تغييرات في الصحافة الغربية:

تحذير وخوف وتكذيب.. وسيادة فلسطين

كشف طوفان الأقصى على المستوى الداخلي الصهيوني والعلاقات الصهيونية الأميركية الخبايا حول تورط الإدارة الأميركية في الحرب على غزّة

2024-02-18

حين كتب بلال أبي صعب على موقع “شازام هاوس”، مقالًا في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2023، أي بعد شهر وعشرة أيام من الانتصار ذي اليوم الواحد الذي سجلته كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، في عمليتها البطولية في مستعمرات غلاف غزّة، قال أبي صعب، الذي يعمل في المكتب المختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كلامًا مفاده أنه بعد قضاء الصهاينة على حماس، فإنهم سيتوجهون بعد ذلك إلى جنوب لبنان للقضاء على المقاومة فيه.

 

كلام كثير، قرأناه وسمعناه، مع بدء الحرب الصهيونية، والأميركية بالتأكيد، على غزّة، وبت إذا قرأت تحليلًا شعرت بأنه نسخة طبق الأصل عما قاله هذا المحلل عن غيره، أو أكثر بقليل، والأمر يعتمد على مدى اعتماده وجهة النظر الصهيونية. ولكن التغيير الذي تمر به الصحافة الغربية بات ملفتًا، فبينما كانت الصحافة تكتب عن النوايا الصهيونية، باتت اليوم تكتب عن التغيير الذي فرضته المقاومة في فلسطين، وبينما كانت تكتب عن الدور الأميركي في التهدئة باتت تتهم الأميركي بالشراكة في القتل. التغيير في الصحافة الغربية بات ملفتًا، ويستحق فعليًا بعضًا من القراءة فيه.

 

كتبت “وول ستريت جورنال” في منتصف الشهر الماضي، تحت عنوان: “بعد 100 يوم أعادت غزّة تشكيل السياسة العالمية وعرقلت التجارة الدولية”. يبدأ المقال، كما جميع المقالات الغربية، بالحديث عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولكن هذه المرة يبدأ روي جونز مقاله بالقول: “لقد تحولت الحرب من هجوم وحشي من جانب حماس إلى انتقام إسرائيلي شرس، دون نهاية تلوح في الأفق”. وهنا يظهر تغيير جوهري، فلم يعد الجميع يصف كما الببغاء هجوم حماس بالإرهابي، وهذا تغيير كبير، وابتدأ بوصف الانتقام الإسرائيلي بأنه دون أفق، ويذكر المقال عدد الشهداء والجرحى المدنيين الفلسطينيين حتّى زمن كتابة المقال في منتصف الشهر الماضي.

 

لقد بتنا نلمس تغييرًا مهما في لغة الصحافة، وحتّى أنها باتت تتهم بعضها بعضًا بتغيير لغتها تجاه حماس، كما فعلت مجلة ناشونال ريفيو، اليمينية، في مقال هاجمت فيه “واشنطن بوست”، التي تعد يسارية في أميركا، وذلك لأنها تبنت في مقالاتها عدد الضحايا الفلسطينيين، الذين تم استهدافهم من قبل الجيش الصهيوني، من تقارير صادرة عن وزراة الصحة الفلسطينية، وأن “واشنطن بوست” باتت تتبنّى الرواية الفلسطينية في عدة مناسبات ومنها أن قصف مدخل مبنى الشفاء لم يكن بصاروخ للجهاد الإسلامي وأن من قصف المشفى كان الكيان، وأن الصحيفة تعادي “إسرائيل” وتخالف السياسة الخارجية الأميركية التي تعتبر أن الهجوم على الكيان هو عمل معاد للسامية، وأن حماس هي من هاجم “إسرائيل”، حيث خصصت ناشونال ريفيو مقالًا كاملًا يهاجم واشنطن بوست.

 

CNN من جهة أخرى تبنت منذ أيام قضية الطفلة الشهيدة هند رجب ونشرت صورتها الجميلة وأرفقت معها صوت قريبتها ليان المرتجف الباكي وصراخها، والمختلط مع صوت المسعف الذي اتصلت به، وكيف غابت ليان عن السمع بعد سماع طلقات الرصاص. ومن ثمّ عاين الفريق موقع سيارة الإسعاف. بث التقرير تحت عنوان “تسجيل صوتي مروع يكشف لحظة مقتل عائلة في غزّة”. ومن ثمّ أُلحق التقرير بفيديو صور متحركة قصير يروي قصّة صراع فلسطين مع الصهاينة. وكانت هذه المحطة قد تعرضت لانتقادات كبيرة لأنها منذ بداية المعركة لم تنزل إلى الأرض في غزّة واستمرت بكتابة التقارير وهي مختبئة خلف جيش العدوّ مفتعلةً التمثيليات، كما فعلت تمامًا في سورية، فاضطرّت إلى النزول إلى الأرض وبدأت ببث التقارير والتصوير الحقيقي، وهذا ببساطة ما حدث عندما بُث تقريرها حول قصف سيارة المسعفين الذين قتلوا بوابل من الرصاص الصهيوني، وقد أشارت المراسلة إلى ذلك بكلام صريح.

 

تغيير دراماتيكي وهام في الصحافة الغربية، والأهم منه الصراع الذي خلقته غزّة بصمودها وبتمسك أهلها بأرضها، فيما الحمم والقذائف الصهيونية تتساقط فوق رؤوس الأهالي وحتّى الهاربين منهم. هذا التغيير يجب الوقوف عنده، والتحدث من خلاله عن انتصارات جديدة يسجلها الفلسطينيون بصمودهم، صمود أخرج مئات الآلاف إلى الشوارع يطالبون بشكل دوري أسبوعي، خاصة في بريطانيا ودول أوروبا والعديد من المدن الأميركية والكندية، بوقف العدوان على غزّة ووقف الدعم البريطاني والأميركي غير المحدود للصهاينة وهم يقترفون المجازر كلّ يوم. لقد بات طوفان الأقصى طوفان من المتظاهرين في معظم المدن الكبرى في العالم.

 

كشف طوفان الأقصى على المستوى الداخلي الصهيوني والعلاقات الصهيونية الأميركية الخبايا حول تورط الإدارة الأميركية في الحرب على غزّة، وباتت الصحافة الغربية تنتقد الدور الأميركي الذي حاول التفرد بقضايا الصراع في الشرق الأوسط عامة والصراع الفلسطيني الصهيوني خاصة. إذ لا يمكننا اليوم التحدث عن تمايز ما بين السياسات القاتلة والكارهة للشعوب سواء كانت أميركية أم صهيونية. وقد فتح الطوفان الباب على مصراعيه حول مصداقية ما جرى في سورية وليبيا خلال سني الخريف العبري، وما تعرضت له هاتان الدولتان من تدمير وقتل ودعم للإرهاب فيهما، كما فتح الباب على مصراعيه حول الحرب اليمنية مع التحالف العبري وما تعرض له اليمن من مجازر وتجويع وحصار، كما يحدث اليوم في غزّة. هناك أسئلة محرجة باتت تسأل وتبحث عن أجوبة، وباتت تقدم الإجابات دون تردّد، ومنها على سبيل المثال، المقال الذي كتبه جام ميركنسون في مجلة الأمة “the Nation”، معلقًا على التقارير الإخبارية التي تتحدث عن غضب الرئيس الأميركي جو بايدن من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني. في الحقيقة كان ميركنسون في الثالث عشر من هذا الشهر يسخر من صورة هذا الغضب الكذابة، تحت عنوان: “لا يوجد خلاف بين بايدن ونتنياهو.. انظروا لأفعال الإدارة الأميركية لا أقوالها”.

 

يقول ميركنسون إنه: “في العالم الحقيقي واصل بايدن والمشرّعون تسليح “إسرائيل”. وقامت القيادة الديمقراطية… في يوم الأحد بالتصويت على رزمة مساعدات لأوكرانيا و”إسرائيل” والتي وصفت بأنها “مساعدة أمنية”. وفي العالم الحقيقي منع بايدن التحركات باتّجاه وقف النار في الأمم المتحدة ورفض وضع ضغوط لـ”إسرائيل”  كي توافق على وقف [إطلاق النار]. وفي العالم الحقيقي رفض بايدن وضع أي شروط على المساعدة العسكرية لـ”إسرائيل””. ويخلص الكاتب للقول إنه قد حان الوقت: “لكي يتخلى الصحافيون عن فكرة ممارسة بايدن أي ضغط على “إسرائيل”، فعليهم البدء من الآن، بدلًا من مواصلة الترويج للخيال الأجوف حول غضبه من نتنياهو، المرة تلو الأخرى”، خاصة بعد أن شرحت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن أن الأمر الرئاسي الذي أصدره بايدن يمنح الصلاحية بقطع سريع للمساعدات العسكرية للدول التي تخرق الحماية الدولية للمدنيين لا يشمل الدعم للصهاينة. ونضيف إلى كلام ميركنسون، أن أميركا تمنع الكيان من مهاجمة جنوب لبنان ليس خوفًا على المدنيين في لبنان ولكن خوفًا على استمرار وجود الكيان، ولأن الكيان قد فقد وبشكل نهائي قدرته على الردع.

 

هذا التباين والتكذيب للإدارة الأميركية في الصحافة الأميركية والغربية، هو واحد من أهم إنجازات طوفان الأقصى، وأن تتتالى الكتابات حول أن لدى أميركا إدارة منافقة وكاذبة هو أمر لم يحدث من قبل، على الأقل في الكتابات حول السياسية الخارجية الأميركية، والتي تصفها ناشونال ريفيو بأنها تمس الأمن القوميّ الأميركي. واليوم ما يحدث في اليمن وقطع الطريق على السفن التي تمول الكيان وعلى السفن الأميركية والبريطانية بعد دخول الحرب الحذرة على اليمن، وضرب القواعد الأميركية في سورية والعراق والأردن هو في صلب الهجوم على الأمن القوميّ الأميركي، وكتب العديد من الصحف حول غباء القرار الأميركي بمهاجمة اليمن والذي سيؤدي إلى حرب إقليمية، لأن ليس هناك من يمكنه الجزم إذا ما كانت الضربات ستبقى محصورة أم ستمتد إلى مكان آخر، وباتت الصحافة تحذر من حرب إقليمية أو حرب عالمية يجر إليها بايدن العالم جرًّا، وقد تطيح به من سدة الرئاسة.

 

عبير بسام

 

أ.ش

المصدر: العهد