خبيرة في علم الاجتماع ليلى صالح للوفاق:

الشباب أساس نهضة المجتمع في كل المجالات

خاص الوفاق: دور الشباب الأساسي هو تحقيق مصالح الأمة والانتصار للإسلام، وإن استلزم القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، فاقتدار المجتمع واعتزازه هو نتيجة حتمية لاقتدار شبابه وعزتهم

2024-02-20

سهامه مجلسي

 

تعتبر مرحلة الشباب هي اغنى مرحلة للإنسان في حياته باعتبار ان اكتمال الطاقة واكتمال القدرات للكائن الإنساني إنما تكون في مرحلة الشباب ولهذا نجد ان هذه الطاقة التي اكتملت في مرحلة الشباب يجب ان نوجهها في الطريق الذي يبني ولا يهدم ويصون ولا يبدد حتى تكون هذه الحيوية وهذه الطاقة وهذه القدرات تسير في طريق بناء الأمة وخصوصا في جانبها الروحي وجانبها الإنتاجي المادي وهذا باعتبار ان القدرة والطاقة التي أوجدها الله عز وجل في هذا الإنسان لكي توجه في طريقها الذي خلقت من اجله، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الخبيرة في علم الاجتماع ليلى صالح وفيما يلي نص الحوار:

 

 

ماهي المكانة التي اعطاها الاسلام للشباب وكيف تطورت؟

 

بداية استهل كلامي بالتبريك بحلول شهر شعبان شهر رسول الرحمة (ص)، وليس صدفة أن يجمع هذا الشهر ولادة الاقمار الهاشمية الكربلائية، بكل رموزها الثورية، الإمام الحسين(ع) سيد شباب شهداء أهل الجنة، وأبا الفضل العباس(ع) قمر العشيرة وحامل اللواء، والإمام زين العابدين(ع) جريح كربلاء، وصولاً للحادي عشر منه ذكرى ولادة علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقاً برسول الله (ص)، رمز الفتى المؤمن المقدام، الذي تحتفل فيه إيران بيوم الشباب، ليكتمل بدر الشباب في الخامس عشر منه بولادة العدل المنتظر قائم آل محمد أرواحنا لمقدمه الفداء، الولادات الميمونة لائمة اهل البيت عليهم السلام في شهر رسول الله(ص)، إنما تدلل على المكانة العظيمة التي يوليها الإسلام للشباب في اقتدار الأمة، ويشير الإمام الخميني (قدس) إلى هذه المكانة حين يعتبرهم أساس أمل المسلمين، مؤكداً أنه على الشباب، “أن يعرفوا الإسلام الواقعي ويعرّفوه… ويصرفوا قسماً من وقتهم في معرفة أصول الإسلام الأساسية التي على رأسها التوحيد والعدل ومعرفة الأنبياء العظام واضعي قواعد العدالة والحرية، من إبراهيم الخليل(ع) إلى الرسول الخاتم (ص)، فتاريخ الأنبياء العظام(ع) ليست مجرد أحداث وقضايا تاريخية خرجت عن الزمن، بل هي تجارب نأخذ منها الدروس والعبر لاستشراف المستقبل، ولتشرق بها عن نور البصيرة فلا يقع الشباب في الضلال، ولا ينجر المجتمع إلى الفتن، ويصبح لقمة سائغة لمخططات العدو.

 

 

لماذا الاسلام يعطي الأهمية الكبرى للشباب وهل يعتبرهم العمود الفقري للمجتمع؟

 

تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل حياة الفرد، لتأثيرها على واقعه الشخصي والاجتماعي، ففي مرحلة الطفولة والصبا يتلقى من أسرته وبيئته، المعارف والقيم، مما يجعله في موقع المتأثر بالمحيط الاجتماعي، أما في مرحلة الشباب، حيث يصل فيها النضج والنمو العقلي والجسدي الى مستوى يسمح له بأن يتفاعل مع المحيط الاجتماعي، فيؤثر ويتأثر به. إنها المرحلة التأسيسية البارزة في حياة كل شخص، فهي تبلور سماته الشخصية، التي تؤطر بشكل كبير نمط تعاملاته الخارجية.  لهذا فهو السن الأنسب لإصلاح النفس وتهذيبها، وإذا لم يستفد الإنسان من هذا العمر لإصلاح نفسه فسيكون الإصلاح بعد ذلك أصعب بكثير، هنا نفهم مقصد أمير المؤمنين(ع) في كلامه لابنه الإمام الحسن(ع) في وصيته: “…وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبُك ويشتغل لبُّك..” في هذه المرحلة يتجاوز الفرد مرحلة التربية الى مرحلة التثقيف، وتحتم عليه هذه المرحلة، المسؤولية أمام نفسه التي هي نعمة إلهية، في تهذيبها ورفعة شأنها، ومنعتها وتقدمها، وأمام ربه في أداء واجباته العبادية والاجتماعية، واتجاه مجتمعه في تأدية تكليفه الجهادي والاجتماعي. يقول في أهمية هذه المرحلة الإمام الخميني (قدس): “أنتم الشباب يجب أن تبدأوا من الآن بهذا الجهاد، لا تدعوا قوى الشباب تذهب من أيديكم، بقدر ما تذهب قوى الشباب من يد الإنسان تزداد جذور الأخلاق الفاسدة فيه، ويصير الجهاد أصعب. أنتم الشباب المستعدون الآن للجهاد، في سبيل صناعة أنفسكم يجب البدء من هذه السنين بصنع أفرادٍ يخلصون لبلدهم. إذا صنعتم أنفسكم وزرعتم الفضائل الإنسانية في أنفسكم، في ذلك الوقت ستكونون منتصرين في جميع المراحل، ففي هذه المرحلة يكون الشاب (الذكور والإناث) في أوج الحماس، والاندفاع للتغيير، والانفتاح على الحياة بنظرة أمل في المستقبل حيث تبرز فيها سمات عدة أهمها: العطاء بدون مقابل، مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص لإثبات ذاته والاعتزاز بقدراته، العنفوان، وهو الرغبة في الوصول لكل ما يرغب فيه، النضج العاطفي الذي يبدأ معه وعيه لاحتياجاته العاطفية بشعور داخلي بالحاجة إلى شريك يتحمل معه عبء الحياة ومسؤولياتها في حاجته التي يكملها معه بزواج عفيف.

 

 

ما هو المطلوب من الشباب المسلم في بناء مجتمعه؟

 

أشرنا في البداية إلى أن الشباب هم أمل الأمة ومستقبلها، هذا التوصيف لهم يضعهم في المواقع الأكثر حساسية في بناء الأمة ونهضتها، فالأجيال الشبابية هم من يقع على كاهلهم حمل أمانة خلافة الله على الأرض ونقلها للأجيال اللاحقة بأمانة، يبدأ دور الشباب في توظيف إمكاناتهم وقدراتهم ومعارفهم في نهضة الأمة واقتدارها، وفي هذا الدور تنال مسألة الارتباط بالله تعالى الحظّ الأوفر في عمليّة إعداد النفس لهذا الدور.

 

ولبناء الروحيّة الإيمانية المعنوية بشكل صحيح، عليه أن يبني الإيمان في نفسه أولاً ويهذبها، والنماذج الشبابية كثيرة التي نهضت بمجتمعاتها من التبعية الى التحرر، الذي يعد أساس نهضة المجتمع في كل المجالات، حيث لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض في مجاله العلمي، أو التقني، أو الصحي، أو العسكري، أو النووي.. إذا كان يعيش التبعية لدول الاستكبار العالمي التي لن تسمح له بأي نهوض أو تنمية خارج دائرة مصالحه، من هنا دور الشباب الأساسي هو تحقيق مصالح الأمة والانتصار للإسلام، وإن استلزم القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، فاقتدار المجتمع واعتزازه هو نتيجة حتمية لاقتدار شبابه وعزتهم، فها هو “الحاج رضوان” القائد الذي عرفته أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت،  فتىً خجولاً مهذباً، تحول اسمه إلى مفتاح يرعب العدو، ورمز للفتية الأشداء أصحاب الروحية المعنوية التي يقول فيهم الإمام الخميني (قدس): “هؤلاء الشباب حولهم اللَّه تبارك وتعالى في مدة قليلة جداً بنحو وصلوا إلى مقامٍ لم يصل إليه أولئك الذين جرّوا مدة خمسين عاماً للوصول إليه، إلى مكان لا يريدون أحداً غير اللَّه أبداً، طالبين الشهادة بنحوٍ يتقبّلون الشهادة بنحوٍ، هذه مسألة مهمة يجب علينا نحن أن نلتفت إليها، فهذه المسألة ليست مسألة عادية”.

 

 

ماهي المشكلات الحقيقية التي يعيشها شبابنا المسلم في هذا العصر؟

 

شبابنا المسلم اليوم يعيش تخبط أزماته الداخلية والخارجية، التي يتداخل فيها البعد الاجتماعي على السياسي فالاقتصادي والتقني والصحي.. فمع ما يشهده العصر من “الثورة الرقمية” وتداعياتها على كل مجالات الحياة، التي يُفترض بها أن تنهض بالمجتمعات كافة باتجاه تقدم حضاري، علمي يرتقي بإنسان الحضارة إلى مدارج الكمال الإنساني، تنزع الهيمنة الغربية الاستكبارية وجهها المخادع، في استمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، وشعوب المقاومة، بأبشع صورة وحشية لم يشهد لها مثيل في التاريخ المعاصر، والشباب العربي يعيش أزمة الوعي الجمعي أمام سكوت وتآمر حكوماته العربية التي لم تستطع أن تدخل أدنى مساعدات إنسانية تجنب شعب بكامله الموت جوعاً، فضلاً عن معركة الإبادة الجماعية، إن محور مشاكل الشباب وعقدتها في هذا العصر، أزمة الهوية والبصيرة، فهي مفتاح وعلاج كل المشاكل.

 

 

ما هي الحلول الجدية لازالة المعوقات أمام الشباب في كفاحهم لبناء مستقبلهم؟

 

العلم له الدور الريادي في تأسيس شخصية الشاب وتكوين ثقافته، هذا العلم الذي يكون النصيب الأوفر فيه أيام الشباب، “إذا ذهبت أيام الشباب فبعد ذلك لا تخالوا أنكم تستطيعون ترك العبادة والتحصيل لآخر العمر؛ في آخر العمر الإنسان لا يستطيع العبادة، ولا يستطيع التحصيل، ولا أفكاره أفكار قوية مستقيمة كي يستطيع إدراك المطالب العلمية”، لذا يعد إصلاح الشباب إصلاح لكل المجتمع، يقدم لنا  الإمام الخميني(قدس) الأساس الذي يرتكز عليه الشباب في حل مشاكلهم: “يا أعزائي الشباب، احملوا القرآن الكريم بيد وباليد الأخرى السلاح، ودافعوا عن كرامتكم وشرفكم حتى تسلبوا منهم قدرة التفكير في التآمر عليكم. رحماء مع أصدقائكم ولا تقصروا بإيثارهم بكل ما لديكم كونوا واعين فعالم اليوم هو عالم المستضعفين، وآجلاً أو عاجلاً سيكون النصر لهم، وهم وارثوا الأرض والحكام بأمر اللَّه”.  صحيح أن القتال يحتاج إلى الإمكانات والقدرات المادية، وكما يقول القائد الحاج رضوان:  “إنّ الإمكانات أصل، البرامج أصل، التكتيك أصل، صياغة الأهداف أصل… لكنّ الأصل الرئيس هو الروحيّة والروح. الجانب الذي يقاتل ويجاهد فينا، هي الروحيّة، فالروح المرتبطة بذات الباري سبحانه وتعالى هي التي تقاتل.” ما يميز الشاب المؤمن عن غيره هو ارتباطه بالله تعالى في جميع حركاته وسكناته؛ لأنّه يتصرّف على أساس عبوديّته لله تعالى، في حين يتصرّف الآخرون كجبابرة في الأرض.

 

 

ما هي مشاكل الشباب في العصر الحديث وما هو دورهم في المجتمع؟

 

نحن في مرحلة مفصلية، قد تهيأت لها الظروف الواقعية الميدانية ما يجعلها تنفتح على تحولات مصيرية في مستقبل أمتنا الإسلامية، فدور الشباب اليوم هو الدفاع عن الحرية والسيادة والاقتدار في مواجهة الهيمنة الأمريكية الصهيونية وحلفائها من معسكر الناتو، وأول هذه التحولات تحرر هوية الشباب  الثقافية من النظام العالمي المتسلط على مجالنا الحيوي، هذا التحرر من الهويات الدخيلة لدى الشاب المسلم العصري تبدأ من التوسعة في العلوم لنصل إلى الفهم المشترك بيننا وبين الجيل الجديد، متمحور حول العدالة بما هي نظرية أصيلة وفيها مستويات، نبحث عنها كوسيلة وآلة لتنظيم حياة الإنسان التي تقدم لنا الإطار والاتجاه والفكرة التأسيسية لتخصيب مفهوم العدالة في منظومتنا التوحيدية التعبدية.

 

هوية الشاب المسلم تختصرها الأسرة في الخطاب الإسلامي المعاصر بجعلها تقوم على المودة والرحمة، التي لا تنحصر في العلاقة الزوجية بل تمتد إلى العلاقة الرحمية فالاجتماعية لتؤسس لنمط تراحمي مجتمعي بهدفية السعادة، يقوم على أصل المودة المرتبط بالتوحيد التعبدي لا على حصرية النفعية بين البشر. الأسرة المحمدية العلوية الفاطمية التي نبحث عن مداميك سيرها هي تلك الجماعة الجهادية التي شكلت البيئة الحاضنة للمقاومة، حيث غطت كل مساحات الحياة من موقعية الأمومة، وقوامة الأبوة، والتعفف العاطفي، إلى الكسب الحلال في معترك الحياة الاقتصادية، والعلمية والصحية والتقنية، والحضور الرسالي السياسي والإعلامي والافتراضي، فمسؤولية الشباب ودورهم اليوم يحتم عليهم تظهير النماذج التربوية التي صاغها الإسلام كتحصيل للخبرة وعقل هذه الخبرة بالاجتهاد، الذي يقدم البدائل الخاصة لهويتهم وفق النهج المحمدي الأصيل الذي صاغه القائد الامام الخامنئي حفظه الله ببيانه عن الأسرة والمجتمع وحدد مرتكزاته.

 

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة