حصار قاتل ونزوح يُفضي إلى الموت..

ماذا يحدث في مجمع ناصر جنوبي قطاع غزة؟

آخر الشهادات الميدانية، التي وصلت من مجمع ناصر الطبي أفادت بأنّ جيش الاحتلال أتم حصار المستشفى من جهاته الأربع، بعد أن فرغ من إخلاء مجمع المدارس التي كانت قد تحولت إلى مراكز إيواء في محيطها، فيما يواصل القناصة استهداف كل من يتحرك في باحة المستشفى وأقسامه.

2024-02-16

في غضون ساعات، ومع اقتراب قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى الساحات المحيطة بمجمع ناصر الطبي، غربي مدينة خان يونس، كانت دباباته في صدد اقتحام المجمع الطبي، وفق الاحتلال.

 

لا مفاجأة فيما سيحدث. صدمت “إسرائيل” الإدراك العربي والإدراك الدولي، في وقت مبكر من عمر الحرب، عندما قصفت باحة مستشفى المعمداني شرقي مدينة غزة، والتي كانت تزدحم بالآلاف من النازحين، وقتلت هناك وأصابت نحو 400 منهم في لحظة واحدة. مرت الجريمة، بعد أن تولت الولايات المتحدة الأميركية غسل يدَي جيش الاحتلال من عارها.

 

عقب ذلك، أصبح اقتحام المستشفيات المدنية هو الهدف الأسمى، الذي تنتهي عنده العمليات البرية في المناطق المستهدَفة، اقتحام مستشفى الشفاء، المجمع الأكبر في مدينة غزة وشمالها، ثم مستشفيات العيون والنصر للأطفال، الإندونيسي وكمال عدوان واليمني السعيد، واليوم، تتكرر الطقوس ذاتها في مستشفى الأمل ومجمع ناصر الطبي.

 

آخر الشهادات الميدانية، التي وصلت من مجمع ناصر، أفادت بأنّ جيش الاحتلال أتمّ حصار المستشفى من جهاته الأربع، بعد أن فرغ من إخلاء مجمع المدارس التي كانت تحولت إلى مراكز إيواء، بينما يواصل القناصون استهداف كل من يتحرك في باحة المستشفى وأقسامه. ومن أجل إخراج المجمع عن العمل، استهدف جيش الاحتلال أنابيب الأوكسجين ومولدات الكهرباء، وهدد مدير المستشفى بضرورة إخلائه تماماً من النازحين، والإبقاء على الكادر الطبي والمرضى فحسب.

 

تتفنن “إسرائيل” في جرائمها. واحدة من تلك الجرائم، الموثقة بالصوت والصورة، تحدث عنها النازح في مدرسة عودة، أحمد قمر قائلاً: “أخذ جنود الاحتلال أحد الشبان، وألبسوه اللباس المخصص لكورونا، وعصبوا جبينه بعصبة صفراء، وطلبوا إليه أن يدخل مستشفى ناصر، وينقل تهديد جنود الاحتلال إلى النازحين بضرورة الخروج من المستشفى. وذهب الشاب تحت التهديد بالإعدام إذا لم يُتمّ المهمة، وبعد أن فرغ من إيصال الرسالة، وعاد إلى مركز الإيواء، أعدمه جنود الاحتلال رمياً بالرصاص”.

 

حوّل الاحتلال مجمع ناصر الطبي إلى ثكنة عسكرية. وأجبر الطواقم الطبية على ترك مرضى العناية المركزة وحدهم، الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر الشديد، وبينهم مرضى موصولون بأجهزة التنفس الاصطناعي. واعتقل عدداً من الأطباء والطواقم الطبية.

 

ووفقاً لشهادة رئيس قسم تمريض العمليات، شعبان طبش، فإن دبابات الاحتلال التي تحاصر المستشفى وتمنع الأهالي من الخروج منه ودخوله، قتلت العشرات من النازحين، الذين حاولوا مغادرة المستشفى، في وقت سابق. ويقول إن “جيش الاحتلال يطلب إلى النازحين إلى المستشفى الخروج. وبعد مغادرتهم، يطلق عليهم الرصاص الحي، فيُضطرون إلى العودة مجدداً إلى المستشفى”.

 

وبحسب طبش، أقدم جيش الاحتلال على تخريب شبكة الصرف الصحي الخاصة بالمستشفى، الأمر الذي أدى إلى فيضان مياه المجاري، التي وصلت إلى أقسام الطوارئ والاستقبال، وأغرقت المئات من المرضى، وأفسدت المعدات الطبية.

 

في باحة المستشفى وممراته، تتكرر فصول الجريمة ذاتها التي شاهدها أهالي شمالي غزة في مستشفيَّي الإندونيسي وكمال عدوان. المئات من المرضى والجرحى، ملقون على البلاط البارد، بينما يجاهد الطاقم الطبي في مواصلة تقديم الرعاية الطبية، في حين يصيب رصاص القناصين مزيداً من زملائهم. وبين الفينة والأخرى، تطلق إحدى دبابات الاحتلال قذيفة أخرى، على واحد من أقسام المستشفى. وبناءً عليه، سيكون على الآلاف من الجرحى والنازحين أن يبيتوا ليالي الحصار، وسط العشرات من جثامين الشهداء، التي يعجز الأهالي حتى عن إخراجها من أجل دفنها في الباحة الخارجية، التي تحولت إلى مقبرة دُفن فيها أكثر من 150 شهيداً.

 

ماذا يجري في مستشفى ناصر؟ السؤال الذي يثيره تكرار جيش الاحتلال عمليات استهداف مستشفيات القطاع. وبمقاربة ما حدث في المستشفى الإندونيسي في حي تل الزعتر، شمالي غزة، فإن جيش الاحتلال يدّعي وجود مصابين من المقاومة، في حالات خطرة جداً، يُعالَجون في أقسام المستشفى، ويهدف في الدرجة الأولى إلى اعتقالهم. وفي حال لم تسمح حالاتهم الطبية بذلك، يُقْدِم على إعدامهم.

 

لكن التجارب السابقة أثبتت، على إثر اقتحام الاحتلال مستشفيي الشفاء والمعمداني، أن لا مقاومين فيهما. ولو كان كذلك، لعمد جنود الاحتلال إلى توثيق ذلك بالصوت والصورة. لكن من الواضح أن لا أهداف يقع عليها الاحتلال، وفق ما يخطط من عملياته ضد المستشفيات.

 

يقول أحد الذين عايشوا تجربة الحصار في الإندونيسي: “يبحث الجنود عن جثامين من يُقتلون من المستوطنين الأسرى نتيجة الغارات الجوية، ويحققون مع مدراء المستشفيات ليحصلوا على معلومات عمّن أُصيب من المقاومين وتلقى العلاج هنا. أما الهدف الأهم، فهو تخريب المستشفى وإخراجه عن الخدمة، ليتركوا قطاع غزة غير صالح للحياة”.

المصدر: الميادين