أبرز الوجوه التي فقدناها

لبنان – حصاد الثقافة 2022.. الثقافة في مهبّ الأزمات

أقيم "معرض الكتاب العربي في بيروت" بدورته الـ 63 بنسخة تجريبية بعنوان "بيروت لن تنكسر".

2022-12-28

من “كورونا” ثم انفجار مرفأ بيروت إلى انهيار العملة الوطنية أمام الدولار.. كيف مرّ العام 2022 على القطاع الثقافي في لبنان؟

أيام قليلة تفصلنا عن نهاية العام 2022 واستقبال العام الجديد. تقلب السنة الجديدة عقاربها وأخطبوط الوقت يأكل من عمرنا أحداثاً ووجوهاً لأشخاص رحلوا عنّا. صحيح أنّها سُنّة الحياة، وهي تعلّمنا في الكثير، إنما الأهم أنّ نستقي العبر من كل دروسها. بعيداً من السياسة والإنتخابات النيابية التي شهدها لبنان في أيار/مايو من العام 2022، إلاّ أنّه وفي هذه الجردة سنسلط الضوء على أبرز الوجوه الثقافية – الفنية اللبنانية التي فقدناها في العام 2022، وأبرز المشاريع الثقافية لاسيما الرسمية منها، وبالتالي التحديات الثقافية التي تواجه المواطن والمسؤول اللبناني على حد سواء.

أبرز الوجوه التي فقدناها 

 

محمدعلي شمس الدين

غادة السّمروط: أديبة وناقدة وأستاذة جامعية، نعتها رئاسة الجامعة اللبنانية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في 28 آذار/مارس 2022. هي التي رحلت تاركة إرثاً غنياً من النتاج الأدبي والمعرفي خصوصاً في مجال الأبحاث باللغتين العربية والفرنسية.

سامي كلارك: الذي توفي في 20 شباط/فبراير عن 73 عاماً بعد صراع مع المرض. وكلارك موسيقي وفنان لبناني من الزمن الجميل، يتميّز بصوته القويّ. إسمه الأصلي سامي حبيقة من بلدة ضهور شوير، إلاّ أنه لُقب بسامي كلارك لولوجه الغناء باللّغات الأجنبية التي أبرع بأدائها. تميّز بالعديد من الأغاني منها “موري موري” باللغة الإنكليزية من ألحان الفنان الياس الرحباني، إضافة إلى أنّ ألبوم أغانيه باللغة العربية يتنوع بين الغزل والوطنيات والصلوات، أبرزها: “قومي تنرقص يا صبية”، “أرضي أرض البطولة” إلاّ أنّ الجمهور يتذكر صوته في غناء الشارات خصوصاً شارة المسلسل الكرتوني “غريندايز”.

بيار شمعون: توفي 2 تموز/يوليو عن عمر يناهز 63 عاماً، وذلك بعد معاناة من مرض السكري. درس المسرح في الجامعة اللبنانية، وعمل في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات، غير أنّ الجمهور يتذكره بأدواره الكوميدية، وبالبرامج الساخرة التي شارك فيها. من أعماله “عمتي نجيبة”، “هريبة يا أوادم” مع المخرج مروان نجار، وآخر أعماله التلفزيونية “رصيف الغرباء” في العام 2020.

وجيه فانوس: كاتب وناقد وباحث لبناني موسوعي، ظل لآخر يوم من حياته يكتب وينشر على الرغم من مرضه. رحل عن هذه الدنيا في 13 تموز/يوليو عن 74 عاماً بعد أن ترك أكثر من 20 كتاباً تنوع بين النقد الأدبي والتراث والحضارة الإسلامية وعشرات المقالات والأبحاث الأكاديمية. تخصص فانوس في اللغة العربية وآدابها وفي علوم التربية، ونتيجة لتفوقه حصل على منحة دراسية كأول طالب من الجامعة اللبنانية لمتابعة الدارسات العليا في جامعة اوكسفورد في انكلترا، فتخرج منها برتبة دكتوراه في النقد الأدبي. تبوأ العديد من المناصب أهمها رئاسة “اتحاد الكتّاب اللبنانيين” ورئاسة “المركز الثقافي الإسلامي”.

جورج الراسي: فنان لبناني شاب (42 عاماً)، توفي في 27 آب/أغسطس نتيجة اصطدام سيارته بحائط اسمنتي آتياً من حفلة كان قد أحياها في سوريا.

عفيف طباره: عالم مسلم وكاتب لبناني، توفي في 31 آب/أغسطس عن 98 عاماً. له العديد من المؤلفات معظمها عن الشريعة الإسلامية.

محمد علي شمس الدين: عن 80 عاماً رحل الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين في 11 أيلول/سبتمبر من العام 2022. هو الدكتور في التاريخ من بيت ياحون في الجنوب اللبناني، حمل همّ الوطن وهمّ القضية الفلسطينية وهموم الدول العربية في حبره وقلبه، فأبدع العشرات من الكتب الشعرية كان آخرها “خدوش على التاج” الذي صدر بعد رحيله، إضافة إلى العشرات من الكتب في السيرة وأدب الطفل والتاريخ. ناهيك عن العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات. نال العديد من الجوائز والأوسمة. كما صدرت في شعره عدة دراسات بحثية وأكاديمية. وقد وقع شعراء وكتّاب إصدارت جديدة عنه في “معرض بيروت العربي للكتاب” أواخر العام 2022.

بسكال عساف: شاعر وكاتب لبناني شاب، أصدر العديد من الدوواين الشعرية وكتب القصة القصيرة. قارب في بعضها الموت، وهو الذي صارع المرض حتى آخر لحظة إلى أن صرعه في 17 أيلول/سبتمبر. آخر ما كتب عبر صفحته على “فيسبوك|: “صفعت الموت على خده الأيمن، ورميت القفاز في وجه القدر، ومشيت…”.

شوقي متى: ممثل ومنتج لبناني توفي في 3 تشرين الأول/أكتوبر عن 74 عاماً بعد مسيرة حافلة من العطاء الفني، قدم خلالها نحو 35 فيلماً سينمائياً، و10 مسلسلات تلفزيونية، و6 مسرحيات. ولعل أكثر ما يتذكره اللبنانيون لمتى دوره في مسلسل “عشرة عبيد صغار” الذي جدد إنتاجه وعرضه في العام 2014.

روميو لحود

غسان إسطفان: ممثل لبناني آخر توفي 26 من الشهر نفسه. إنه الممثل غسان إسطفان (67 عاماً)، وهو الذي درس الإخراح السينمائي والتلفزيوني في كاليفورنيا، ليأتي إلى لبنان ويكمل مسيرته الفنية المتنوعة من مسلسلات ومسرحيات وأفلام إلى جانب الإخراج. كما يتذكر الناس صوته المميز في دبلجة المسلسلات.

خضر علاء الدين: توفي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. خضر فنان لبناني معروف، وهو نجل الراحل حسن علاء الدين “شوشو” أحد مؤسسي المسرح الوطني اللبناني. رحل علاء الدين عن 50 عاماً إثر نوبة قلبية. أعاد الراحل إستعادة بعض أعمال والده، وخصوصاً مسرحية “آخ يا بلدنا”، وتعاون مع كبار الممثلين والمخرجين.

روميو لحود: فنان وملحن وكاتب مسرحي معروف، توفي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر عن 91 عاماً. كان مشواره الفني طويل وغني بالعديد من الأعمال التي تنوعت بين الإستعرضات والمهرجانات الفنية التي أقامها وتعاون من خلالها مع الرحابنة، فيروز، صباح ووديع الصافي وغيرهم من المطربين في لبنان والعالم العربي. ويذكره المشاهد العربي كعضو في لجان التحكيم الفنيّة إضافة إلى تشجيعه المواهب الشابة.

سميح البابا: سفير لبناني والرئيس السابق للنادي الثقافي العربي وأحد مؤسسي “معرض الكتاب العربي”، توفي في تشرين الثاني المنصرم قبل أيام من إنعقاد المعرض بدورته الــ 64.

أبرز المشاريع الثقافية

في 3 آذار/مارس نظم “النادي الثقافي العربي” بالتعاون مع “اتحاد الناشرين اللبنانيين”، “معرض الكتاب العربي في بيروت” بدورته الـ 63 بنسخة تجريبية بعنوان “بيروت لن تنكسر”. لا شك بأنّ المعرض عُقد بعد غياب 3 سنوات بسبب “كورونا” وانفجار مرفأ بيروت، وايضاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

وفي أيار/مايو افتتح وزير الثقافة محمد وسام المرتضى في “متحف اللوفر” في باريس معرضاً لمجموعة من القطع الأثرية اكتشفت حديثا في موقع جبيل الأثري.

وفي بعلبك كان القارئ على موعد مع معرض الكتاب السادس الذي نظمه “مجلس بعلبك الثقافي”، بالتعاون مع “مدرسة مودرن انترناشيونال كولدج” في أيار/مايو أيضاً. وفي الشهر نفسه، أقيم حفل كبير في قصر الأونيسكو في بيروت لإعادة إحياء الزجل اللبناني بحضور ومشاركة العديد من شعراء الزجل.

وفي شمال لبنان، كان الناس على موعد مع معرض الكتاب الــ 48 الذي عقد في قاعات الرابطة الثقافية في طرابلس من 10 إلى 19 حزيران/يونيو 2022 وتخلله ندوات وأمسيات شعرية إضافة إلى تواقيع كتب.

وفي جنوب لبنان، وتحديداً في صور، رعت وزارة الثقافة «معرض الكتاب العربي الثامن»، تحت عنوان «بالوعي والكتاب العربي نسقط الغزو الثقافي الصهيوني»، والذي نظّمته جمعية «هلا صور» الثقافية الاجتماعية في مركز «باسل الأسد الثقافي».

وفي أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر تمّ إفتتاح المكتب الأقليمي في بيروت للمنظمة الدولية الفرنكوفونية تأكيداً على دور لبنان في الثقافة الفرنكوفونية.

وعلى صعيد المسرح الوطني، فقد افتتحت “جمعية تيرو للفنون” و”مسرح إسطنبولي” في طرابلس في تشرين الثاني/نوفمبر، فعاليات الدّورة الرابعة من “مهرجان لبنان المسرّحيّ الدّوليّ للحكواتي” في المسرح الوطنيّ اللّبنانيّ في سينما إمبير وذلك بعد 28 عاماً من إقفالها، لتتحول إلى “المسرح الوطني اللبناني المجاني”.

وفي الشهر نفسه أيضاً وبمناسبة ذكرى الإستقلال، أقيم احتفال رسمي في قصر الأونيسكو في بيروت وتنوعت فيه الفنون بين الغناء والشعر والموسيقى.

كما عاد “معرض بيروت للكتاب العربي” بعد أشهر بنسخته الــ 64 تحت شعار “أنا أقرأ بتوقيت بيروت”، ليؤكد على ضرورة المقاومة الثقافية على الرغم من كل الظروف.

التحديّات الثقافية 

من المؤكد أنّ الكثير من الكتّاب والفنانيين يعانون من الإحباط النفسي في ظل الوضع المعيشي الصعب، الذي انسحب أيضاً غلاء في أسعار الكتب وتسعير طباعة أي كتاب، إذ صار يحتسب على الدولار الأميركي. الأمر دفع العديد من الكتّاب والقرّاء إلى تحديد أولوياتهم التي باتت تتوقف اليوم عند الهموم المعيشية والحياتية.

ويلاحظ المتابع غياب تام لمهرجانات صيفية مناطقية كانت تُقام في الماضي. أمّا تلك التي أُقيمت فأسعار البطاقات فيها كانت بالدولار الأميركي أيضاً، وهو ما أدى إلى حرمان فئات كبيرة من اللبنانيين فرصة حضورها. في المقابل، قدمت فنانات لبنانيات حفلات مجانية في الصيف إحساساً منهن بثقل الوضع الإقتصادي على الناس.

وسألت “الميادين الثقافية” أمين عام “اتحاد الكتّاب اللبنانيين” ومستشار الأمين العام للاتحاد العام للادباء والكتّاب العرب الياس زغيب عن كيفية مواجهة هذه التحديّات الصعبة التي يعانها منها المثقف اللبناني، فأجاب: “التحدّيات متعددة، لاسيّما على المستوى الإقتصادي فتأمين الحاجات الأساسية للعيش لم يعد بالأمر اليسير إضافة إلى غلاء تكاليف الطباعة بشكل جنوني”.

ويضيف: “في مواجهة هذه الصعاب يحاول المثقف اللبناني الصمود ومتابعة رسالته الوطنية الحضارية من خلال توظيف وسائل التواصل الإجتماعي ومن خلال الإصرار على أداء دوره التنويري وسط الأزمات المتلاحقة. من هنا نلاحظ عودة الروح للحياة الثقافية بعد انقطاع، خصوصاً من خلال تزايد عدد الكتب المنشورة وعودة الأمسيات الثقافية ومعارض الكتب. كل ذلك يندرج في إطار العمل الفردي والمبادرات الخاصة في ظل غياب الموارد الماديّة التي تخصصها الجهات الرسمية لهكذا نشاطات. ومرة جديدة يثبت المثقف اللبناني أصالته ورسوليته في العمل الثقافي حتى في أحلك الظروف. مع تمنياتنا أن تتبدل الأحوال وأن تُدعم المؤسسات الثقافية اللبنانية مادياً لأنه لا خلاص إلاّ بالثقافة”.
ميشلين مبارك
كاتبة من لبنان

المصدر: الوفاق/ الميادين