الدول التي عملت في الفيلم، في سوريا تجد أول فيلم سينمائي عام 1926 ، وتم عرض اول فيلم سينمائي في مدينة حلب، وبالتالي تاريخ السينما كبير، ومتزامن مع مصر، وأنا أقول هذا الكلام حتى في سوريا ومصر، السينما الإيرانية ما وقفت عند الحد المعين، السينما الإيرانية ذهبت باتجاه أن تعمل لها مدرسة خاصة بها تُدرّس، واليوم فعلاً جامعات ايران تدرّس هذه المدرسة، وهذا المنهاج، نحن للأسف، أحد أسباب تراجع السينما عندنا هو حالة الحرب الإرهابية التي تعرّضت لها سوريا، حالة الدمار ودمار البنى التحتية التي تعرضت لها سوريا، مصر اليوم ذهبت باتجاه السينما التجارية أكثر من السينما الفكرية، التي تقدّم محتوى فكريا وثقافيا وأدبيا.
أنا شاهدت أفلاما لمخرجين ايرانيين ولا يوجد أي فيلم عبثي، رغم أنه في بعض الأحيان، الأفلام العبثية تكون بحد ذاتها فن، ولكن أنا شاهدت أفلاما مدروسة من أداء ممثل وحركة كاميرا، إلى إضاءة وإلى ملابس وديكور، كل هذه التفاصيل، هي تفاصيل موجودة في هذه الأفلام، لكن كما قلت المدرسة الإيرانية ذهبت باتجاه التطور والتقدم، وتبنّي الفكر الابداعي لدى الشباب على عكس بعض الدول العربية التي تراجعت لعدة أسباب، منها ظروف الحرب ومنها أنها تريد ان تذهب باتجاه السينما التجارية التي نسميها العبثية وهي مجرد حشو كلام.
أ.ش