أهميَّةُ اختيارِ الزَّوجةِ أو الزَّوجِ

إنَّ الرَّجل والمرأة يمثِّلان الشَّخصين المسؤولين عن بناء الخليَّة الاجتماعيَّة الَّتي يبدآن بناءها من أجل أنْ تتوسَّع في أولادهما في المستقبل.

2024-02-20

في البداية، هناك نقطة يتحمَّلها الرَّجل، وهي أنْ يختار لأولاده المستقبليّين أمَّهم، وقد ورد في بعض الأحاديث عن الإمام جعفر الصَّادق (ع): “إنَّ من واجبِ الولدِ على الوالدِ اختيارَهُ لأمِّه”، بحيث تستطيع أن تربي الولد ليكون إنساناً يعيش إنسانيَّته، وليكون عبداً مطيعاً لربِّه، وليكون عنصراً اجتماعياً يخدم المجتمع ولا يسيء إليه، حتى إنَّ هناك بعض الأحاديث تقول: “اختاروا لنطفكم، فإنَّ الخال أحد الضَّجيعين”، باعتبار أنَّ المرأة قد تـأتي – كما في حديث آخر – بأولاد يشبهون إخوتها وأخواتها.

 

فعليك أنْ تختار لولدك أمّه، بأنْ لا تختار المرأة ذات الأخلاق السيِّئة لمجرّد أنها صاحبة مال أو صاحبة جمال أو ما إلى ذلك، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “إيَّاكم وخضراء الدِّمن. قالوا: ومن خضراء الدِّمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السّوء”، باعتبار تأثّرها بالبيئة الخبيثة الَّتي عاشت فيها، بل أنْ تختار الإنسانة التي تصلح أن تكون أمّاً لأولادك، سواء في ما تعطيهم من وراثة أخلاقيَّة مما تفرضه طبيعة قانون الوراثة، أو غير ذلك، حتَّى إنَّه رُوي – إذا صحَّت القصَّة – أنَّ الإمام عليّاً (ع) أراد أنْ يتزوَّج، فطلب من أخيه عقيل (ره) أن يختار له امرأة ولدتها الفرسان، بحيث يكون آباؤها وأجدادها من فرسان العرب الَّذين يتميَّزون بالشَّجاعة، لتنتقل هذه الخصوصيَّة من الشجاعة إلى أولاده، وتنقل هذه القصَّة في قضيَّة أمّ البنين، أمّ العبَّاس وإخوته (ع).

 

وقد ورد أيضاً في بعض الأحاديث، أنَّ شخصاً سأل النبيّ (ص) قال له: من أتزوَّج؟ قال: “عليكَ بذواتِ الدِّين”، يعني الإنسانة الَّتي تملك ديناً يقف بها عند حدود الله سبحانه وتعالى، وينعكس على تصرفاتها الاجتماعية وعلاقتها بالإنسان الآخر، وأيضاً رعايتها لأولادها، بحيث ينشأ أولادها نشأة صالحة. وقد ورد عن الإمام عليّ (ع)، وهو يتحدَّث عن نفسه، ولكن بأسلوب الموعظة، فيقول: “ما سألتُ ربّي أولاداً نضر الوجوه”، يعني جميلي الوجه، “ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألتُ ربّي أولاداً مطيعين لله، وجِلين منه، حتَّى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله، قرّت عيني”.

 

وهكذا نقول بالنّسبة إلى المرأة التي يختارها الرَّجل لتكون أمّاً لأولاده، ونقولها بالنِّسبة إلى المرأة لتختار أباً لأولادها، وهذا مما ورد في الحديث المشهور: “إن جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، أنْ يُختار الإنسان الَّذي يملك الخلق الذي ينفتح به على النّاس ويتحمَّل مسؤولياته عنهم، وفي كلِّ ما يمكّنه من أنْ يكون أباً صالحاً لأولاده، وأنْ يكون له الدّين الذي يمنعه من اضطهاد زوجته ومن الإساءة إلى من حوله وما حوله، وما إلى ذلك.

 

وعلى هذا الأساس، نفهم أنَّ تدبير الأسرة – في مسألة اختيار الأبوين – يسبق بناء الأسرة في عمليَّة إدارتها، فعندما نريد أن نكوِّن أسرةً إسلاميّةً صالحة، فإنَّ على الرَّجل الَّذي يريد أن يكون زوجاً، أن يفكِّر في من تكون أمَّاً لأولاده، وسيِّدة لبيته، وأن تفكِّر المرأة أيضاً في الزوج الذي تختاره ليكون أباً لأولادها، وسيِّداً لبيتها.

 

هذا في المجتمعات التي تعطي الحريَّة للمرأة، ولكنَّنا – وللأسف – لا نزال مجتمعاً جاهلياً، يحاول أن لا يعطي المرأة حرَّيتها فيمن تختاره زوجاً لها، بل إنَّ الأب هو الَّذي يزوّجها، والأخ هو الذي يزوّجها، والعشيرة هي التي تزوّجها، وما إلى ذلك، وربما نجد في بعض المجتمعات أنَّ هناك ضغطاً على الرَّجل أيضاً في أن يختار ابنة عمّه، أو يختار قريبته، أو ما إلى ذلك، بضغط من أمِّه أو من أبيه.

 

أ.ش